السويداء.. الأسد يلعب على وتر انقسام الشارع

محتجون يرفعون صورة الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في محافظة السويداء- 28 من حزيران 2024 (عنب بلدي)

camera iconمحتجون يرفعون صورة الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في محافظة السويداء- 28 من حزيران 2024 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – خالد الجرعتلي

شهدت محافظة السويداء على مدار الأسبوع الماضي توترًا أمنيًا تجلى بمواجهات عسكرية بين فصائل محلية وقوات النظام السوري على خلفية إنشاء حاجز أمني على مدخل مدينة السويداء الشمالي.

تطورات الحدث أوشكت على إدخال السويداء في صراع عسكري مع قوات النظام، إذ منحته فصائل محلية مهلة لتفكيك الحاجز، لكن النظام أصر على إبقائه، ما دفع وجهاء المحافظة للتدخل بهدف الوصول إلى حل يقبله الجانبان.

تدخل الوجهاء جاء في 25 من حزيران الحالي، بعد يومين على الاشتباكات المسلحة المتقطعة، إذ هاجمت الفصائل المحلية مقار أمنية، والحاجز نفسه، ما خلف إصابات من الجانبين.

ومع تطور الأحداث، ظهر بيان لشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، يوسف جربوع، دعا فيه للوقوف مع “الجيش السوري” مطالبًا بتسهيل الأوضاع الخدمية في المحافظة.

بيان الشيخ يوسف جربوع لم يحمل تغييرًا في الموقف، إذ لطالما كان على النقيض من مكونات أخرى في المحافظة تطالب بإسقاط النظام السوري، وهو ما بدا واضحًا من خلال موقفه من المظاهرات التي تشهدها ساحة السويداء منذ آب 2023 وحتى اليوم.

وفي الوقت نفسه، بقي الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز، الشيخ حكمت الهجري، رمزًا للاحتجاجات في المحافظة، ومن المعارضين للنظام وتحركاته.

اتفاق هش.. أنهى التوتر

بعد تدخل من الوجهاء والزعامات الدينية، وصلت الأطراف إلى اتفاق يقضي بترحيل الحاجز غربًا واعتباره نقطة عسكرية، وليس حاجزًا يفتش المارة أو يتدخل في مرور السكان.

وفي حديث  لعنب بلدي، قال رئيس تحرير موقع “الراصد” المتخصص بتغطية أخبار السويداء، سليمان فخر، إن الاتفاق بين أطراف محلية ممثلة عن المحافظة والنظام السوري أنهى التوتر في مدينة السويداء.

وأضاف أنه لم يجرِ أي تغيير على الصعيد الميداني، ولم يبدأ تطبيق الاتفاق، ولا تزال الأطراف تنتظر التطبيق، وفق المعلومات التي قال إنه اطلع عليها عبر مصادر في الفصائل المحلية.

الناشطة في الحراك السلمي بالسويداء راقية الشاعر قالت إن “الاتفاق هش”، وبأي لحظة قد ينهار في حال رفض النظام إبعاد الحاجز عن الشارع الرئيس.

من جانبه، قال قائد فصيل “أحرار الجبل” المحلي، مرهج الجرماني، إن الأوضاع الميدانية استقرت بعد الاتفاق.

وأضاف أن النظام قد يحاول جر الفصائل لحرب ولكن الفصائل ترفض الانجرار لها، إلا في حال فرضت عليهم.

الجرماني أضاف لعنب بلدي أنه لا مصلحة للنظام في خوض حرب بالسويداء، مشيرًا إلى أن موافقته على سحب الحاجز أكبر دليل على هذا الافتراض.

وفي الوقت نفسه، نوّه قائد الفصيل العسكري إلى أن الفصائل العسكرية في المحافظة جاهزة لأي تصعيد، لكنها ملتزمة بالاتفاق ما دام النظام ملتزمًا به.

ولم يرَ الباحث المتخصص في الشأن السياسي جمال الشوفي (يقيم في السويداء)، أن من مصلحة النظام الدخول في حرب مباشرة بالسويداء، لأن هذه الحرب تُفقد النظام ورقة “حماية الأقليات” التي يتذرع بها أمام المجتمع الدولي.

تضارب مواقف

اعتبرت الناشطة في الحراك السلمي راقية الشاعر أن موقف الشيخ يوسف جربوع يتماشى مع سياسة النظام في شق الصف، وإحداث شرخ شعبي عبر مخطط يسعى له النظام منذ اليوم الأول لاحتجاجات السويداء.

واستنكرت دعوة جربوع لفعاليات من مدينة السويداء وإقصاء بقية مكونات المحافظة في مسعى لقطع الروابط بين الريف والمدينة، مشيرة إلى أن هذا كان هدف النظام منذ البداية.

وأضافت لعنب بلدي أن النظام يسعى لعسكرة الحراك السلمي وضرب المكونات العسكرية المحلية ببعضها.

وفي الوقت نفسه، قللت الناشطة من خطورة تضارب المواقف، معتبرة أن دماء أبناء السويداء واحدة، ومن غير الممكن اللعب على وتر فصل الريف عن المدينة.

من جانبها، ترى الناشطة في حراك السويداء لميس الملحم أن النظام يستخدم رجال الدين في لعبته بالسويداء.

وأضافت، لعنب بلدي، أنه على عكس مواقف الشيخين حكمت الهجري وحمود الحناوي المناصرين للاحتجاجات المناوئة للنظام، يناصر الشيخ يوسف جربوع النظام، علمًا أن للأخير ثقله الاجتماعي في المحافظة لكونه أحد ثلاثة مشايخ عقل الطائفة في السويداء.

وترى الناشطة لميس الملحم أن بيان الشيخ يوسف جربوع، “يُعد تهديدًا حقيقيًا للسلم الأهلي وبابًا للفتنة والاقتتال ضمن مجتمع السويداء”، وهي الورقة التي يحاول النظام الضغط بها على المحتجين.

الباحث جمال الشوفي قال لعنب بلدي، إنه رغم وجود حالة انقسام بين مؤيدي الحراك السلمي والرافضين له، يوجد اتفاق عام على عدم تدخل الجيش في الحياة المدنية للسكان، لذلك ذهبت المفاوضات بين الفصائل وقوات النظام إلى ألا ينشئ النظام حاجزًا أمنيًا في المحافظة، واعتبار هذا الحاجز نقطة عسكرية ضمن ثكنة لا تتدخل في شؤون السكان.

وأضاف أنه من هنا جاء موقف جربوع الرافض للذهاب للخيار العسكري على اعتبار “حرمة الدم السوري وعدم الانجرار للقتل والفوضى”.

الشوفي اعتبر أن النظام السوري يسعى منذ اللحظات الأولى لـ”شيطنة الحراك السلمي في السويداء”، إذ سعى لفك الحاضنة الشعبية عن الحراك السلمي عبر الطعن بقياداته والتشهير بسيدات الحراك والتهويل بالحصار، وإشاعة أن الحراك يطالب بالانفصال عن سوريا.

الحقوقي والناشط السياسي سليمان الكفيري (يقيم في السويداء)، يرى أن شيخ العقل يوسف جربوع لم يقف ضد الحراك، إنما يميل لحل الأمور بالطرق السلمية تحت شعار “دم السوري على السوري حرام”، واعتبار أن أبناء الجيش السوري هم أبناء الوطن ولا يجوز قتلهم لذلك اتجه للحلول السلمية.

وأضاف لعنب بلدي أن وجود الخلافات بالرأي أمر طبيعي وخاصة في ظل انتفاضة كتلك الحاصلة في السويداء.

واعتبر أن النظام يريد تعميق حالة الانقسام وتغذيتها، لكن العقلاء تداركوا مخططات النظام، وفق تعبيره، فالحراك سلمي ويجب المحافظة على سلميّته وتطبيق الديمقراطية فيه.

ليس الأول

في نيسان الماضي، دفع النظام بتعزيزات عسكرية إلى المحافظة لأسباب لا تزال مجهولة، لكن هذه التحركات لم تفضِ إلى أي تغيير على أرض الواقع حتى اليوم، بينما تنعكس هذه التحركات على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تحدث إعلاميون وموالون للنظام، وحسابات يديرها مجهولون، عن أن عملية عسكرية مقبلة على المحافظة، في الوقت الذي تبدي فيه فصائل محلية استعدادها لرد أي هجوم أو تحرك.

الإعلامي اللبناني المقرب من “حزب الله” حسين مرتضى، سبق وتحدث في تسجيل مصور نشره عبر حسابه في منصة “إكس” عن أن تحركات عسكرية ستشهدها المحافظة، تأتي “بناء على مناشدات وجهها الشرفاء للجيش السوري”.

وتحدث حساب “SAM“، وهو راصد عسكري موالٍ للنظام، حول التعزيزات التي وصلت تباعًا للسويداء، أن هدفها مبدئيًا “تعزيز النقاط العسكرية التي تتولى حفظ مؤسسات الدولة داخل المحافظة”.

في حين أصدرت “مضافة الكرامة“، وهي إحدى المرجعيات الأهلية في محافظة السويداء، بيانًا حذرت فيه النظام السوري والميليشيات الموالية لإيران في المنطقة من أي تصعيد يستهدف المحافظة، مشيرة إلى أنها سترد.

ليث البلعوس، وهو نجل مؤسس “المضافة”، قال في حديث سابق لعنب بلدي، إن تعزيزات النظام نحو السويداء مجرد محاولة لإثبات الوجود.

وأضاف أنه يتوقع عدة سيناريوهات، منها عمليات اغتيال رموز بالسويداء ومداهمات عسكرية لبعض القرى وتقطيع أوصال المحافظة عبر حواجز أمنية، أو ترتيب هجوم جديد منسق لتنظيم “الدولة الإسلامية” نحو قرى وبلدات السويداء.

وفي الوقت نفسه، قال البلعوس، إن أبناء المحافظة ومقاتليها جاهزون لأي سيناريو، ولكنهم سلميّون من حيث المبدأ، ولن يتخذوا أي خطوة في حال لم يبادر النظام بالتصعيد.

الحراك مستمر

رغم التوتر الأمني الذي انتهى حديثًا، وآخر سبقه بأسابيع تجلى بتعزيزات عسكرية لقوات النظام وصلت إلى المحافظة، لا تزال المظاهرات السلمية مستمرة في ساحة السويداء الرئيسة.

خرج أهالي السويداء، الجمعة 28 من حزيران، في مظاهرة طالبوا خلالها بالتغيير السياسي وإسقاط النظام، وذلك بعد أيام من اشتباكات فصائل محلية مع قوات النظام، وأسبوع من وقوع انفجارات لم تؤدِ إلى إصابات.

المظاهرة التي يخرج بها الأهالي بشكل أسبوعي في ساحة “الكرامة” المركزية بالمحافظة، استقبلت وفودًا وصلت تباعًا للمشاركة والمطالبة بالحرية والتغيير، وشملت وفدًا من تجمع معلمي السويداء، وآخر من تجمع مهندسي المحافظة.

ورفع المتظاهرون لافتات كتب على بعضها، “سوريا واحدة موحدة”، و”سوريا علمانية ديمقراطية”، و”قاطع.. لا تكن شاهد زور”، في دعوة لمقاطعة الانتخابات البرلمانية التي يجريها النظام في مناطق سيطرته، منتصف تموز المقبل.

ورفع المحتجون في المظاهرة، التي شهدت حضورًا نسائيًا واضحًا كسابقاتها، أغصان الزيتون، تعبيرًا عن سلمية الاحتجاج، وأعلام الثورة السورية، وراية “الخمسة حدود” التي تشكل رمزية دينية لدى أهالي المحافظة الجنوبية، وفق ما رصدته وسائل إعلام محلية، منها “السويداء 24″ و”الراصد”.

وتتواصل الاحتجاجات الشعبية السلمية المطالبة بإسقاط النظام في محافظة السويداء، جنوبي سوريا، منذ نحو تسعة أشهر على مستوى يومي، وآخر أسبوعي، يحتشد خلاله الأهالي في مظاهرة واحدة للتعبير عن مطالبهم.

وتشارك شريحة واسعة من أبناء المحافظة في الاحتجاجات دون انقطاع، منهم طلاب يرتادون جامعات في محافظات أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة