يعالج نقص القوى البشرية بالمتطوعين

النظام السوري يساير العرب بتعديلات التجنيد في الجيش

تدريبات عسكرية بحضور رئيس هيئة الأركان العامة للجيش والقوات المسلحة العماد عبد الكريم محمود إبراهيم في البادية السورية - 20 من تموز 2023 (وزارة الدفاع في حكومة النظام السوري)

camera iconتدريبات عسكرية بحضور رئيس هيئة الأركان العامة للجيش والقوات المسلحة العماد عبد الكريم محمود إبراهيم في البادية السورية - 20 من تموز 2023 (وزارة الدفاع في حكومة النظام السوري)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – ريم حمود

تآكلت المؤسسة العسكرية السورية إثر زج قدراتها في حرب طويلة بعد بداية الثورة عام 2011، لقمع الاحتجاجات ومواجهة فصائل المعارضة السورية، وجماعات أخرى اتخذت من الأراضي السورية مسرحًا لها.

ومنذ أكثر من عام، أصدر النظام السوري بشكل متتالٍ عدة قرارات إدارية تخص الخدمة العسكرية الاحتياطية والإلزامية والتطوعية، وكان أحدثها ما أعلن عنه المدير العام للإدارة العامة في وزارة الدفاع بحكومة النظام السوري، اللواء أحمد سليمان، خلال لقاء مع قناة “الإخبارية السورية“، في 26 من حزيران الحالي، إذ جدولت وزارة الدفاع في حكومة النظام خطة زمنية للخدمة الاحتياطية تتكون من ثلاث مراحل.

تعاقب مجموعة من التعميمات والقرارات الإدارية التي تخص الخدمة الاحتياطية يفتح المجال أمام البحث عن الآثار التي قد تتركها هذه الخطوات على صفوف الجيش السوري، وما الأهداف التي قد يكون النظام السوري يعمل عليها تحت غطاء الإعلان بهدف الوصول إلى “جيش متطور”.

ثلاث مراحل

المرحلة الأولى من الخطة التي أعلن عنها اللواء أحمد سليمان، تبدأ من 1 من تموز المقبل وحتى نهاية العام الحالي، ويسرح بموجبها كل من أمضى ست سنوات بالخدمة حتى نهاية حزيران الحالي، في حين يسرح من أمضى خمس سنوات ونصفًا حتى نهاية آب المقبل، بينما يسرح من قضى خمس سنوات حتى نهاية تشرين الأول.

أما في نهاية العام الحالي فيسرح من أمضى أربع سنوات ونصفًا في الخدمة الاحتياطية، لافتًا إلى أن هذه المرحلة من التسريح ستقيّم قبل الدخول بالمرحلة التالية.

ووفق الخطة تبدأ المرحلة الثانية من الخطة في العام المقبل، وتهدف لتسريح من أتم أربع سنوات حتى نهاية كانون الثاني 2025، بينما يسرح من أمضى ثلاث سنوات ونصفًا حتى نهاية شباط 2025.

وفي نهاية حزيران 2025، يسرح من أمضى ثلاث سنوات في الخدمة حتى نهاية آذار 2025، ومن أتم سنتين ونصفًا حتى نهاية نيسان يسرح في 31 من آب 2025، ومن أمضى سنتين في الخدمة الاحتياطية حتى نهاية أيار، يسرح في نهاية تشرين الأول 2025.

وأشار اللواء أحمد سليمان إلى أنه سيكون الحد الأقصى للخدمة الاحتياطية عامين فقط خلال المرحلة الثالثة وذلك بعد تقييم المرحلة الثانية، لافتًا إلى أن النظر للخدمة الاحتياطية سيكون من معياري العمر وعدد سنوات الخدمة.

ووفق حديثه لـ”الإخبارية السورية”، فإن عشرات الآلاف من العسكريين سيسرحون من الخدمة حتى نهاية العام الحالي ومثلهم خلال العام المقبل مع المحافظة على الجاهزية القتالية، مشيرًا إلى أن المدة الزمنية للخدمة الاحتياطية بالمراحل الثلاث قابلة للتعديل زيادة أو نقصانًا حسب نسب الالتحاق.

مسايرة للعرب

الباحث في الشؤون العسكرية بمركز “جسور للدراسات” رشيد حوراني، قال لعنب بلدي، إن التغييرات التي عمل عليها النظام السوري وراءها أمران، الأول أنها جاءت بمعظمها بالتزامن مع الانفتاح العربي على النظام ومطالبة الدول العربية وعلى رأسها السعودية بإجراء إصلاحات تتعلق بالأجهزة الأمنية والعسكرية والمعتقلين، ومحاولة النظام من وراء تلك القرارات مسايرة هذه المطالب.

ويرى الباحث حوراني، أن الأمر الثاني يتمثل بمحاولات روسية بين الفترة والأخرى للعمل على إعادة هيكلة الجيش السوري بعد استنزافه خلال السنوات الماضية، وذلك بما يتناسب مع الوضع القائم والتفاهمات التي أبرمتها مع بقية الأطراف الإقليمية والدولية المتدخلة في سوريا منها تركيا وأمريكا، التي أدت إلى جمود جبهات القتال.

المبادرة العربية التي عاد بموجبها النظام السوري إلى محيطه العربي تدريجيًا منذ مطلع عام 2023 لا تنص بشكل مباشر على إعادة هيكلة القوات العسكرية للنظام السوري، لكن من الممكن وفق التغييرات العامة التي يحاول رئيس النظام السوري، بشار الأسد، تصويرها عبر الإعلام الرسمي والقرارات، أنها جاءت بناء على تفاهمات معه أو مع حلفائه.

ووفق ما نشرته مجلة “المجلة” السعودية من بنود “المبادرة الأردنية”، فإن المرحلة الثانية منها تتعلق بالبعدين الأمني والعسكري، وتشمل ضرورة موافقة النظام على خطوات، أبرزها وقف شامل لإطلاق النار في جميع الأراضي السورية، ووقف جميع العمليات العسكرية التي لها علاقة بالصراع المسلح، باستثناء عمليات التدريب القتالي.

كما نصت المبادرة على إعلان تجميد التجنيد العسكري لمدة سنة على الأقل، وتخفيض عدد الحواجز الأمنية في مناطق مدنية يتفق عليها، إذ إن البنود المذكورة تتعلق بإزالة الحواجز العسكرية والأمنية من المدن السورية، التي تشكل عائقًا أمام عودة حياة السوريين إلى شكلها الطبيعي.

إعادة بناء القوى البشرية

في 28 من حزيران الحالي، نشر مركز “حرمون للدراسات المعاصرة” دراسة تحت عنوان “إعادة هيكلة الجيش في سوريا الجديدة” أرقامًا عن عدد القوى البشرية بالجيش السوري، إذ كانت أعداد القوى البشرية النظامية قبل الثورة السورية عام 2011 نحو 430 ألفًا، في حين تدنت الأعداد عام 2021 وفق الدراسة إلى 120 ألفًا.

وفي الوقت نفسه، قدّرت الدراسة عدد أفراد الأجهزة الأمنية في سوريا عام 2011 بـ150 ألفًا ليصبح 70 ألفًا عام 2021.

ومن وجهة نظر الباحث رشيد حوراني، فإن القرارات الصادرة قد تحدث بعض التغييرات على الجيش السوري وذلك بناء على نسب الالتحاق الناتجة عن إعلانات التطوع، ما يمكنها من خلق دورة متفاوتة الثبات بما يتعلق بقوى الموارد البشرية لدى النظام السوري، إضافة إلى خضوعها للتذبذب إلى حد كبير بسبب عدم المركزية في جيش النظام السوري.

وأرجع حوراني عدم المركزية إلى ظهور دعوات التطوع التي تقوم بها بعض الفرق بشكل منفرد كـ”الفرقة الرابعة” التابعة للجيش السوري، وبالتالي فإن القرارات وما تحدثه من نتائج “غير كافية لمعالجة النقص في القوى البشرية”، ما سيجعل النظام السوري يستمر بإصدارها للإيحاء بأنه يعمل على تغييرات وإصلاحات بالمؤسسة العسكرية.

ومنذ منتصف العام الماضي، دعت وزارة الدفاع بشكل متكرر للتطوع في صفوف قواتها، بأجور “مغرية” لا يتقاضاها العاملون في القطاع العسكري السوري، كما أنها حددت مدة الخدمة العسكرية، على غير العادة.

وورد في عقد التطوع الصادر في 21 من تشرين الثاني 2023 الذي سمي “عقد مقاتل” فترتان للخدمة، خمس سنوات وعشر سنوات، وتضمنت عقود التطوع للفترتين راتبًا يصل إلى مليون و300 ألف ليرة سورية مع التعويضات (كل دولار أمريكي يقابل 14850 حسب موقع “الليرة اليوم المتخصص بمتابعة أسعار الذهب والعملات الأجنبية).

وبحسب العقد توجد مكافآت، منها بدء الخدمة ومكافأة سنوية ومنحة للزواج غير مستردة قيمتها مليونا ليرة، ومن يلتحق تسقط عنه الخدمة الإلزامية وله الخيار في تجديد العقد من عدمه.

من جهته، الباحث المتخصص في العلاقات العسكرية المدنية بمركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” محسن المصطفى، قال لعنب بلدي، إن النظام كان قد بدأ منذ ثلاث سنوات تقريبًا بتسريح عدد من المجندين بعد بقائهم سنوات في الخدمة الاحتياطية.

وتابع المصطفى حديثه لعنب بلدي، أن خطة النظام بدأت بالتبلور منذ نحو عام تقريبًا عبر إصدار أوامر إدارية لتسريح المزيد من المجندين في الخدمة الاحتياطية، بالإضافة إلى إعلان المدير العام للإدارة العامة في وزارة الدفاع بحكومة النظام السوري، اللواء أحمد سليمان، عن التوجه نحو إنهاء ملف الخدمة الاحتياطية وبناء “جيش احترافي” قائم على المتطوعين.

وأشار محسن المصطفى إلى أن الهدف الحالي للنظام يتركز حول إعادة بناء الموارد البشرية اللازمة للجيش من المتطوعين بشكل أساسي والتمهيد لاحقًا لتخفيف الاعتماد على المجندين سواء بالتجنيد الإلزامي أو الاحتياطي.

ويرى الباحث أن هذه الخطوة جاءت لأن النظام أدرك بعد سنوات الثورة السورية أن من في التجنيد الإلزامي لا يعتمد عليه كثيرًا إثر الانشقاقات الكثيرة والعزوف عن الالتحاق بالخدمة.

تغييرات بمفهوم “الخدمة الإلزامية”

نوّه المدير العام للإدارة العامة في وزارة الدفاع بحكومة النظام السوري، اللواء أحمد سليمان، إلى أن المتطوع لخمس سنوات يُدعى للخدمة الاحتياطية سنة واحدة متصلة أو متفرقة، ويعفى من الخدمة الإلزامية، أما بالنسبة للمتطوع لعشر سنوات فيعفى من خدمة الاحتياط نهائيًا.

ولفت اللواء سليمان إلى أن هناك دراسة جاهزة، وسيصدر لاحقًا صك تشريعي بشأن دفع البدل لمن بلغ 38 عامًا ولديه مدة خدمة معينة، وذلك بدلًا من 40 عامًا.

وأضاف أن الأمر ذاته بالنسبة للخدمة الإلزامية لمن لديه حالة عجز (خدمات ثابتة)، إذ يجوز له دفع البدل إن كان لا يرغب بأداء هذه الخدمة، مبينًا أن “مفهوم الخدمة الإلزامية سيتغير نتيجة التطوير والاعتماد على المتطوعين”.

القرارات الحالية تدل على أمرين، وفق وجهة نظر الباحث في الشؤون العسكرية بمركز “جسور للدراسات” رشيد حوراني، الأول عدم ثقة النظام بنجاح ما أعلنته الوزارة من خطة وخاصة أن المرحلة الأولى ستقيّم للدخول بالمرحلة الثانية، بمعنى أن التفسير سيبقى بيد النظام السوري، ولا يوجد قرار يقضي بتسريح الدورات العسكرية بكاملها بناء على تاريخ الالتحاق.

أما الثاني فيستهدف فئة الاحتياط ممن تقدموا في العمر، إذ قال لهم بطريقة غير مباشرة إن لم تطبقوا شروط التسريح من ناحية المدة الزمنية المنصوص عنها، فبإمكانكم التوجه لدفع البدل.

ووفق تحليل الباحث رشيد حوراني، فإن الحديث عن النية بإصدار صك تشريعي بشأن البدل وخفض العمر المعتمد السابق جاء بهدف زيادة عدد هذه الشريحة واستفادة النظام السوري ماليًا.

وحسب دراسة لمركز “توازن” البحثي، تراجع عدد مقاتلي الجيش نحو الثلثين بعد عام 2011، وفي عام 2012، حالت المساعدة العسكرية الروسية والإيرانية دون انهيار النظام وقواته.

وقدّر المركز أعداد مقاتلي الجيش عام 2020 بـ169 ألفًا، وقيّم كفاءة الجيش السوري فيما يخص الاحترافية العسكرية والحوكمة والنظرة الاجتماعية والثقافية والمؤهلات المدنية واقتصاد قطاع الدفاع بـ”المتدنية”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة