قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن “العنف الطائفي” استمر في سوريا خلال 2023 بسبب التوترات بين الجماعات الدينية، والتي تفاقمت، بسبب تصرفات النظام السوري، والتدهور الاقتصادي المستمر، والصراع المستمر على نطاق أوسع في سوريا.
وأضافت في تقريرها السنوي، الخميس 27 من حزيران، أنه بحلول نهاية 2023، ترجمته عنب بلدي، ظل أكثر من نصف سكان سوريا نازحين، بما في ذلك 6.8 مليون نازح داخليًا و5.1 مليون لاجئ.
وواصلت قوات النظام والمجموعات العسكرية الموالية له الهجمات الجوية والبرية في شمال غربي سوريا، ما أسفر عن مقتل مدنيين وتشريد أكثر من عشرة آلاف شخص إضافي.
وأوردت الخارجية معلومات وثقتها “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، جاء فيها أن ما لا يقل عن 33 هجومًا على المساجد في سوريا وقع خلال 2023، ونسب 31 هجومًا منه إلى النظام (94%) وهجومين (6%) لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
الخارجية قالت نقلًا عن تقارير إن النظام، بدعم من حلفائه الروس والإيرانيين، استمر في ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان ضد معارضيه، الذين كان غالبيتهم من المسلمين السنة، الذين وصفهم النظام بـ”المتطرفين العنيفين”.
واستمرت أيضًا التقارير التي تفيد بأن النظام ومؤيدوه “الأجانب” شاركوا في تدمير واسع النطاق للمستشفيات والمنازل وغيرها من البنية التحتية المدنية، وفق تقرير الخارجية.
الخارجية الأمريكية تطرقت في جزء من تقريرها لاحترام حكومة النظام السوري مع الحريات الدينية، وقالت فيها إنه لحل قضايا الأحوال الشخصية، تطلب حكومة النظام من المواطنين ذكر انتمائهم الدينية، ويخضع الأفراد لقوانين جماعتهم الدينية فيما يتعلق بالزواج والطلاق.
وأضافت أن بعض الجماعات المعارضة عرّفت نفسها صراحة بأنها من “العرب السنة” أو “المسلمين السنة” عبر البيانات والمنشورات، في حين أن النظام الذي “يقوده العلويون” يقدم نفسه على أنه حامي لهذه الأقليات وغيرها من الأقليات الدينية.
النظام حامٍ لأقليات “محرمة من الحقوق”
ووفق التقرير، يعتبر العلويون والمسيحيون والدروز وأعضاء الطوائف الأصغر الأخرى الذين هم خارج الدائرة الداخلية للأسد محرومون من حقوقهم السياسية.
وارتكز تقرير الخارجية في هذه المعلومات على تقرير لمنظمة “فريدوم هاوس”، مشيرًا إلى أن النخبة السياسية السورية تضم السنة، لكن الأغلبية السنية، التي تشكل الجزء الأكبر من المعارضة، “تحملت وطأة قمع الدولة نتيجة لهذا الحرمان الأوسع من الحقوق”.
وأشارت إلى تقرير نشرته مجلة “إيكونوميست” في تموز 2023، جاء فيه، “سلالة الأسد تحالفت مع طائفتها العلوية والأقليات الدينية التي لا تعد ولا تحصى في سوريا من أجل تعزيز هيمنة النظام على الأغلبية السنية المسلمة في البلاد”.
تقرير الخارجية الأمريكية، قال أيضًا إن المسيحيين والدروز والكرد في سوريا، استمروا في شغل مقاعد في البرلمان (مجلس الشعب)، على الرغم من أن المجلس لا يعمل بشكل مستقل، ويعتبر خاضعًا لسيطرة الرئيس.
وأشارت إلى أن العلويين يتمتعون بسلطة سياسية أكبر في مجلس الوزراء من أعضاء الأقليات الأخرى، فضلًا عن سلطة أكبر من الأغلبية السنية.
انتهاكات تقف إيران خلفها
الخارجية الأمريكية قالت في تقريرها إن الحكومة الإيرانية، من خلال “الحرس الثوري” في المقام الأول، تدعم النظام بشكل مباشر وتجند مقاتلين شيعة عراقيين وأفغان وباكستانيين، وكذلك سوريين، للقتال في سوريا.
وأضافت أن وسائل الإعلام واصلت الإبلاغ عن أن إيران استخدمت نفوذها، فضلًا عن الوضع الاقتصادي المتردي في البلاد والحوافز المالية، لتشجيع السنة على التحول إلى الإسلام الشيعي أو الانضمام إلى الميليشيات الإيرانية.
ونقل تقرير الخارجية عن خبراء قولهم إن “الجهود الإيرانية تهدف لزيادة عدد الشيعة في البلاد، وكانت مرتبطة على وجه التحديد برغبة طهران في توسيع نفوذها السياسي والاستراتيجي”.
أخرى تنسب لـ”الجيش الوطني”
تقرير الخارجية الأمريكية اعتمد في رصد واقع “الجيش الوطني” في شمال غربي سوريا، على تقارير لمنظمات حقوق الإنسان، ومجموعات جمع الوثائق، والمنافذ الإعلامية، إذ قال إن فصائل من “الجيش الوطني السوري” المدعوم من قبل تركيا ارتكبت انتهاكات لحقوق الإنسان استهدفت السكان الكرد والإيزيديين وغيرهم من المدنيين.
وشملت هذه الانتهاكات: القتل، والاختطاف، وإخفاء المدنيين، والاحتجاز غير القانوني، والإيذاء البدني الشديد، والعنف الجنسي، والتهجير القسري من المنازل، ونقل المدنيين المحتجزين عبر الحدود إلى تركيا، وتجنيد الأطفال أو استخدامهم كجنود، ونهب الممتلكات الخاصة ومصادرتها، ونهب الأضرحة الدينية وتدنيسها.
وأضافت الخارجية أن مقاتلي “الجيش الوطني” فرضوا الإسلام على الأطفال الإيزيديين، مشيرة إلى أن الاختطاف والابتزاز والاحتجاز غير القانوني والتعذيب والتحول الديني القسري كانت أحداثًا شائعة في جهد مستمر لما وصفته بـ”الهندسة الديموغرافية”.
ووفق الخارجية الأمريكية، أساءت فصائل “الجيش الوطني” معاملة أعضاء من أقليات دينية أخرى.
“تحرير الشام” حاضرة.. “قسد” غائبة
تقرير الخارجية تطرق في جزء منه إلى انتهاكات منسوبة لـ”هيئة تحرير الشام” صاحبة السيطرة على محافظة إدلب، وأجزاء من محافظات حماة، وحلب، واللاذقية.
وجاء فيه أن منظمات حقوق الإنسان، واصلت في الإبلاغ عن ارتكاب “تحرير الشام” لانتهاكات ضد أفراد من الأقليات الدينية والعرقية، بما في ذلك الاستيلاء على ممتلكات المسيحيين النازحين.
واستند لتقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة، لتقول إن “تحرير الشام” تسيطر على الحياة اليومية للسكان، في حين تستمر بشكل غير قانوني باحتجاز الناشطين والصحفيين والمواطنين العاديين الذين انتقدوها، حتى عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ووفق الخارجية، فرضت “تحرير الشام”، في آب 2023، قواعد جديدة على المؤسسات التعليمية في المناطق الخاضعة لسيطرتها، منها إزالة الرسومات والصور من جدران الفصول الدراسية، وأمرت الطالبات بارتداء “الزي الإسلامي الفضفاض”، ووجهت بضرورة الفصل بين الطلاب والطالبات، وقالت إن الهواتف المحمولة والموسيقى محظورة.
ولم يستثنِ التقرير أيضًا الهجمات المتكررة لتنظيم “الدولة الإسلامية” في مناطق متفرقة من الجغرافيا السورية.
ولم ترصد الخارجية الأمريكية انتهاكات ارتكبتها “قوات سوريا الديمقراطية” على أساس ديني، أو عرقي، إذ غابت الانتهاكات التي ارتكبتها الأخيرة عن تقرير الخارجية، رغم أن التقارير التي استند عليها بحث الخارجية، يحوي على انتهاكات نسبت لـ”قسد”.
ومنذ سنوات تتوالى التقارير الصادرة عن جهات دولية، وأخرى مستقلة، تحصي الاعتداءات التي نفذتها قوات النظام السوري وسلطات الأمر الواقع على منشآت دينية في سوريا بين المساجد والكنائس ودور العبادة الأخرى.
ومع بداية الحراك المعارض للنظام في سوريا عام 2011، لم يفرق النظام بين هويات معارضيه الدينية، إذ كان المعارض معرضًا للاعتقال والتعذيب لمجرد كونه معارضًا.
ومع مرور السنوات، ألقى النظام السوري بعباءته على الأقليات الدينية مقنعًا إياها بأنه حامٍ لها، ودُعمت وجهة نظره مع تمدد تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي هدد هذه المكونات الدينية، ما جعلها عرضة للتجنيد في صفوف قوات النظام أو الميليشيات الرديفة لها، لحماية مدنها وقراها من هجمات التنظيم.