تستعد محكمة الاستئناف في العاصمة الفرنسية باريس غدًا، الأربعاء 26 من حزيران، لإصدار قرارها بالتصديق أو إلغاء مذكرة التوقيف بحق رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية.
وكانت غرفة التحقيق نظرت، في 15 من أيار الماضي، بطلب مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب في فرنسا، المتعلق بإلغاء هذه المذكرة باسم “الحصانة الشخصية” التي يتمتع بها رؤساء الدول في مناصبهم أمام المحاكم الأجنبية، بحسب ما ذكرته صحيفة “الشرق الأوسط“.
الأسد قد يحاكم غيابيًا
يحقّق قضاة تحقيق من وحدة الجرائم ضد الإنسانية في محكمة باريس القضائية منذ العام 2021 بالتسلسل القيادي الذي أدى إلى هجمات كيماوية في 4 و5 من آب عام 2013 بعدرا ودوما قرب دمشق، وهجمات الـ21 من الشهر نفسه في الغوطة الشرقية، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من ألف شخص.
وأدت التحقيقات إلى إصدار 4 مذكرات توقيف في تشرين الثاني 2023، بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية والتواطؤ في جرائم حرب.
وتستهدف مذكرات التوقيف الى جانب بشار الأسد شقيقه ماهر، وعميدين آخرين هما غسان عباس مدير “الفرع 450” التابع لمركز الدراسات والبحوث العلمية السورية، وبسام الحسن مستشار الأسد للشؤون الإستراتيجية وضابط الاتصال بين القصر الرئاسي ومركز البحوث العلمية.
وقال المحامي المختص بالقانون الجنائي الدولي، المعتصم الكيلاني، إنه في “حال صدقت محكمة الاستئناف الفرنسية على مذكرة توقيف بشار الأسد، ستكون سابقة تاريخيّة تكسر كل قواعد واجراءات ومفهوم الحصانة التي يتمتع بها رؤساء الدول، وستكون حينها أول مذكرة توقيف تصدرها محكمة أجنبية بحق رئيس دولة في منصبه“.
وأضاف الكيلاني لعنب بلدي، أن التصديق على مذكرة التوقيف، يعني أن القضاء الفرنسي سيقوم بمحاكمة بشار الأسد غيابيًا، كما حصل مع علي مملوك وباقي الضباط المتورطين بقضية الدباغ”، مشيرًا إلى أن محاكمة الأسد غيابيًا لن تتم حتى النصف الثاني من عام 2026 أو غالبًا في 2027، بسبب وجود جدولة مسبقة لمحاكمات أخرى متعلقة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية حتى منتصف عام 2026، إذ إنه في كل عام هناك ثلاث محاكمات من هذا النوع في فرنسا”.
ولفت الكيلاني إلى أنه “حتى لو أصدر القضاء الفرنسي غدًا قرارًا يقضي بإلغاء مذكرة التوقيف بحق بشار الأسد، فإن محامين وجمعيات حقوقية سيحاولون الطعن بقرار محكمة الاستئناف الخاص بإلغاء مذكرة التوقيف”.
“الجرائم تُسقط الحصانة”
مذكرة التوقيف كانت بناء على شكوى جنائية قدمها “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” وناجون من المجزرة، وكانت هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها رئيس دولة في منصبه لمذكرة اعتقال في دولة أخرى، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وأفادت محاميتا الجهة المدعية كليمانس ويت وجان سولزر، بأن “الاعتراف بحسب ما يؤكد مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب، بأن بشار الأسد يستفيد من حصانة سيكون بمثابة تأمين حماية له من أي ملاحقة قضائية في فرنسا وسيخلق حالة من الإفلات من العقاب”، بحسب “الشرق الأوسط”.
واعتبرت المحاميتان أن “الخطورة غير العادية للوقائع التي تتمثل بارتكاب الأسد هجمات كيماوية متكررة ضد شعبه من ناحية، وصلابة ملف التحقيق الذي يثبت تورط النظام السوري في تلك الانتهاكات من ناحية أخرى، تعتبر أمورًا تدعو إلى اتخاذ قرار يسمح أخيرًا للضحايا الفرنسيين والسوريين بالوصول إلى العدالة“.
وكان قضاة التحقيق في فرنسا عندما أصدروا مذكرة التوقيف بحق الأسد، عللوا ذلك أن ارتكاب مثل تلك الجرائم كاستخدام الأسلحة الكيماوية، يجعل كل القوانين والأعراف المرتبطة بالحصانة تسقط.
وفي 5 من حزيران الحالي، توصلت محكمة الاستئناف في باريس إلى النتيجة نفسها بشأن الحاكم السابق للبنك المركزي السوري (2005-2016) أديب ميالة، وقضت بأن “طبيعة الجرائم المتهم بها تشكل استثناءً يبرر استبعاد الاستفادة من الحصانة الوظيفية”، بحسب “الشرق الأوسط”.
وينتهج القضاء الفرنسي مسار محاسبة مجرمي الحرب في سوريا، ففي أيار الماضي، قضت محكمة فرنسية غيابيًا على ثلاثة مسؤولين في النظام السوري بالسجن مدى الحياة، بتهمة التواطؤ في جرائم حرب، بعد محاكمة وُصفت بـ “التاريخية”، ولا سيما أنها المرة الأولى التي يُحاكَم فيها مسؤول سوري يشغل منصبًا.
الطريق مغلق نحو “الجنائية الدولية”
اتجهت بعض الدول والمنظمات الحقوقية إلى القضائية العالمية لمحاسبة مجرمين خارج أراضيها، ارتكبوا انتهاكات بحق مواطنين لها يعيشون في سوريا، بعدما فشل مجلس الأمن مرارًا في إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية، بسبب “الفيتو” الروسي- الصيني.
وذكر مدير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة”، بسام الأحمد لعنب بلدي، أن عدم القدرة على إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية يعود لسببين، الأول “الفيتو” الروسي- الصيني الذي يصوت في مجلس الأمن ضد قرار تقديم مسؤولي النظام لمحكمة الجنايات، أما السبب الثاني فيعود إلى أن سوريا ليست عضوًا في ميثاق روما.
وكانت 108 دول وقعت، عام 1998، على ميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية، وهناك العديد من الدول لم توقع على المعاهدة بما فيها سوريا والعراق، وبالتالي لا تتدخل المحكمة في قضايا على الأراضي السورية، بينما تستطيع المحكمة تلقائيًا ممارسة سلطة قضائية على الجرائم المرتكبة في أراضي أي دولة عضو أو المرتكبة من أشخاص ينتمون لأي دولة عضو.
محكمة استثنائية لجرائم الكيماوي
مع انسداد الطريق إلى محكمة الجنايات الدولية، طالبت منظمات سورية غير حكومية، في تشرين الثاني 2023، بإنشاء “محكمة استثنائية” لمعاقبة مستخدمي الأسلحة الكيماوية في سوريا، جاء ذلك في بيان لـ”رابطة ضحايا الأسلحة الكيماوية“.
المطالبات بإنشاء محكمة استثنائية خاصة لمحاكمة النظام، جاءت من منطلق أن هناك محاكمات خاصة عُقدت سابقًا، كالمحاكمات التي شُكلت لمحاسبة مجرمي الحرب في “يوغسلافيا” و”رواندا” و”سيراليون”، وأيضًا في لبنان بقضية اغتيال رفيق الحريري.
ويمكن للمحكمة الاستثنائية المقترحة، بحسب البيان، النظر في جميع قضايا استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا وكافة القضايا الأخرى التي تُمنع “الجنائية الدولية” حاليًا من التعامل معها بسبب الجمود السياسي.
وذكر البيان حينها أن المحكمة الخاصة ستتم هيكلتها بحيث تكون مكملة للمؤسسات الدولية القائمة وخاصة “الجنائية الدولية”، وقادرة على العمل عند عرقلة سلطة المحكمة الجنائية الدولية.
موقع “مع العدالة” تحدث عن صعوبات في إنشاء تلك المحكمة، في ظل عدم توفر الجدوى العملية السياسية والمالية لإنشائها، وعدم قدرتها على الاستمرار في ظل عدم تعاون النظام السوري والدول الشريكة معها.
وأضاف الموقع، أنه “لو فرضنا الحصول على الموافقة الأممية بتشكيل المحكمة الخاصة بسوريا، ستطفو على السطح معوقات تنفيذية أخرى تتعلق بآلية إنشائها من الصفر، من ناحية تحديد المقار، واختيار القائمين عليها وضمان تعاون الدول معهم، لا سيما أن معظم الدول التي كانت في الأمس ضد النظام السوري وانتهاكاته، أضحت اليوم تتقبل خيار وجوده مقارنة بالتنظيمات الإرهابية التي أفرزتها تلك الانتهاكات”.
وكان ملف الكيماوي لدى النظام عاد إلى الواجهة مجددًا من بوابة مجلس الأمن الدولي، الذي قدّم أدلة جديدة على استخدام الأسد السلاح الكيماوي في سوريا.
التحرك ضد ملف الكيماوي خلال الأيام الماضية لم يقتصر على جلسة مجلس الأمن، إذ كشف تقرير لـ”بعثة تقصي الحقائق” (FFM) التابعة لمنظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” في سوريا، معلومات تنفي اتهامات وجهها النظام لتنظيم “الدولة الإسلامية” باستخدام أسلحة كيماوية بحادثتين وقعتا في ريف حماة عام 2017، في إشارة إلى أن الأسد يقدم معلومات مضللة للجان التحقيق لإبعاد التهم عنه وإلصاقها بباقي أطراف الصراع في سوريا.