رغم انتهاكاته المنظمة منذ 2011..
ما الذي يمنع فرض عقوبات على “الاتحاد الوطني لطلبة سوريا”
عنب بلدي – ريم حمود
مارس “الاتحاد الوطني لطلبة سوريا” انتهاكات عديدة ضد الطلاب الجامعيين منذ بداية الثورة السورية عام 2011، بدءًا من قمع المظاهرات الطلابية المناهضة للنظام السوري وصولًا إلى اعتقالهم وتعذيبهم.
وبعد مرور أكثر من 13 عامًا على الثورة السورية، لم يتعرض الاتحاد لعقوبات أوروبية أو أمريكية، بل اقتصرت العقوبات الأمريكية على رئيسه السابق، محمد عمار ساعاتي، على الرغم من توفر عديد من الشهادات لطلاب تعرضوا لانتهاكات “منظمة” من قبل أعضاء الاتحاد، بحسب ما وثقته العديد من التحقيقات والدراسات.
وعلى الرغم من عرقلة الاتحاد العملية التعليمية، والمشاركة بقرار إنهاء الحياة الجامعية لمئات الطلاب، ما زال يُدعى لحضور مؤتمرات دولية ومنظمات طلابية، ترويجًا لقدرته على استيعاب وتمثيل كل شرائح المجتمع.
أحدث هذه الدعوات استعداد “الاتحاد الوطني” لمشاركة وفد رياضي سوري في “أولمبياد باريس 2024″، برئاسة عمر العاروب، الذي يتهم بضلوعه بارتكاب جرائم خلال عمله في “الاتحاد الوطني لطلبة سوريا”، إذ شغل منصب عضو قيادة فرع “الاتحاد” في مدينة حلب بين عامي 2000 و2010، ومن ثم رئيس للفرع، وعضو للمكتب التنفيذي للاتحاد، بصفة رئيس لمكتب العمل الوطني والتطوعي حتى عام 2019.
ويفرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة عقوبات سياسية واقتصادية على أبرز المسؤولين السوريين، المنخرطين في العمليات العسكرية والأمنية منذ اندلاع الثورة السورية، وعلى أجهزة ومؤسسات الدولة كالوزارات والبنك المركزي، وغيرها، لأدوارها في تمويل القمع والعمليات العسكرية.
فما العقبات التي تقف أمام معاقبة “الاتحاد الوطني لطلبة سوريا”؟ وما دور التحقيقات والدراسات التي تعمل عليها مراكز الأبحاث السورية ومنظمات المجتمع المدني في توثيق الانتهاكات وتوضيح أدوار الاتحاد؟
يعرف “الاتحاد الوطني” عن نفسه عبر موقعه الرسمي، بأنه “منظمة شعبية تضم طلبة الجامعات السورية الحكومية والخاصة والمعاهد العليا والتقانية، له فروع داخل سوريا وخارجها، أُسس الاتحاد رسميًا في 23 من نيسان عام 1966”.
وعُرف الاتحاد منذ تأسيسه عام 1966 بأنه كيان تديره قيادة حزب “البعث العربي الاشتراكي” (الحاكم في سوريا)، ويسيطر الحزب على المنظمات والنقابات في البلاد، كما تطور دوره بعد عام 2011، لينخرط في نشاط أمني لقمع المظاهرات الطلابية، ومراقبة حراك الطلبة المدني مستغلًا وجود ممثليه في جميع الكليات والجامعات على امتداد سوريا.
التحقيقات تلعب دورها
وثقت المنظمات السورية ومراكز الأبحاث وغيرها من الجهات انتهاكات الاتحاد عبر عدد من الدراسات والأبحاث، أحدثها تحقيق أجراه “المجلس السوري- البريطاني” عن جرائم تعذيب، واعتقالات نفذها “الاتحاد الوطني لطلبة سوريا” بين عامي 2011 و2013، بالاعتماد على مقابلات معمّقة مع 17 شاهدًا وثلاث شاهدات، بينهم طلاب سابقون وأعضاء في الهيئات التدريسية وأعضاء من الاتحاد نفسه.
ووفق التحقيق، شارك الاتحاد بعمليات القمع ونفذ اعتقالات تعسفية قائمة على “وجود شك في المشاركة بأنشطة مناهضة للنظام”، ومارس عمليات تعذيب للطلاب، عبر الضرب والصعق الكهربائي، والإساءات اللفظية والنفسية، وانتهاكات جنسية وأخرى على أساس طائفي.
واعتمد التحقيق على الشهادات المباشرة والتجارب التي تعرض لها الشهود بأنفسهم، ولا يقدم صورة كاملة للجرائم المرتكبة، إذ تعاون الاتحاد مع أجهزة الأمن السورية، وكانت جرائمه جزءًا من حملة قمع واسعة شنها النظام السوري.
وتُعد هذه الاتهامات جرائم ضد الإنسانية، وفق المادتين “7” و”8” من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
المحامي في منظمة “غرينكا 37″، والمتخصص بالقانون الدولي، إبراهيم العلبي، قال لعنب بلدي، إن التحقيقات والتقارير والدراسات والأبحاث التي توثق انتهاكات ضد مؤسسة أو كيان ما مهمة جدًا وتلعب دورًا في الاعتماد عليها لفرض عقوبات على جهة أو شخصية ما.
أغلب العقوبات تحتاج إلى أمر منشور يثبت الانتهاك على العلن، فكلما كانت هذه التحقيقات والدراسات الحقوقية والقانونية أقوى وأكثر تعمقًا وفي صميم الانتهاكات، زاد استخدمها بغرض فرض العقوبات.
إبراهيم العلبي
محامٍ في منظمة “غرينكا 37”
عقبات قانونية وسياسية
لفرض عقوبات على الاتحاد من الممكن مواجهة العديد من العقبات أهمها القانونية، بحسب المحامي إبراهيم العلبي، فمن الأساسي توفر أدلة كافية ضد المؤسسة المراد معاقبتها، إن كان الاتحاد أو غيره، إضافة إلى عقبات سياسية أيضًا، إذ يجب توفر رغبة سياسية بفرض عقوبات على مؤسسة “الاتحاد الوطني لطلبة سوريا” أو أي جهة أخرى، فبداخل أي عقوبات تفرض توجد قرارات تشاركية مبنية على أسس حقوقية لفرضها.
وتوجد طرق قانونية بدأت منظمات المجتمع المدني العمل عليها لمنع مشاركة “الاتحاد” بـ”أولمبياد باريس 2024″ ودخوله إلى فرنسا أو انضمامه إلى فعاليات أخرى كونه شارك بانتهاكات، أو تجاه أي مؤسسة شاركت بانتهاكات في سوريا، وفق العلبي.
من الطرق التي يتم العمل عليها تسليم الأدلة للجهات المعنية وإيصالها للجهات السياسية أيضًا، إذ بدأت حملة حقوقية تركز عملها بهذا السياق، وفق ما قاله إبراهيم العلبي لعنب بلدي.
ماذا عن واشنطن؟
غياب فرض العقوبات على “الاتحاد الوطني لطلبة سوريا” رغم ارتكابه الانتهاكات لم يكن صعبًا في واشنطن، ومن الممكن تقديم مقترح للكونجرس الأمريكي لفرض عقوبات على الاتحاد وخاصة أن علاقة “التحالف الأمريكي لأجل سوريا” مع وزارتي الخزانة الأمريكية ووزارة الخارجية الأمريكية جيدة، وفق ما قاله مسؤول التخطيط السياسي في “التحالف الأمريكي لأجل سوريا”، محمد علاء غانم، لعنب بلدي.
ولبدء خطوة المطالبة بفرض عقوبات على “الاتحاد” فإن “التحالف الأمريكي” بحاجة إلى مادة وثائقية تثبت قانونيًا ضلوع الاتحاد بهذه النشاطات، وقد استطاع اللوبي السوري- الأمريكي الدفع باتجاه عقوبات على شخصيات ومجرمي حرب ومهربي المخدرات وغيرهم من الجهات والشخصيات الأخرى، بعد تقديم الوثائق والأدلة اللازمة.
وأضاف مسؤول التخطيط السياسي في “التحالف الأمريكي لأجل سوريا”، أنه بعد تقديم الوثائق للمطالبة بفرض العقوبات على “الاتحاد الوطني لطلبة سوريا” تبقى الخطوات التالية المتابعة من المنظمات السورية- الأمريكية الموجودة في واشنطن.
ومن وجهة نظر غانم، يوجد العديد من الأولويات والجهات التي تعتبر من الأهم فرض عقوبات عليها، ولكن هذا لا يعني التقليل من حجم ممارسة دور “الجريمة” التي مارسها أعضاء الاتحاد ضد الطلاب الجامعيين، وهذا الأمر يحتاج إلى التعاون بين منظمات المجتمع المدني السورية التي وثقت الانتهاك وبين المنظمات في واشنطن.
لمحة تاريخية
عام 1966، أُسس “الاتحاد الوطني لطلبة سورية” بمرسوم تشريعي حمل الرقم 130، وأصبح “الممثل الوحيد للطلبة الجامعيين في سوريا”، ثم استمر بالعمل تحت مظلة حزب “البعث”، حتى أصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في كانون الثاني الماضي، قانونًا ينص على استقلال الاتحاد ماليًا وإداريًا.
وظل “الاتحاد الوطني” لسنوات مشرفًا على “معسكرات التدريب الجامعي” للطلاب حتى قرار حل مراكز التدريب التي تدير المعسكرات في عام 2015، إلى جانب اتهامه بتجنيد الطلاب لمصلحة الأجهزة الأمنية.
عام 2020، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات جديدة ضد شخصيات عسكرية وحزبية تابعة للنظام السوري، وشمل القرار حينها الرئيس السابق للاتحاد، محمد عمار ساعاتي، الذي قاد منظمة “سهّلت انضمام طلاب الجامعات لميليشيات يدعمها الأسد”.
وفي العام نفسه، استبدل ساعاتي بدارين سليمان، التي ادّعت عملها على محاسبة كل من تحقق الاتحاد من ضلوعه بانتهاكات ضد الطلاب.
وترأست سليمان المكتب التنفيذي للاتحاد، وكانت عضوًا في اللجنة المصغرة للجنة الدستورية في وفد النظام السوري 2019.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :