محاذير اقتصادية من سياسة إحلال الدعم النقدي في سوريا

وسائل المواصلات العامة وسيارات الأجرة تحت جسر "الرئيس" بدمشق- 26 من تشرين الأول 2023 (عنب بلدي / سارة الأحمد)

camera iconوسائل المواصلات العامة وسيارات الأجرة تحت جسر "الرئيس" بدمشق- 26 من تشرين الأول 2023 (عنب بلدي / سارة الأحمد)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – جنى العيسى

دون تمهيد مسبق، وعقب الاجتماع الأسبوعي الدوري لحكومة النظام السوري، طالبت الحكومة جميع المواطنين من حاملي “البطاقة الذكية” بفتح حسابات مصرفية خلال ثلاثة أشهر.

أوضحت الحكومة، في 27 من حزيران الحالي، أن طلبها يتعلق بالتمهيد لتحويل مبالغ الدعم إليها لاحقًا عند استكمال منظومة الدعم النقدي وجاهزيتها لخدمة الملف بشكل مناسب، دون تحديد الفترة الزمنية التي سيبدأ بها توزيع هذا الدعم.

واعتبرت أن اشتراط فتح الحسابات المصرفية خلال ثلاثة أشهر لحاملي “البطاقة الذكية” لا يعني أي تغيير في سياسة تقديم الدعم أو الإخلال بإيصال الدعم إلى مستحقيه، بل يتعلق بتمكين المواطنين من الحصول على مستحقاتهم الكاملة من الدعم، ومنع أي تعدٍّ على هذه المستحقات من أي جهات وسيطة قائمة أو محتملة، دون ذكرها بالتحديد.

ورغم أن الحديث عن تحويل الدعم إلى نقدي في وقت سابق قوبل بتبريرات حكومية مفادها عدم القدرة على القيام بذلك، ألمحت الحكومة مؤخرًا إلى جدية طرحها.

وتشير تحركات الحكومة إلى أن المسألة رهن الإجراءات فقط، التي بدأت بتطبيقها بعد أيام من القرار، إذ طلب مصرف سوريا المركزي من المصارف الخاصة زيادة ساعات الدوام والعمل أيام السبت، وحصر العمليات في أثناء الدوام الإضافي بعمليات فتح الحسابات المصرفية فقط، وما يترتب عليها لتفعيل الحساب المفتوح، إضافة إلى متطلبات تنشيط الحسابات الجامدة في حال وجودها، دون إجراء أي عمليات أخرى تحت طائلة المساءلة.

توجه الحكومة الحالي يفتح الباب أمام التساؤلات حول مدى القدرة على تحويل الدعم إلى نقدي وما أهداف ذلك، إلى جانب أثر تطبيق هذا النهج على المواطنين والسلع المدعومة على حد سواء.

سيطرة من باب مصرفي

الباحث السوري في الاقتصاد السياسي إبراهيم ياسين، قال لعنب بلدي، إن النظام السوري عبر تحويل الدعم إلى مبالغ نقدية يحاول التحول من الاشتراكية إلى الليبرالية الاقتصادية واقتصاد السوق الاجتماعي كما أسماه رئيس النظام، بشار الأسد، في ظل عدم وضوح ماهية النظام الاقتصادي في سوريا.

اقتصاد السوق أو الاقتصاد الحر أو نظام الاقتصاد الرأسمالي، هو نظام يسمح للفرد بالقيام بأي نشاط اقتصادي يريده، وافتتاح أي مشروع، بالإضافة إلى حرية التعاقد بين الأفراد والمؤسسات، دون تدخل الدولة أو أجهزتها بذلك، بمعنى أن تترك الدولة السوق تضبط نفسها بنفسها دون أي تدخل في الأنشطة الاقتصادية.

وجود نظام اقتصاد السوق الحر لا يعني غياب الدولة والقطاع العام في تنظيم الحياة الاقتصادية داخل المجتمع، لأن الاقتصاد الحر قد يتسبب في احتكار بعض المؤسسات والأفراد للسوق من خلال احتكار المنتجات، لذلك نشأت فكرة “الاقتصاد الاجتماعي”، وهو بين الاقتصاد الرأسمالي والاقتصاد الاشتراكي، وتسعى الدولة من خلاله إلى تحقيق الموازنة والمساواة بين أفراد الوطن، وإعطاء الطبقات المتوسطة والفقيرة حقوقها.

سياسة الاقتصاد الحر تقوم على تحرير الاقتصاد وجعل الأسعار مرتبطة بالعرض والطلب للسلع، دون تدخّل من قبل الدولة كما هي الحال في النظام المركزي الاشتراكي.

ويرى ياسين أن مسألة التحول للدعم النقدي معقدة جدًا، بسبب وجود العديد من القطاعات المدعومة كالمواد الغذائية والمشتقات النفطية والتعليم والصحة، فالأمر يحتاج إلى التدرج في رفع الدعم.

وحول الاقتصار على الدعم النقدي، يعتقد الباحث أن النظام يريد من وراء ذلك التحكم بحجم الكتلة المالية في السوق وبالتالي قدرة أكبر للسيطرة على سعر الصرف، رغم عدم جاهزية القطاع المصرفي في ظل ما يعانيه من أعطال متكررة وازدحام وغياب في وصول التيار الكهربائي والمحروقات.

مدير البرنامج السوري في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”، والدكتور في الاقتصاد، كرم شعار، قال لعنب بلدي، إن تحول حكومة النظام نحو الدعم النقدي صحيح في حال تم تطبيقه بالطريقة الصحيحة.

 

نظام دعم السلع يعد نظامًا فيه فاقد مالي كبير كونه نظامًا يسهل فيه النهب، مقارنة بالدعم النقدي، السبب الذي يجعل غالبية الدول المتقدمة تعمل بنظام الدعم النقدي، بينما توجد لديها حدود منخفضة جدًا للسلع المدعومة.

كرم شعار

دكتور في الاقتصاد

من خلال تحويل الدعم إلى نقدي تسعى حكومة النظام إلى تحقيق عدة أمور، وفق ما يرى الباحث كرم شعار، أبرزها تخفيض حجم النهب الحاصل في دعم السلع، فضلًا عن دفع الجميع إلى النظام المصرفي، بحيث يصبح من السهل متابعة العمل الضريبي، وهو الأمر الذي تعمل عليه وزارة المالية منذ عدة سنوات، بهدف تعقب حسابات الأفراد والشركات، وبالتالي تخفيض نسب التهرب الضريبي.

كما تسعى الحكومة إلى تخفيف العجز بالموازنة الحكومية من خلال تخفيض نسبة الفاقد.

ويبلغ عجز موازنة الدولة للسنة المالية الحالية 9404 مليارات ليرة.

التضخم والسلع مهددان

سيزيد ضخ كتلة مالية من التضخم، كما سيفتح وضع مبالغ في الحسابات البنكية دون إمكانية سحبها أبوابًا جديدة للفساد، وبكلتا الحالتين تقوم حكومة النظام بالتجريب ولا تعتمد غالبًا على خبراء في الاقتصاد يدرسون إمكانيات السوق ويأخذون بعين الاعتبار تجارب الدول الأخرى، وفق ما يرى الباحث إبراهيم ياسين.

وسيؤدي تحرير الأسعار إلى رفعها وإن بشكل تدريجي حتى تصل لسعر التكلفة مع إضافة الربح، ولكن أثر ذلك سيمتد ليشمل كل السلع الموجودة في الأسواق، وفق إبراهيم ياسين، وفي حال رفع الدعم كليًا فالشرط هنا إلغاء الضرائب ورفع الأجور في القطاعين العام والخاص.

بدوره، يعتقد الدكتور في الاقتصاد كرم شعار أن الحكومة قد تكون قادرة حاليًا على تحديد قيمة الدعم النقدي الذي ستخصصه لكل عائلة، بحيث يغطي حاجة العائلة المتوسطة الدخل من الدعم.

لكنه أكد أنه في وقت لاحق سيكون أسهل على الحكومة تخفيض الدعم النقدي، كون تخفيض الدعم عن السلع أمرًا أعقد نوعًا ما بسبب ارتباطها بسلاسل توريد وعدة أطراف موجودة في القطاعين الخاص والعام.

ولكن بعد بدء العمل بالدعم النقدي سيتأثر هذا المبلغ بالتضخم ويتآكل مع الوقت، دون أي تحرك حكومي حينها بسبب رفع الحكومة يدها كليًا عن ملف الدعم الموجه للمواطنين، وتخليها عنهم بشكل كامل.

16.7 مليون سوري يحتاج إلى المساعدة

في سوريا، يحتاج 16.7 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية، بزيادة قدرها 9% على عام 2023، وفق تقديرات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.

ويحتاج 80% من السكان السوريين إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية في عام 2024، وفقًا لإحصائية صدرت في 12 من شباط الماضي عن برنامج الأغذية العالمي (WFP) حول أعداد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي سوريا.

ويعاني نحو 55% من السكان في سوريا أو 12.9 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، منهم 3.1 مليون يعانون بشدة من انعدام الأمن الغذائي.

متى بدأ الدعم الحكومي في سوريا؟

أوضحت دراسة نشرها “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” في آذار 2022، أن سوريا تبنّت نهجًا اشتراكيًا في إدارة شؤونها السياسية والاقتصادية منذ عام 1936، وهو نظام يقوم على ملكية الدولة لوسائل الإنتاج والإدارة والتعاونية الاقتصادية.

ومع وصول حافظ الأسد إلى السلطة عام 1970، جرى تخفيف القيود المفروضة على المشاريع الفردية والقطاع الخاص، إلا أن ذلك لم يساعد كثيرًا في تنشيط الدورة الاقتصادية في البلاد، بسبب الفساد واستمرار بعض القيود البنيوية المثبطة للاستثمار.

وفي ثمانينيات القرن الماضي، وجدت سوريا نفسها معزولة سياسيًا وفي خضم أزمة اقتصادية خانقة، بحسب الدراسة، إذ انخفض فيها نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 22% بين عامي 1982 و1989، كما أسفرت عمليات التأميم الواسعة للمعامل والمصانع والأراضي عن هروب جزء كبير من رأس المال الوطني إلى الخارج، بينما ظهرت طبقة رأسمالية حكومية استفادت من الفساد وغياب الحريات الاقتصادية لتكوين ثروات كبيرة.

وقد أدت هذه العوامل إلى تدهور الوضع المعيشي وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، لا سيما في فئة الشباب، وتراجعت القطاعات الصناعية والزراعية وانخفضت مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي إلى مستويات غير مسبوقة.

مع انتهاء الحرب الباردة وتوقف المساعدات الخارجية، طبّقت الحكومة السورية بدءًا من عام 1990 سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية، شهد في ظلها الاقتصاد السوري نموًا قويًا طوال التسعينيات، وانعكس ذلك على نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة بين 2000 و2010، إذ تضاعف متوسط دخل الفرد السوري من قرابة 1200 دولار أمريكي في عام 2000، إلى نحو 2800 دولار في عام 2010.

وألحق سوء إدارة الأزمة التي اندلعت بعد بدء الثورة السورية عام 2011 خسائر كبيرة بالاقتصاد السوري، قدّرت لجنة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) قيمتها بنحو 442 مليار دولار في نهاية عام 2020.

ووجدت الدراسة أن من أبرز أسباب الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مناطق سيطرة النظام حاليًا، والتي تفاقمت من جراء تفشي جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد-19) تتلخص بما يلي:

  • تسخير كل إمكانات الدولة خدمة للآلة العسكرية.
  • التدمير الواسع والممنهج للبنية التحتية والسكانية.
  • فقدان السيطرة على العديد من المعابر التجارية التي تسهم في رفد ميزانية الدولة.
  • تعطّل حركة الصناعة والتجارة وتوقف عجلة الإنتاج.
  • انخفاض مستوى الاستيراد والتصدير.
  • هروب أصحاب الكفاءة واليد العاملة ورؤوس الأموال.
  • العقوبات الدولية المفروضة على الاقتصاد السوري.
  • انخفاض إنتاج النفط مع سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) على أهم الآبار.
  • استنزاف احتياطي العملة الصعبة وزيادة الدَّين العام.
  • انهيار القطاع السياحي بالكامل بسبب خطورة الأوضاع الأمنية.
  • انكماش الاقتصاد العالمي نتيجة جائحة “كورونا”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة