للاجئين يوم واحد فحسب!

  • 2024/06/23
  • 9:46 ص
غزوان قرنفل

غزوان قرنفل

غزوان قرنفل

في 20 من حزيران الحالي كان “اليوم العالمي للاجئين”، وهو يوم خصصته الأمم المتحدة لإعلان التضامن مع اللاجئين وحث العالم على إيجاد حلول لمحنتهم حتى يتمكنوا من العودة إلى بلدانهم بأمان، وكذلك ضمان حصولهم على فرص للازدهار في المجتمعات المضيفة وتزويد الدول بالموارد اللازمة لإدماجهم ودعمهم.

وفي هذا السياق، يبدو من المهم لنا الاطلاع والإحاطة ببعض المعلومات عن الأوضاع المتعلقة بنا، باعتبار أن نصف عدد سكان دولتنا (سوريا) موزع بين نازح داخليًا ولاجئ في مختلف دول العالم، ومع ذلك لا يزال العالم الكريه يحاول بشتى الطرق والسياسات أن يجبرنا على العودة إلى بيت الطاعة، والتعايش مع قاتل سفّاح رفض أن يستجيب لبعض من مطالب شعبه، وارتضى أن يمتثل لكل ما يملى عليه من داعمي بقائه ككلب حراسة لمصالحهم.

وفقًا لتقرير “الاتجاهات العالمية” الصادر عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين مؤخرًا، فإن 117.300.000 (مئة وسبعة عشرة مليونًا وثلاثمئة ألف) قد نزحوا قسرًا في جميع أنحاء العالم نتيجة الاضطهاد والصراعات والعنف وانتهاكات حقوق الإنسان، والأحداث المخلة بالنظام العام بشكل جسيم، وذلك حتى نهاية العام 2023.

وبطبيعة الحال “فقد استمر النزوح القسري بحسب تقديرات المفوضية، واستنادًا إلى البيانات العملياتية في الازدياد على مدى الأشهر الأربعة الأولى من عام 2024، وأنه من المرجح أن يكون عدد النازحين قسرًا قد تجاوز الـ120 مليونًا حتى نهاية نيسان الماضي”، وهذا يعني أن “1.5% من سكان العالم بأسره الآن في عداد النازحين قسرًا، أي واحد من بين كل 69 شخصًا، ويقارب ذلك ضعف ما كان عليه عدد النازحين قسرًا قبل عقد من الزمن”.

بينما وصل عدد اللاجئين في العالم إلى 43.4 مليون شخص خلال هذا العام، ويتضمن هذا العدد 31.6 مليون لاجئ وشخص في وضع شبيه بوضع اللاجئ، و5.8 مليون شخص آخرين بحاجة للحماية الدولية تحت ولاية المفوضية، فضلًا عن 6 ملايين لاجئ فلسطيني تحت ولاية وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا)، أي أن عدد اللاجئين صار أكثر بثلاثة أضعاف مما كان عليه قبل عقد من الزمن فقط.

هذه المعطيات والإحصاءات تؤشر في واقع الأمر إلى أزمة مستحكمة في بنية ودور الأمم المتحدة، التي فشلت على نحو صادم في النهوض بمسؤولياتها في الحد من الحروب والحفاظ على السلم والأمن في العالم.

صحيح أن النزاعات والحروب لن تنتهي في العالم بالنظر إلى طغيان الفجور البشري، الذي يتلطى إنسانه بقيم وشعارات إنسانوية سرعان ما تسقط عند أول امتحان لها في مواجهة المصالح، وبالنظر إلى النهم المفرط لاكتناز الموارد والثروات والاستحواذ عليها، ولو على حساب موت الآخرين جوعًا وسقمًا، لكن الصحيح أيضًا أن المسعى البشري لأنسنة النزاعات ما أمكن وإدارة الصراعات بشكل يحد من عقابيلها الكارثية، بهدف الحفاظ على الحد الأدنى من الحياة البشرية الآمنة والمطمئنة والحفاظ على السلم العالمي بما يسهم في ديمومة البشر والحياة نفسها، قد أصيب ابتداء بعطب بنيوي وبنكسات كبيرة بسبب بنية النظام العالمي، الذي تأسس على أنقاض دول وبقايا شعوب عقب الحرب العالمية الثانية، وكرّس إرادة ومصالح القوى المنتصرة فحسب دون أدنى التفاتة لحاجات وحقوق ومصالح الشعوب التي جعلت وقودًا لتلك الحرب المروعة.

غني عن القول إذًا إن هذا النظام العالمي الذي يتم التعبير عنه عبر منظمة الأمم المتحدة ليس فقط لا يلبي حاجات الشعوب والدول التي يزعم أنها على قدم المساواة في السيادة مع شركائها في تلك المنظومة الأممية، بل ولا يمكن له وفق بنيته الحالية التي تكرس مفهوم أن الديمومة والبقاء هو للقوي فحسب أن يجد حلولًا ومخارج لأزمات العالم والدول والمجتمعات، لأن تلك الأزمات أصلًا هي من صناعة الدول الخمس المتسيدة والمستأسدة على العالم.

هل من حلول ومخارج؟ أزعم أن خروجًا جماعيًا للدول من تلك المنظومة الدولية وعدم الاعتراف بولايتها على البشرية، يمكن أن يكون بداية لخلق مخارج وبدائل أخرى أكثر تجانسًا وتلمسًا للمصالح البينية المشتركة للدول والشعوب، والعمل على بناء أطر ومنظومات دولية على المستويات الإقليمية والقارية تسترشد بما ارتقى إليه البشر وصنعوه من قوانين ومعاهدات لتعيد صياغة علاقاتها فيما بينها وفق منظور مختلف تلتمس فيه الاستجابة لمصالح الأطراف والشركاء كلهم فيها دون عسف وتغول، ويتيح تفكيك النزاعات ونزع فتائلها قبل تفجرها، وبغير ذلك سيبقى البشر ودولهم وحيواتهم ومصايرهم ومصالحهم ورفاه عيشهم، مجرد رهائن لدى حفنة من الدول المهيمنة، حيث لا قانون ولا أخلاق تضبط سلوكها، وكلما التهمت دولة وهضمت شعبها قالت هل من مزيد!

اللاجئون ليسوا صناعة وطنية خالصة مرتبطة فقط بنزاع بين طغاة ومحكومين مقهورين، هي صناعة عالمية بامتياز حيث فنون صناعة المؤامرات والحروب والطغاة والنزاعات وإعادة رسم الخرائط في سياق صراع أكبر على النفوذ والموارد والهيمنة وصنع القرار العالمي.

لهؤلاء اللاجئين والمشردين خصص العالم الوقح لهم يومًا واحدًا فحسب، ليستذكروا عذاباتهم وتشردهم، وليكون بازارًا تستدرج فيه عروض الاستثمار فيهم وفي أوطانهم.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي