درعا – حليم محمد
ارتفعت أسعار مياه الشرب في بلدة تل شهاب غربي محافظة درعا، بالقرب من الحدود مع الأردن، متأثرة بموجة جفاف ضربت المنطقة، في حين تعتبر البدائل مكلفة للسكان.
ووصل سعر برميل المياه (200 ليتر) إلى 7000 ليرة سورية مقابل 3000 ليرة خلال الصيف الماضي.
وتقدّر حاجة الأسرة إلى نحو خمسة براميل من الماء يوميًا مع اتباع تقنين يدفع بعض الأسر للاقتصاد في الاستهلاك، وفق ما قاله أشخاص من سكان تل شهاب لعنب بلدي.
ويحتاج وليد (40 عامًا)، وهو من سكان البلدة، إلى شراء خمسة براميل بسعر 30 ألف ليرة، تكفي أسرته ليومين مع اتباع تقنين في الاستهلاك وصفه بـ”القاسي”.
وليد قال لعنب بلدي، إن تأمين ثمن المياه أصبح “هاجسًا” يعاني منه بشكل يومي، ويعمل وليد في محل تجاري بأجرة لا تتعدى 40 ألف ليرة سورية يوميًا.
وأضاف أن هذه المعاناة جديدة على سكان البلدة بعد موجة جفاف ضربت ينابيع المنطقة، التي تعتبر مصدر المياه الوحيد لبلدة تل شهاب التي يقيم فيها نحو 15 ألف نسمة.
ويحتاج منزل محمد (27 عامًا)، وهو من سكان تل شهاب، إلى خمسة براميل من الماء يوميًا، خصوصًا أنه يرعى ثلاث أبقار تحتاج إلى الماء بدورها.
وأضاف لعنب بلدي أنه في فصل الصيف المتزامن مع انقطاع مستمر للكهرباء، يحتاج أفراد الأسرة للاستحمام مرات عديدة، ومع ذلك تفرض الأسرة على نفسها تقنينًا في الاستهلاك لخفض تكاليف المياه.
ووفق محمد، يتفاوت استهلاك العائلات من المياه تبعًا لعدد أفراد الأسرة، واعتياد العائلة على الترشيد بالاستهلاك من عدمه، ووجود مواشٍ.
ويتعاقد محمد مع صهريج لملء خزانات منزله، إذ توجد لديه خزانات تتسع لـ20 برميلًا، وفق ما قاله لعنب بلدي.
أسباب الارتفاع
دفع ارتفاع أسعار المازوت مطلع حزيران الحالي بائعي المياه عبر الصهاريج لرفع سعر برميل مياه الشرب.
وقال محمد الصلاح، وهو بائع على صهريج مياه، لعنب بلدي، إن ارتفاع أسعار المازوت دفعه لرفع سعر برميل المياه، إذ زادت التكلفة وخاصة أن مصادر المياه أصبحت بعيدة بعد جفاف ينابيع “الساخنة” (عيون الساخنة) التي كانت مصدرًا رئيسًا لمياه الشرب في تل شهاب.
ولدى محمد صهريج يتسع لـ30 برميلًا، يبيع عبره المياه في أرجاء البلدة.
وتعرضت ينابيع “الساخنة” للجفاف مطلع حزيران الحالي، وهي السنة الثانية التي تجف فيها، إذ جفت خلال الصيف الماضي وعادت للجريان في الشتاء، ثم عاودت الجفاف مع بداية الصيف الحالي.
وأضاف محمد صلاح أنه بعد جفاف الينابيع، أصبح مصدر المياه الحالي يقتصر على آبار في بلدة المزيريب التي تبعد ما يقارب سبعة كيلومترات عن البلدة، ما زاد من استهلاك المازوت.
وقال مدير الموارد المائية في درعا، مأمون المصري، لموقع “غلوبال” المحلي، إن آلاف الآبار المخالفة أدت إلى جفاف عيون الساخنة، وهي المصدر الرئيس لمياه الشرب للبلدة، إذ صارت تجف صيفًا وتعود خلال الشتاء، وهي الفترة التي يستغني فيها الفلاحون عن سقاية محاصيلهم.
وأشار إلى ضرورة رفع التعديات على خطوط مجاري النبع، داعيًا المجتمع المحلي للتدخل ومساندة المديرية في إغلاق هذه التعديات.
حلول غير مجدية
نفذ برنامج الغذاء العالمي (WFP) مشروعًا لمد قسطل مياه جديد من ينابيع “الساخنة” وربطه بالخزانات الرئيسة في بلدة تل شهاب، بعد تلف الخط القديم وزيادة التعديات عليه، لكن سكانًا من البلدة قابلتهم عنب بلدي قالوا إن هذا المشروع لا جدوى منه بعد جفاف الينابيع، إذ تستفيد منه البلدة في فصل الشتاء فقط.
من جانبه، قال وليد، وهو من سكان تل شهاب، إن هذا المشروع لن يفيد البلدة في ظل الظروف الحالية إلا في فصل الشتاء، لأن الينابيع نفسها تجف صيفًا حالها كحال معظم ينابيع الريف الغربي.
وأضاف أن من الأجدر ربط هذا المشروع بمشروع الأشعري الذي يضخ المياه لمدينة درعا، وهي ينابيع غزيرة، أو إيجاد حلول تعيد المياه للنبع مثل ردم الآبار المخالفة في مجرى النبع.
مدير الموارد المائية في درعا قال للموقع المحلي، إن مديريته بصدد حفر بئر ارتوازية في البلدة وربطه بالشبكة، لكن فروق الأسعار حالت دون التعاقد مع العارضين.
وأضاف أن المديرية تعد حاليًا دراسة وتقييمًا جديدًا لتكلفة المشروع.
وجهاء في بلدة تل شهاب قالوا لعنب بلدي، إن السبب في تأخير حفر البئر هو رفض المديرية التعاقد مع حفارات آبار مخالفة، في حين أن الحفارات المرخصة عددها قليل في المحافظة.
ومن الحلول المتبعة حفر آبار على نفقة السكان ضمن الأحياء وتزويدها بمنظومة الطاقة الشمسية، لكن تراجع منسوب المياه الجوفية حال دون وجود مياه بأغلب المناطق.
وحفر محمد، من سكان البلدة، بئرًا تصل إلى عمق 150 مترًا بجوار منزله، بتكلفة وصلت إلى 250 ألف ليرة لكل متر، لكن البئر جفت بعد يومين من تشغيلها.
وأضاف لعنب بلدي أنه في بعض الحارات تتوفر مياه من الآبار، لكنها مياه كبريتية أو كلسية رائحتها كريهة وغير صحية.
وتعاني معظم بلدات الريف الغربي في درعا من شح في مياه الشرب، وخصوصًا بعد جفاف ينابيع زيزون والمزيريب وعيون العبد وعيون الساخنة.
ويعتمد سكان هذه المناطق على مياه الصهاريج والآبار التي تفتقد لعمليات التعقيم الآلي، إذ ترتبط مضخات المياه الحكومية بأجهزة تعقيم إلكتروني وهذا غير متوفر في الآبار الخاصة والصهاريج، ما يعرض السكان لمخاطر صحية، خصوصًا مع انتشار أمراض معدية كالتهاب الكبد الوبائي والحمى التيفية وغيرها.