افتتاح “أبو الزندين”.. خطوة في مسار تركي- روسي

مقاتل في الجيش الوطني السوري خلال تجهيز معبر أبو الزندين في ريف حلب الواصل مع مناطق سيطرة النظام السوري– 18 من آذار 2019 (عنب بلدي)

camera iconمقاتل في الجيش الوطني السوري خلال تجهيز معبر أبو الزندين في ريف حلب الواصل مع مناطق سيطرة النظام السوري– 18 من آذار 2019 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

لم تكن الاحتجاجات التي شهدتها مدينتا الباب واعزاز بريف حلب، الجمعة 28 من حزيران، عقب إعلان افتتاح معبر “أبو الزندين” مرتبطة بافتتاح المعبر نفسه، أو المنافع والأضرار الاقتصادية التي قد يحققها للمنطقة، إنما جاءت لما يحملة الأمر من تحول سياسي واضح، قد يقرب النظام الذي يرفضه سكان المنطقة، والمعارضة السورية التي تديرها.

“معبر أبو الزندين” يصل مدينة الباب بريف حلب الشرقي في منطقة عمليات “درع الفرات” الخاضعة لسيطرة المعارضة برعاية تركية، وشرقي مدينة حلب الخاضعة لسيطرة النظام، ويقع في الجهة الغربية لمدينة الباب، بالقرب من قرية الشماوية، التي تخضع لسيطرة النظام.

وفي الوقت الذي أعلن فيه المجلس المحلي لمدينة الباب عن افتتاح المعبر، طالبت فعاليات محلية في المدينة، تسليم المعبر لجهة مدنية، لعدم الاحتجاج على فتحه، خصوصًا أن لفصائل المعارضة تاريخ طويل في الاقتتال على المعابر، باعتبارها موردًا اقتصاديًا مهمًا للمنطقة.

في حين تحدثت أخرى عن أن افتتاح المعبر يشكل خطرًا اقتصاديًا وأمنيًا على المناطق التي يسيطر عليها “الجيش الوطني السوري” بأرياف حلب، الشمالية والشرقية.

ما قدرة المعارضة على إدارة العملية

لا يعتبر “أبو الزندين” المعبر الأول في المنطقة وقد لا يكون الأخير، إذ لطالما اقتتلت فصائل المعارضة على إدارة هذه المعابر، في الوقت الذي تحاول “الحكومة المؤقتة” (المظلة السياسية للجيش الوطني) تصوير نفسها على أنها تدير المعابر.

وفي آذار 2023، أعلنت وزارة الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة” أنها تسلّمت إدارة وتشغيل معبر “الحمران” بعد مرور خمسة أشهر من التنازع عليه، بين فصائل عسكرية في المنطقة.

إعلان الوزارة لم ينهِ النزاع، إذ عادت المواجهات المسلحة اقتتالًا على المعبر نفسه في أيلول 2023، ما استدعى تدخل تركيا مباشرة لإيقاف الاقتتال.

اليوم، مع إعلان افتتاح معبر “أبو الزندين” تعود التساؤلات نفسها حول قدرة المعارضة على إدارة هذا المعبر، ويعتقد الباحث في الشأن السياسي بمركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” معن طلاع، أن المعارضة قادرة، كونها تملك تجربة واسعة في إدارة المعابر الإنسانية والتجارية، التي افتتحت على مدار السنوات السابقة.

وأضاف لعنب بلدي أن الاتفاق التركي- الروسي على افتتاح المعبر، وإن لم تسرّب تفاصيله بعد، سيفند تفاصيل إدارة المعبر، وبطبيعة الحال ستكون المعارضة المسلحة طرفًا في التنفيذ.

ووفق طلاع، يبقى التحدي الأمني هو الطاغي في وجه فصائل “الجيش الوطني”، ورجح أن لا تكون المشكلة الأمنية ذات أثر كبير، خصوصًا أن المعبر نفسه كان نشطًا بطريقة غير رسمية (عمليات تهريب).

دون خسائر؟

في الوقت الذي تتضارب فيه التحليلات والآراء عن نتائج افتتاح المعبر، باعتباره خطوة أولى من مسار روسي- تركي طويل، يعتقد الباحث في مركز “جسور للدراسات” وائل علوان، أن المعارضة لديها الكثر من الإجراءات أو الأدوات التي قد تتخذها للحيلولة دون تكبد “خسائر على الصعيد الوطني”.

علوان قال، لعنب بلدي، إن هناك العديد من التدابير التي قد تحرم النظام من تحقيق مكتسبات على الصعيد السياسي، وهو ما يرتبط بشكل رئيس بإرادة المعارضة.

وأضاف أن الحدث نفسه، سياسي وخدمي في آن واحد، مشيرًا إلى أن موضوع فتح المعابر ليس بالحدث الجديد على المنطقة، إنما طرح منذ اتفاق وقف إطلاق النار عام 2020، وأجل حتى اليوم لكون “البيئة لم تكن مناسبة”.

ويهدف افتتاح المعبر وفق علوان، الذي جرى بعد مسار من المفاوضات استمر لسنوات، لتسهيل التبادل التجاري، وقد يتطور لتسهيل عبور المدنيين في المستقبل، لكن إدارة هذه الخطوات مرتبط بالصعد الاقتصادية والأمنية، ولا بد أن يكون لهذه الخطوات “نظرة وطنية وسياسية” لتجنيب المنطقة الخسائر.

الباحث اعتبر أن المعبر حاجة للمنطقة، والخطر الحقيقي يكمن في عمليات التهريب التي قد تنشط بين جانبي مناطق السيطرة، وتعزيز الإدارة والتنظيم هو ما سيجنب المنطقة الخسائر الناجمة عن التهريب، وليس عن افتتاح المعبر نفسه.

خطوة من مسار

يترافق الحديث عن فتح المعابر الداخلية التي تربط بين مناطق سيطرة فصائل المعارضة السورية في الشمال ومناطق نفوذ النظام مع غضب واستياء شعبي ورفض لهذه الخطوة، لأن فتح المعابر يعني التعامل مع النظام سياسيًا.

ولطالما أبدت روسيا رغبتها بفتح المعابر مع مناطق سيطرة المعارضة التي تتمركز فيها تركيا، لكن الرفض الشعبي كان يحول دون إتمام العملية.

توقفت التغيرات على خريطة السيطرة العسكرية في شمال غربي سوريا منذ آذار 2020، بعد اتفاق جرى بين روسيا وتركيا ورسم حدودًا جغرافية بين مناطق سيطرة المعارضة والنظام السوري، وترك معابر داخلية (منافذ) ربطت بين الطرفين.

تزامنًا مع تصاعد الحديث عن تقارب بين تركيا والنظام السوري، وتفاهمات بين أطراف دولية وإقليمية ومحلية لعبت أدوارًا رئيسة في آلية عمل المعابر.

أمس الجمعة، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، “كما حافظنا على علاقاتنا مع سوريا حية للغاية، فقد عقدنا هذه الاجتماعات مع السيد الأسد في الماضي، بما في ذلك اجتماعات عائلية”.

الباحث معن طلاع صنّف الأجندة المدرجة على الطاولة الروسية- التركية، بثلاث مستويات، الأولى أمنية، وستبقى مستمرة دائمًا لنقاش التطورات.

والثانية مرتبطة بالشكل الاقتصادي والخدمي، منها المعابر الداخلية متضمنة “أبو الزندين” وقد تتضمن لاحقًا تسهيل حركة بعد الطرقات مثل “M4” و”M5″، إلى جانب ملفات أخرى مثل ملف المياه وملف التعليم، وأخرى لها علاقة بالسجلات المدنية.

وتوقع الباحث أجندة عسكرية في المستوى الثالث، قد تهدف لإحلال قوات النظام السوري في مناطق تفصل خطوط التماس بين “الجيش الوطني” و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).

وفي الوقت نفسه، توقع الباحث أن لا مؤشرات تدل على قرب تطبيق المستوى الثالث من التفاهمات، مشيرًا إلى أنها بعيدة المنال في الظروف الراهنة.

وعلى الصعيد السياسي، اعتبر الباحث أن أي تطور في هذا المضمار سيكون مرتبطًا بتطور في موقف واشنطن أو موسكو بطبيعة الحال، وقد يؤدي هذا التغير بالموقف لتدحرج الأحداث على لساحة السورية.

إنعاش لمسار قديم

منذ كانون الأول 2022، انعطفت تركيا عن موقفها المناهض للنظام السوري، والممانع للتطبيع معه، وأطلق دبلوماسيون وساسة أتراك منهم رئيس البلاد، تصريحات غازلوا فيها رئيس النظام السوري، بشار الأسد.

وخلال عام 2023، حاولت روسيا وإيران رعاية مفاوضات لتحقيق تقدم بمسار التقارب بين تركيا والنظام، لكن سقف المطالب المرتفع من الجانبين، حال دون تحقيق أي تقدم في المسار.

ومع اندلاع الحرب في غزة، تراجعت أولوية الملف السوري في أروقة السياسة التركية، حتى عادت إلى الواجهة مطلع حزيران الحالي، تزامنًا مع حديث عن مبادرة صينية- عراقية، لإحلال تقارب بين أنقرة ودمشق.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة