بأصواتهم.. الاحتلال وتحذيرات الخطر الوجودي

  • 2024/06/30
  • 1:55 م
لمى قنوت

لمى قنوت

لمى قنوت

لا ينفك العديد من حلفاء وداعمي الاحتلال الصهيوني في أمريكا عن توجيه نصائح وتحذيرات لنتنياهو وحكومته من مغبة انعدام وجود خطة لليوم التالي بعد عدوانهم على قطاع غزة، وتصاعد وتيرة تهديداتهم ولجم رغبتهم في توسيع نطاق الحرب ضد لبنان، أمثال توماس فريدمان، الذي قال إن إسرائيل التي يعرفها تغيرت، وبأنها اليوم في خطر وجودي، وذلك في مقاله الأسبوعي بصحيفة “نيويورك تايمز” في18  من حزيران الحالي.

وهذا قلق صهيوني عام على المشروع الاستعماري، بصفته ثكنة عسكرية في المنطقة وامتدادًا للمشروع الاستعماري لدول الشمال العالمي، وإقرارًا صريحًا بآثار تفكيكية في هذا الكيان بعد حرب الإبادة الجماعية التي ارتكبها، ولا يزال، في قطاع غزة وتطهير عرقي في الضفة.

ولا تنطلق تلك التصريحات من نزع المسؤولية عن دور الدعم الأمريكي اللامحدود للاحتلال وشراكتهما في تلك الجرائم فقط، بل في تفهم حالة غضب الاحتلال وتبرير الجرائم وتسويقها “كدفاع عن النفس” من جهة، واعتبارها حالة طارئة معزولة عن ولادة دموية في فلسطين وتاريخ طويل معجون بالجرائم والانتهاكات.

لا تقتصر التحذيرات على الأصوات الأمريكية المخلصة للاحتلال الصهيوني والساعية لإنقاذه فحسب، بل ازدادت الأصوات من داخل الاحتلال قارعة جرس إنذار لتصاعد القلق الوجودي لدى المجتمع الاستيطاني الصهيوني، كالمقال الذي عنونته صحيفة “هآرتس” بافتتاحيتها، في 4 من حزيران الحالي، وجاء فيها أن “العد التنازلي لانهيار إسرائيل قد بدأ”، وذلك عقب “مسيرة الأعلام” للمتطرفين التي شارك فيها وزراء ونواب في “الكنيست”، وساد فيها، حسب الصحيفة، روح الانتقام والعنف، على وقع أغنية شعبية عن الانتقام، إلى جانب “الموت للعرب” و”دع قريتك تحترق”، وهاجموا فيها الصحفيين، وتوارت العائلات الفلسطينية في منازلها حتى “لا يميل المحتفلون إلى إعدامهم”، وحذرت الافتتاحية بأنه في حال لم “يتحرك المركز الإسرائيلي لإعادة المتطرفين إلى هامش المجتمع، والقضاء على الكاهانية وإزالة آفة الاحتلال الخبيثة من جسد الدولة، فستكون مسألة وقت فقط قبل انهيار إسرائيل النهائي. لقد بدأ العد التنازلي”.

بعد تسعة أشهر من الإبادة الجماعية يمكننا تسليط الضوء على بعض الآثار التفكيكية داخل الكيان، من انهيار الردع الإسرائيلي بعد عملية “طوفان الأقصى”، وتصاعد الحراك العالمي الداعم لتحرر الشعب الفلسطيني والمناهض للاحتلال ومقاطعة بضائعه والشركات التي تتعاون معه وتستثمر فيه، وقطع عدد من الدول علاقتها معه، إلى التحرك القضائي في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها دولة جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدولية وطلبت عدد من الدول الانضمام إليها رسميًا. أما على صعيد تراجع “الهجرة” إلى الكيان وكثافة مغادريه، فهي ذات دلالة سلبية على وجوده القائم على تشجيع الاستيطان فيه، ويذكر الصهاينة تصريح بن غوريون الذي قال فيه “إن انتصار إسرائيل النهائي سيتحقق عن طريق الهجرة اليهودية الكثيفة، وإن بقاءها يتوقف فقط على توفر عامل واحد، هو الهجرة الواسعة إلى إسرائيل”، وتُرجِم هوس التغيير الديموغرافي عن طريق التطهير العرقي بإقرار تشريع ما سمي بـ”قانون العودة” في تموز 1950، الذي أعطى اليهود حق الهجرة إلى فلسطين المحتلة والاستيطان فيها والحصول على الجنسية الاسرائيلية، وما حرب الإبادة الحالية والسعي للتهجير القسري لأكثر من مليوني فلسطيني وفلسطينية من قطاع غزة إلا جزء من العقلية الإحلالية للاحتلال، وإن النداء الذي وجهه رئيس الوزراء السابق للاحتلال، نفتالي بينت، على منصة “إكس”، “بعدم مغادرة البلاد”، ما هو إلا ترجمة للقلق الوجودي الناجم عن كثافة الهجرة المعاكسة، “نمر بأصعب فترة منذ 1948، مقاطعة دولية، تضرر الردع، 120 إسرائيليًا في الأسر، آلاف العائلات الثكلى، الجليل مهجور، آلاف المهجرين، وزراء لا يهتمون إلا بأنفسهم، فقدان السيطرة على الاقتصاد والعجز”، وأشار إلى أن مغادرة البلاد يجب ألا تحدث.

وعلى صعيد جيش الاحتلال، فقد حطمت جرائمه الصورة المثالية التي عمل الصهاينة على بنائها على مر العقود بأنه “الجيش الأكثر أخلاقًا في العالم”، وانطلى ذلك على مُستلبين ومُستلبات لما تروجه حملات “الهاسبارا” وما يهرف به المستفيدون والمستفيدات من تمويل ودعم منظمة “آيباك” والصهاينة الأثرياء، وأصبح شائعًا وصفه كأحد أكثر الجيوش إجرامًا في العالم، كما صرح، مثلًا، عضو لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلة كريس سيدوتي.

ومجتمع الاحتلال الذي نشأ على تقديس جيشه سيواجه رأيًا عامًا عالميًا متصاعدًا يعرف جرائمه جيدًا من اغتصاب الأسرى، من رجال ونساء، وقتل الأطفال والطفلات بالحرق أحياء، وترهيب كبار السن بالكلاب المدربة، وسرقة الأعضاء البشرية من الموتى والأحياء، وقصف المربعات السكنية وخيم اللاجئين والمستشفيات ومحاصرتها واقتحامها، وقطع الماء والكهرباء عنها وترويع كوادرها الطبية، والتجويع والتدمير لكل ما هو حي وحيوي. وستطالب العديد من الجهات بمحاسبة الضباط والجنود وقادة الاحتلال من السياسيين على جرائمهم وانتهاكاتهم، رجالًا ونساء، ومن المتوقع أن تصدر محكمة الجنايات الدولية مذكرة اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع، يوآف غالانت، كما يشاع إعلاميًا.

ومع سقوط العديد من جنود الاحتلال وإصابة آخرين، وعدم وجود خطة منظمة خلال المعارك وخطة لإنهائها، تصاعد الخلاف ونقد الصهاينة لنتنياهو وحكومته الفاشية المتطرفة، كتصريح رئيس الأركان السابق، دان حالوتس، في 12 من أيار 2024، “الجنود يتساقطون سدى في حرب غزة والشمال، لأنه لا يوجد أي هدف من هذه العملية. حتى لو دمرنا غزة عن بكرة أبيها، فلن نحصل على صورة النصر”، واعتبر أن “الصورة الوحيدة التي ستحفر في تاريخنا هي الخسارة في السابع من أكتوبر”، وتصريح المتحدث باسم الجيش، دانيال هاغاري، للتلفزيون الإسرائيلي، “فكرة أننا نستطيع تدمير (حماس)، أو جعلها تختفي، فكرة مضللة للجمهور”.

وأدى هذا الواقع إلى فرار العديد من جنودهم، وخاصة ممن تحدث منهم عن شجاعة المقاومين، فحسب شهادة أمهات بعض الجنود عما رواه أبناؤهن، التي نشرها موقع “أمهات الإسرائيلي“، فإن بعضهم جرح نفسه كي يفر من القتال، وتسود في أوساطهم حالة اليأس والإرهاق والشعور باللامبالاة ونقص الرعاية الصحية وعدم الجدوى، وروى أحدهم بأن مقاتلين اثنين من وحدته أعلنا خلال أسبوع واحد بأنهما لن يشاركا بالقتال في غزة، وازداد إحباطهم بعد العودة إلى القتال من مناطق انسحبوا منها وأصيبوا فيها، وتجذر انعدام الثقة بين الجيش وقيادته السياسية. وفي نهاية الشهر الماضي، وقّع 42 جنديًا على رسالة لرفض الخدمة العسكرية في قطاع غزة، وهي بالتضاد مع الأفكار التي نشؤوا عليها في مجتمع مُعَسكر لديه ارتباط وثيق جدًا بين العسكرة والمجتمع الاستيطاني الذي أُعِد أبناؤه وبناته ليصبحوا محاربين ومحاربات في جيشه ومطيعين لقادته.

وتحتاج شهادات الأمهات حول التفاصيل التي عاشها أبناؤهن الجنود إلى المزيد من التمحيص حول استعدادهن مجددًا لتشجيع أولادهن وبناتهن على الانخراط في الخدمة العسكرية، التي عادة ما تعتمد عليها الجيوش، وخاصة مع تراجع ثقة مجتمع الاحتلال بقدرة جيشه على كسب الحرب التي شنها على قطاع غزة وتحقيق أهدافه المعلنة، التي يُنظر إليها على أنها بعيدة المنال، إضافة إلى الأثر السلبي للاستقطابات الحادة في المجتمع، والخطاب السام وأثر الخلافات السياسية الداخلية، التي أصبحت بالنسبة لمجتمع الاحتلال لا تقل أهمية عن “الحرب” نفسها، وذلك كما جاء في 15 استطلاعًا أجراها هذا العام معهد “دراسات الأمن القومي” في جامعة “تل أبيب”، ونشرها في 27 من أيار.

مقالات متعلقة

  1. عسكرة الدين وتديين الحرب في إسرائيل
  2. أجساد مستعمَرة.. أجساد للانتهاك
  3. سياسة الاستذئاب
  4. الإنجاب وقطع النسل والسيطرة على السردية

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي