عنب بلدي – ليندا علي
بحثًا عن مستقبل أفضل، وهربًا من أزمات سياسية واقتصادية، يسافر السوريون إلى بلاد جديدة دافعين أثمانًا باهظة، حتى لو استدعى الأمر بيع كل ما يملكون، بما في ذلك منازلهم.
عقب عام 2014، ارتفعت أعداد السوريين المغادرين سوريا باتجاه الدول الأوروبية، ومؤخرًا اتخذت هذه الدول سبلًا جديدة لإيقاف وصول المهاجرين إليها.
ومع قرارات دول الاتحاد الأوروبي، ومخاطر الهجرة المرتفعة، اتجه السوريون إلى دول أخرى بحثًا عن فرص عمل وحياة اقتصادية أفضل.
إحدى هذه الدول كان العراق، وتحديدًا مدينة أربيل في إقليم كردستان، التي شهدت إلى جانب دبي وصول السوريين بكثرة إليها.
وبقدر ما أنشأ سوريون مشاريع اقتصادية واستثمارية في المدينة، إلا أن القرارات التي أصدرها الإقليم مؤخرًا، بعدم تجديد الإقامات للشباب السوريين، وعدم منحهم تأشيرات الخروج، أدت إلى خسارة الكثيرين كل ما كان يشكل لهم أملًا بظروف أفضل.
ترحيل وخسارة
خسر جعفر (24 عامًا) 22 مليون ليرة سورية، نتيجة ترحيله من أربيل، بعد شهر ونصف تقريبًا من السفر إليها.
وصل جعفر، الذي تحدث لعنب بلدي، إلى ما وصفه بـ”أرض أحلام السوريين” (أربيل) قبل يوم واحد من صدور قرار بإيقاف إصدار إقامات للسوريين.
وصل الشاب إلى أربيل في 1 من نيسان الماضي، وفي اليوم التالي صدر القرار الذي شكّل صدمة كبيرة للكثير من الشباب السوريين، فأدى إلى عودتهم بعد خسارة مدخرات عوائلهم المالية.
روى جعفر تفاصيل ما حصل معه لعنب بلدي، إذ وبعد إلحاح منه وافق والده على بيع منزل صغير تمتلكه العائلة في ضواحي مدينة اللاذقية، لتمويل سفره إلى أربيل واعدًا عائلته بأن يرسل لهم شهريًا مبلغًا يساعدهم في حياتهم عوضًا عن إيجار المنزل.
باعت العائلة المنزل ومنحت جعفر 25 مليون ليرة، واشترت بباقي المبلغ ليرات ذهبية للحفاظ على ما تبقى من مدخراتهم القليلة، على أن يعاودوا شراء منزل جديد بمجرد بدء ابنهم العمل هناك.
وأضاف جعفر أنه وبعد وصوله إلى أربيل وجد عملًا في ورشة بناء، إلا أنه لم يبقَ فيها أكثر من شهر واحد، وهو نفس تاريخ انتهاء تأشيرة الدخول.
ورفض صاحب العمل إبقاءه في العمل لأنه مخالف، وحاول البقاء هناك أملًا بتسوية وضعه، إلا أن المصاريف كانت تزداد، ما اضطره في النهاية للعودة إلى سوريا التي خرج منها محملًا بالأحلام والوعود.
وقال الشاب إنه تعرّض لاستغلال كبير بمجرد انتهاء تأشيرته، فصاحب المنزل الذي كان يستأجره رفع الإيجار من 150 إلى 300 دولار، ليسمح له بالبقاء فيه وهو مخالف، بينما رفضت كل الفنادق استقباله لذات السبب، ما اضطره للبقاء لدى أصدقائه لمدة 15 يومًا.
في النهاية، فقد الشاب الأمل وقرر العودة إلى سوريا مجددًا، كي لا تزداد غرامة التأخير، إذ دفع 15 دولارًا عن كل يوم تأخير من مدة “الفيزا” التي لا تتجاوز شهرًا واحدًا.
في الوقت الحالي، لا يملك الشاب أي فكرة عما يمكن أن يفعله، فلا نقود أخرى لتمويل سفره إلى الإمارات، ولا أوضاع لبنان مناسبة ليسافر للعمل فيه، بينما يحاول العودة إلى مطعم الوجبات السريعة الذي كان يعمل فيه قبل السفر براتب لا يتجاوز النصف مليون ليرة سورية.
وكانت حكومة كردستان العراق أصدرت قرارًا بتعليق منح تأشيرة الدخول لكل السوريين، سواء كانوا عازبين أم عوائل، بعد فترة قصيرة من قرار بإيقاف تأشيرات دخول العازبين في نيسان الماضي.
سفر بالدَين
على نفس طائرة العودة، جاء حسان (27 عامًا)، الذي لم يحالفه الحظ هو الآخر بالبقاء في أربيل، بفارق أن الشاب العشريني لم يكن يعلم كيف سيساعد والده على تسديد دينه بالعملة الصعبة.
استدان والد حسان من أخيه 1500 دولار أمريكي ليساعد حسان، خريج قسم اللغة العربية من كلية الآداب في جامعة “البعث” بمدينة حمص وسط سوريا.
قال حسان لعنب بلدي، إنه كان من المفترض أن يعمل لإعادة المبلغ بالعملة الصعبة وفقًا لشروط العم، واليوم لا تدري العائلة كيف يمكن تسديد الدَين، ولا سبيل لذلك سوى بيع قطعة الأرض الصغيرة التي لا تمتلك عائلة حسان سواها مع المنزل الذي يقيمون فيه بمدينة حمص.
دفع حسان 200 دولار ثمن تذكرة طائرة الذهاب، و165 دولارًا ثمن تذكرة العودة، و170 دولارًا لـ”الفيزا”، ونحو 500 دولار غرامات تأخير، كونه بقي هناك نحو شهر كامل وهو مخالف، بعد انتهاء تأشيرة الدخول الخاصة به وعدم حصوله على إقامة عمل.
وبموجب القرار الجديد، لم يستطع السوريون الموجودون في أربيل، تعديل وضعهم وتحويل تأشيرتهم إلى إقامات دائمة، ما تطلب منهم المغادرة وإلا اعتبروا مخالفين.
ويقدّر عدد السوريين في أربيل بنحو 265 ألفًا، وحتى الأمس القريب، كانت أربيل تعتبر وجهة مفضلة لسهولة الوصول وعدم وجود عنصرية كبيرة تجاه السوريين فيها، كما أنها تعتبر ملجأ آمنًا لعظم الشباب السوريين من الفقر، وإيجاد فرص عمل أفضل، رغم أن متوسط رواتب معظم السوريين فيها لا يتجاوز الـ300 دولار أمريكي بالنسبة للعمال.
ورغم الظروف الصعبة، تشكل أربيل ودبي والقاهرة منفذ أمل للسوريين الراغبين بتحسين ظروفهم، مع انسداد أي أفق للحل السياسي في سوريا، أو تحسن الظروف الاقتصادية والمعيشية في البلاد.
ووفق المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، يحتاج 16.7 مليون شخص للمساعدة الإنسانية في سوريا، بزيادة بلغت 9% على عام 2023.
ونشرت المفوضية، في كانون الثاني الماضي، تقريرًا قالت فيه إن الأزمة في سوريا مستمرة بالتأثير على حياة ملايين الأشخاص، والوضع الأمني في أجزاء من البلاد غير قابل للتنبؤ به، والوضع الاقتصادي آخذ في التدهور، كما أثر الزلزال الذي وقع في شباط 2023 في تردي الوضع داخل سوريا.
ووصل عدد الأشخاص “المتأثرين” في عموم سوريا إلى 6.8 مليون نازح داخلي، و155 ألف شخص من النازحين العائدين، و37 ألفًا من اللاجئين العائدين إلى سوريا، و16 ألفًا من اللاجئين وطالبي اللجوء في سوريا.
وفي حزيران 2023، كشفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن قرابة 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وكان ما يزيد على 15 مليون سوري بحاجة إلى المساعدات الإنسانية.
وتعد سوريا واحدة من بين الدول الست الأدنى في مستويات الأمن الغذائي بالعالم، وبلغ عدد الأشخاص الذين يعانون انعدام الأمن الغذائي 12.1 مليون شخص (أكثر من نصف السكان)، و2.9 مليون يعانون انعدام الأمن الغذائي الشديد.
وكان برنامج الأغذية العالمي أعلن عن انتهاء برنامج مساعداته الغذائية العامة بجميع أنحاء سوريا ابتداء من كانون الثاني الماضي، بسبب نقص التمويل، وأنه سيواصل دعم الأسر المتضررة من حالات الطوارئ والكوارث الطبيعية من خلال “تدخلات طارئة أصغر وموجهة أكثر”، دون تحديد طبيعة هذه التدخلات.