عنب بلدي – خالد الجرعتلي
خلال الشهرين الماضيين، شن تنظيم “الدولة الإسلامية” هجمات على مواقع عسكرية لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) صاحبة السيطرة على شمال شرقي سوريا، عبر سيارات مفخخة، خلّفت أضرارًا مادية وبشرية.
آلية الهجوم التي اتبعها التنظيم شكلت تحولًا في استراتيجيته بالمنطقة، إذ لطالما اعتمد على الكمائن والاغتيالات والهجمات المتفرقة، في استهداف مقاتلي “قسد” وموظفي “الإدارة الذاتية” (المظلة السياسية لـ”قسد”).
وغابت الهجمات بالسيارات المفخخة أو الهجمات “الانتحارية” لنحو خمس سنوات عن المنطقة، لكنها عادت في وقت انحسر فيه نشاط التنظيم، وارتفعت وتيرة الحملات الأمنية ضده، ما شكّل مؤشرًا على استمرار قدرته على تنفيذ هجمات مؤثرة.
هجومان في دير الزور
في 5 من حزيران الحالي، أعلن تنظيم “الدولة” مسؤوليته عن هجوم بسيارة مفخخة استهدف موقعًا عسكريًا لـ”قسد” شرقي دير الزور، مشيرًا إلى أنه أسفر عن مقتل وجرح 15 عنصرًا من الأخيرة.
وقالت وكالة “أعماق” الرسمية للتنظيم حينها، إن ما أسماها “عملية استشهادية جديدة” ضربت موقعًا لـ”قسد” في قرية العطالة التابعة لناحية البصيرة شرقي محافظة دير الزور.
وأضافت عبر معرّفها في تطبيق “تلجرام” (وهي غرفة أخبار مغلقة)، أن الهجوم جاء متزامنًا مع دورة عسكرية جديدة في الموقع المستهدف، ما أسفر عن مقتل وإصابة 15 شخصًا.
“أعماق” أشارت إلى أن الهجوم جاء في سياق “الثأر المتواصل لأسيرات الهول”، الذي توعد به المتحدث الرسمي للتنظيم في كلمته الأحدث.
من جانبها، أعلنت “قسد” عن وقوع هجوم بسيارة مفخخة في أحد مقارها العسكرية، لكنها قالت إن قواتها تمكنت من إحباطه.
وفي 10 من أيار الماضي، أعلنت “قسد” عن مقتل أربعة من عناصرها وجرح آخرين بهجوم نفذه انتحاري في بلدة الشحيل شرقي محافظة دير الزور، بالتزامن مع قصف اتهمت النظام السوري بالوقوف خلفه.
وقالت حينها، إن تنظيم “الدولة” هاجم بسيارة مفخخة يقودها “انتحاري” إحدى النقاط العسكرية التابعة لها في بلدة الشحيل.
لاحقًا تبنى التنظيم الهجوم، ووفق إعلانه، نتج عنه مقتل منفذه، الذي اخترق تحصينات أمنية تفرضها “الميليشيا” (في إشارة إلى “قسد”)، وصولًا إلى المقر الذي يشكل منطلق حملات الاعتقال والمداهمة في المنطقة.
هجمات مرتبطة بـ”الهول”
في نهاية نيسان الماضي، دعا المتحدث الرسمي لتنظيم “الدولة”، “أبو حذيفة الأنصاري”، مجموعاته المنتشرة في سوريا إلى تكثيف هجماتها ضد “قسد”، ردًا على حملات الاعتقالات المتكررة التي أطلقتها الأخيرة في مخيم “الهول” الذي يضم عائلات مقاتلين في التنظيم.
وجاء حديث “الأنصاري” حاملًا توجيهًا لخلايا التنظيم الأمنية في المنطقة، بتكثيف هجماتهم، بالتزامن مع حملة أمنية أطلقتها “قسد” في مخيم “الهول” شرقي محافظة الحسكة، اعتقلت خلالها عددًا من قاطنيه.
سبقت دعوة “الأنصاري” بأيام حملة أمنية شنتها “قسد” ضد خلايا تنظيم “الدولة” في مناطق سيطرتها شمال شرقي سوريا، إذ أعلنت “قوى الأمن الداخلي” (أسايش) عبر بيان، في 24 من نيسان الماضي، أنها داهمت “أوكار” خلايا للتنظيم في “الهول”، وتمكنت من اعتقال 25 شخصًا بينهم امرأة.
وأضافت أن المعتقلين يشكلون عناصر من خمس خلايا أمنية تتبع للتنظيم، وتُعد “من أخطر الخلايا ضمن المخيم”، وفق البيان.
الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الجهادية عرابي عرابي، ربط تكتيك السيارات المفخخة الذي اتبعه التنظيم مؤخرًا في دير الزور بعائلات عناصره في مخيم “الهول”، إذ اعتبر أن هجمات من هذا النوع تهدف للضغط على “قسد” بهدف إطلاق سراح نساء من المخيم.
وأضاف لعنب بلدي، أن التنظيم بدا ميالًا لاستهداف المعسكرات الثابتة التي من الممكن أن يصل إليها منذ مدة، معتبرًا أن استخدام “المفخخات” ليس حدثًا طارئًا.
واعتبر الباحث أن للتنظيم قنوات ضغط وتفاوض مع “قسد” فيما يتعلق بعناصره السجناء لدى الأخيرة وعائلاتهم في “الهول”، لكن لا قدرة فعلية على التفاوض حول أفراد مؤثرين في التنظيم من السجناء لدى “قسد” على اعتبار أنهم تحت وصاية التحالف الدولي.
وفي حال قررت “قسد” الإفراج عن أفراد من التنظيم، فإنها تلجأ للسماح لهم بالهرب من المخيم، أو السماح بتهريبهم خارجه.
هل تتصاعد الهجمات؟
في وقت تشهد فيه المنطقة تصاعدًا لهجمات التنظيم من حيث أعدادها مطلع العام الحالي، كثّفت “قسد” حملاتها الأمنية، وقالت إنها اعتقلت خلايا من تنظيم “الدولة” مسؤولة عن تنفيذ الهجمات “الانتحارية” في دير الزور.
الحملات الأمنية انعكست على الأرض خلال الشهرين الماضيين، إذ انخفضت وتيرة هجمات التنظيم مجددًا، وأعلن عبر صحيفته الأسبوعية “النبأ”، في 21 من حزيران الحالي، أنه نفذ عملية واحدة في محافظة دير الزور خلّفت ثلاثة قتلى وجرحى، في حين وصل مجموع عملياته في سوريا بالأسبوع الأول من كانون الثاني الماضي إلى 34 عملية، و32 في الأسبوع الذي تلاه.
الباحث عرابي عرابي يعتقد أن زيادة وتيرة هجمات التنظيم تصب في مصلحة “قسد” بنهاية المطاف، إذ تهدف دائمًا لـ”تصدير فكرة خطر تنظيم الدولة” للضغط على الولايات المتحدة التي نشرت قواتها في المنطقة دعمًا لـ”قسد” بهدف مكافحة التنظيم.
ونوّه عرابي إلى أن الهجمات على مواقع “قسد” والنظام السوري والميليشيات الإيرانية تعتبر أولوية بالنسبة للتنظيم، وقد تستغل هذه الأولوية من قبل “قسد” لكسب المزيد من الدعم.
وبينما تنظر الدول المنخرطة بعمليات سياسية كضامن أو مراقب في سوريا إلى الأحداث الدائرة على أنها “صراع” بين طرفين هما المعارضة والنظام، تبقى “الإدارة الذاتية” خارج هذه المعادلة، إذ ينظر إليها على أنها شريك التحالف الدولي في محاربة تنظيم “الدولة” شرقي سوريا فقط، ما يجعل من استمرار وجودها مرتبطًا باستمرار وجود خطر التنظيم.
وفي 20 من حزيران الحالي، قالت “الإدارة الذاتية”، إن وفدًا منها زار ألمانيا والتقى نائبة رئيس برلمان ولاية شمال الراين وستفاليا في مدينة دوسلدروف الألمانية، وتحدث عن خطر تنظيم “الدولة” الذي لايزال نشطًا في المنطقة ويشن الهجمات فيها، وأشار إلى ضرورة تلقي الدعم والمساعدة على النواحي السياسية والاقتصادية والعسكرية لهزيمة التنظيم.
ونوّه وفد “الإدارة” إلى أن الآلاف من عناصر التنظيم السابقين المعتقلين في سجون تديرها “الإدارة الذاتية”، إلى جانب عشرات الآلاف من عوائلهم في مخيمي “الهول” و”روج”، يشكلون “قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة”.
وتيرة متفاوتة
في دراسة أعدها “مركز مكافحة الإرهاب” عام 2023، أحصى هجمات التنظيم منذ عام 2019، عندما انتهت سيطرته الفعلية، وحتى العام الماضي، وظهرت أنها بانحدار مستمر، رغم تفاوتها في بعض الأحيان.
ووفق رسم بياني ورد في الدراسة، تجاوزت هجمات التنظيم 1000 هجوم عام 2019، لكنها لم تتجاوز 150 هجومًا خلال العام الماضي، علمًا أن العام الحالي سجل ارتفاعًا واضحًا بعدد الهجمات التي قال التنظيم إنه نفذها في سوريا وحدها.
واعتبرت الدراسة أن القتال في سوريا ضد التنظيم لا يزال مستمرًا، لكن مع مرور الوقت، يبدو أن بعض أعضاء التحالف ضد التنظيم يفقدون العزم على الاستمرار على المدى الطويل.
ويبدو أن الأحداث المحلية على الأرض تسلط الضوء أيضًا على مستقبل غير واضح للمنطقة، وفق الدراسة، إذ يبدو أن حالة عدم الرضا عن أجندة الحكم لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) قد وصلت إلى نقطة الانهيار في 27 من آب 2023، عندما اعتقلت “قسد” أحمد الخبيل (أبو خولة)، رئيس مجلس دير الزور العسكري بتهمة “التواصل والتنسيق مع جهات خارجية”.
وأسفر اعتقال الخبيل عن نشوب مواجهات مسلحة بين “قسد” وعشائر المنطقة، لا تزال تداعياتها مستمرة حتى اليوم.
وخلصت الدراسة إلى أن قدرات التمرد لدى التنظيم تتراجع بسبب عمليات التحالف، لكن مع ذلك، قد لا تكون هذه الأرقام هي كل ما يظهر، ولا ينبغي لأولئك الذين يركزون على مكافحة التنظيم أن يعتمدوا بشكل مفرط على هذه الإحصائيات.