تعا تفرج

عليهم عليهم.. معركة الفاصولية والبامية

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

معظمنا، نحن الذين ننخرط في مشاجرات جماعية، لا نعرف السبب الذي أدى إلى نشوبها. فلأننا أصحاب نخوة، ومروّة، وحمية، (مع شوية هبل وتيسنة)، نسمع صوت أحد أبناء عمنا يصيح “عليهم عليهم”، فنحمل ما تيسر لنا من عصي، وفؤوس، وسكاكين، ومسدسات، وبواريد، ونركض في الأزقة والشوارع، كالمهابيل، وخلال الركض يصلنا طارش من الكلام، نفهم منه أننا سنتشاجر مع العائلة الفلانية، التي تعتدي على عائلتنا، فلا قرت أعينُ الجبناء!

بعد انقضاء المعركة، وانسحاب المتشاجرين الناجين من أرضها، وسماعنا أصوات الـ “وي وي” من سيارات النجدة، وسيارات الإسعاف، ننتظر إحصاء النتائج من قتلى، وجرحى، ومرضوضين، وموقوفين في المخفر، ثم نأوي إلى دار واحد منا، ونجلس لنشرب الشاي، ونترحم على أبناء عمومتنا الذين قضوا نحبهم، وندعو للمصابين بالشفاء، شفاء لا يغادر سقمًا، وللموقوفين بأن يفك الله تعالى أسرهم، دواليك حتى يسأل سائل منا:

– ولكن، يا شباب، ما عرفتوا لنا أيش القصة؟ وليش نحن علقنا مع هدول الجماعة؟

ويكون الجواب أكثر سخفًا، وتفاهة، وبؤسًا من السبب الذي أدى إلى حرب البسوس العربية التي استمرت عشرات السنين، وراح فيها مئات الألوف من القتلى من أجل ناقة.. وقد لا تصدقون أن مشاجرة بين عائلتين، في إحدى مدن الشمال السوري، كانت بسبب الفاصولياء والبامية!

الحاج أبو فلان، كبير العائلة صاد، كان خارجًا من صلاة المغرب، والتقى بالحاج أبو علان، كبير العائلة سين، الذي كان خارجًا من الجامع نفسه، سلم عليه، ودعاه لتشريفه بتناول العشاء معه في الدار، رز وفاصولية بيضاء، بلحم الخروف الضاني، العَوَاس، من تحت يدي أختكم الحاجة أم فلان. وكان أبو علان أكثر كرمًا وأريحية من صاحبه، فقبل دعوته من حيث المبدأ، ولكنه، كما قال، لا يحب الفاصولية، ويستغرب أن يكون في البلد رجال طويلون عريضون، يحبون هذه الأكلة التعيسة، وبدوره، دعاه لمشاركته العشاء مما أبدعت يدا أختكم أم علان، الشهيرة بطبخ الرز والبامية التي تؤكل الأصابع وراءها، مع التأكيد على أن سطح طبق الرز، يكون عامرًا باللحم المفروم، المقلي بالسمن العربي مع اللوز والجوز والصنوبر. الحاج أبو فلان قلل من شأن البامية، ولام صديقَه لأنه انتقد الفاصولية، وأكد أن هذا دليل على تدني ذوقه، وفساد شهيته.. احتد أبو علان وقال لصاحبه: أنت البادئ، ووالله لولا الخبز والملح الذي بيننا لزعلت منك، بسبب استهتارك بالبامية، فقال أبو فلان: بالناقص منك، ومن صحبتك، ومن باميتك التي تَعاف الدواب أكلها، يا قليل الأصل.. وخلال ثوانٍ بدأت عكازة كل من الرجلين تنزل على رأس صديقه، وتراكض الناس لفض الاشتباك بينهما، ولكن بعض الشبان من أقارب أبو فلان، وآخرين من جماعة أبو علان، ضربتهم النخوة، ولم يهن على كل منهم أن يرى كبيرَ عائلته يُضرب بالعكاز، فصاحوا “عليهم عليهم”، وانتقلت المعركة إلى خارج الجامع، وبدأت أدوات القتال المتوفرة في المكان، من حجارة، وأسياخ حديد، وخشبات قبان، تقذف في الهواء، وتنزل على الأجساد فتدميها، وتوقعها من طولها!




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة