مذكرة توقيف بشار الأسد

  • 2024/06/30
  • 2:35 م
الكاتب السوري إبراهيم العلوش

الكاتب السوري إبراهيم العلوش

إبراهيم العلوش

قرار محكمة الاستئناف الفرنسية بالموافقة على مذكرة توقيف بشار الأسد بسبب استعمال السلاح الكيماوي في غوطة دمشق 2013، أتى متأخرًا أكثر من عشر سنوات، ولكنه يعطي الأمل لأبناء الغوطة وللسوريين الذين لا يزالون يعانون من جرائمه.

في 26 من حزيران الحالي، صدر قرار محكمة الاستئناف الفرنسية بالموافقة على مذكرة توقيف بحق كل من بشار وماهر الأسد واثنين من الضباط الضالعين باستعمال السلاح الكيماوي ضد المدنيين في الغوطة الشرقية في 21 من آب 2013، وأوقع حينها 1429 ضحية منهم 426 طفلًا حسب شهود العيان والمنظمات الدولية. ووقع الهجوم بعلم بشار الأسد وبقيادة أخيه ماهر، والعميد غسان عباس، مدير الفرع “450” من مركز الدراسات والبحوث العلمية السورية، والعميد بسام الحسن، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الاستراتيجية، وضابط الاتصال بين القصر الرئاسي ومركز البحوث العلمية السورية.

وللعلم فإن مراكز البحوث العلمية في سوريا هي مراكز مخابراتية وعسكرية أنتجت الأسلحة الكيماوية وابتكرت البراميل المتفجرة، ولم تكن يومًا مخصصة لدراسة تطوير حياة السوريين أو الدفاع عنهم، بقدر انشغالها بدراسة طرق إخضاعهم.

ورغم أن بشار الأسد لا يزال رئيسًا يعمل على البطارية الروسية- الإيرانية، ولا تزال كلتا الدولتين ترفض حقيقة استعماله للسلاح الكيماوي، فإن الأمر القضائي بتوقيف الأسد يعد سابقة دولية، فوجود رأس النظام المستمر بارتكاب الجرائم يوجب على السلطات القضائية محاسبته، فكيف لنا أن نتخيل ترك أدولف هتلر بلا محاسبة بحجة أنه كان على رأس منصبه وهو يدمر أوروبا، وفرنسا خاصة.

ورغم أن نظام الأسد لا يبدي مبالاة بالقرارات الدولية وبمحاكمة ضباطه من مجرمي الحرب، فإن توالي التحقيقات في المحاكم الألمانية والفرنسية والدولية، وصدور قرارات “قيصر” و”الكبتاجون” في الولايات المتحدة الأمريكية، يقضم شرعية نظام الأسد الدولية بعدما خسر الشرعية السورية بسبب جرائمه في القتل والتدمير والتهجير متذرعًا بالمؤامرة الكونية.

يأتي هذا القرار بعد تعاضد ضحايا سكان الغوطة في جمع الأدلة والشهود والاستعانة بالأرشيف السوري، وبعدد من المنظمات الحقوقية السورية والدولية، التي انتدبت نفسها لإيصال قضية الشعب السوري إلى أعلى المحاكم الدولية، وقد شكر المحامي والناشط القانوني في ملاحقة مجرمي الحرب أنور البني كل المنظمات والأفراد المساهمين في القضية المرفوعة في باريس، مرددًا: “لا سلام دون عدالة، لا إفلات من العقاب، لا حصانة للمجرمين”.

من بين هؤلاء الشهود عائلة استضفناها في فرنسا قبل ثلاث سنوات من ضحايا القصف الكيماوي في الغوطة الشرقية، وكان لديهم طفلان ذوا إعاقة من تأثير غاز السارين عليهما، وكانت حياتهم مليئة بالصعوبات وعدم الانتظام بسبب التشوهات التي لحقت بالأطفال، وقد أخبرني الأب قبل سنة أنه مشارك في تقديم الشهادات حول القصف الكيماوي في الغوطة الشرقية، وكان أحد الشهود في القضية، وكان لديه الكثير من الأمل رغم اليأس المسيطر علينا.

وقبل أشهر أيضًا صدر قرار محكمة العدل الدولية، في 16 تشرين الثاني 2023، القاضي بمطالبة الحكومة السورية بالكشف عن أوضاع المعتقلين وعدم إخفاء الأدلة على التعذيب، ورفع تقرير للمحكمة، وقد تظاهرت الحكومة السورية باتخاذ بعض الإجراءات الشكلية لتثبت للمحكمة انصياعها، رغم كل الهرج الذي تنتجه وسائل إعلام النظام ومؤيدوه من إعادة استهلاك إشاعات المؤامرة الكونية.

من جهة أخرى، أعلن النظام بعض الاستجابة للطلبات العربية بتقليص التجنيد والاحتياط في صفوف جيشه، وصولًا إلى تحويله إلى جيش محترف من غير مجندين، وقد أشاع النظام الخطط المقررة لهذا التقليص في مقابلة للتلفزيون السوري الأسبوع الماضي مع اللواء أحمد يوسف سليمان، رئيس الإدارة العامة للتجنيد. وليس غريبًا، كما قال أحد الناشطين، أن يقوم الإيرانيون باستبدال الجيش والتخلص من قادته المتورطين بالجرائم ضد الإنسانية، وإنشاء عصابات غير نظامية تشبه “الحشد الشعبي العراقي”، و”الحرس الثوري الإيراني”، وتنظيم “فاغنر” الروسي.

وتحت الضغط الدولي وقرارات المحاكم، وآخرها المحكمة الفرنسية، فإن النظام غيّر لهجته تجاه تركيا بعد لقاء تركي مع وفد للنظام في قاعدة “حميميم” الروسية، ومن المحتمل أن يقدم بعض الضمانات في إعادة اللاجئين الذين يرفض محور الممانعة إعادتهم، خاصة أن تركيا ولبنان تعانيان من ضغوط اقتصادية تصل إلى حدود خطيرة، بالإضافة إلى شبح الحرب الإسرائيلية على لبنان التي لن توفر اللاجئين السوريين، سواء عبر اتهامهم بالتواطؤ مع هذا الطرف أو ذاك أو عبر استخدامهم كدروع بشرية من قبل “حزب الله”، الذي شارك بتهجيرهم وتدمير بلادهم.

استمرار نظام الأسد مع هذا الكم من الضغوطات والقرارات الدولية والملاحقات من المحاكم الوطنية الأوروبية وغير الأوروبية بات شبه مستحيل، ولكن جهود التخلص من هذا النظام لا تزال طويلة الأمد، وعلى حساب مصلحة السوريين الذين ينتظرون أبناءهم المعتقلين أو المفقودين في سجونه، أو الذين يعانون من الجوع، وفقدان الوقود، وانهيار المنظومة الصحية، وانهيار التعليم.

مع صدور القرار القضائي الفرنسي الأسبوع الماضي، تذكرت صديقي وعائلته المنكوبة بالكيماوي، وتذكرت حالة المعاناة واليأس التي كانت تجمعنا، ولكن شهاداتهم مع الضحايا الآخرين في المحاكم، اخترقت حالة اليأس، ولمعت نقطة ضوء تبعث على الأمل لشعب مصمم على اختراق ظلمات المعاناة والتجاهل، إلى انبعاث الضوء الذي يبشر الضحايا جميعًا بمحاسبة مرتكبي الجرائم وبناء مستقبل حر وكريم لكل الشعب السوري.

مقالات متعلقة

  1. بانتظار المرحلة الأخيرة.. حكم قضائي فرنسي يتجاوز حصانة الأسد
  2. فرنسا.. النيابة العامة تطعن في مذكرة التوقيف بحق بشار الأسد
  3. القضاء الفرنسي يستعد لإصدار قراره بشأن مذكرة توقيف الأسد
  4. القضاء الفرنسي يصدّق مذكرة توقيف بحق بشار الأسد

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي