الأضاحي في درعا.. سوق القصابين يحركه المغتربون
في باحة منزل ريفي بريف درعا الغربي وتحت شجرة جوز معمّرة يسلخ بشار الذبائح ثم يسلمها لشخص آخر، ليقطّعها حتى تقسّم إلى حصص صغيرة (كل كيلوجرام على حدة) تمهيدًا لتوزيعها على الفقراء والأقارب.
ولا يمارس قصابو اللحوم في درعا طقوس العيد لانشغالهم في إعداد الأضاحي، منذ فجر اليوم الأول في عيد الأضحى حتى نهاية رابع يوم في العيد.
ودرجت العادة لدى معظم العائلات بإحضار القصاب إلى المنزل عوضًا عن إرسال الذبائح إلى المسلخ.
بالنسبة لبشار الحمصي، وهو قصّاب ينحدر من ريف درعا، يعد إعداد الذبيحة في المسلخ أكثر سلاسة لتوافر المعدات اللازمة، لكن معظم العائلات تفضل جلب القصاب لمنزلها باعتبار أن إعداد الأضحية طقس يلازم أبناء المحافظة منذ سنوات.
وقال بشار لعنب بلدي إنه لم يتوقف عن العمل منذ انتهاء صلاة العيد في يومه الأول، حتى نهاية اليوم الثالث منه، ولم يتسنَ له ممارسة طقوس العيد مع عائلته، وهو ما يواجهه في كل عيد أضحى.
وأضاف وبيده سكين حادة وهو يفصل فرو كبش (ذكر الغنم) عن لحمة، إن عيد الأضحى هو عيد العمل بالنسبة له، إذ لا يتوقف فيه عن إعداد الذبائح، وتقطيعها، في حين يمضى عيد الفطر مع عائلته المكونة من أربعة أفراد، إذ لا عمل خلال تلك الفترة.
وقال إنه لم يرَ أطفاله سوى للحظات قليلة في صباح اليوم الأول من العيد عندما استيقظ صباحًا، ألقى عليهم تهنئة العيد، وغادر للعمل، ومنذ ذلك الوقت لم يعد للمنزل إلا ليلًا.
وبالنسبة للقصاب صلاح مسالمة، وهو من أبناء حي درعا البلد، وسط مدينة درعا، يعتبر عيد الأضحى مناسبة للاحتفال بالنسبة لعموم السكان، إلا للقصابين المنشغلين بإعداد الطقوس في منازل أبناء المنطقة، لقاء أجر مادي.
وبالنسبة للقصابيّن، فإن العاملين في هذه المهنة يشاركون معظم السكان في طقوس إعداد الأضاحي، وما تمثله من شعائر دينية وطقوس محببة للسكان، لكنه يبعدهم عن عائلاتهم.
وأضاف صلاح أن عيد الأضحى يحقق مكاسب مالية للقصابين إذ يتقاضى ما يقارب 100 ألف ليرة سورية عن كل أضحية من الخراف، و400 ألف ليرة عن كل عجل (الدولار يقابل 14800 ليرة).
ويميل سكان درعا للتضحية بالخراف، وتوزيعها على المحتاجين من أبناء المحافظة، في حين يفضل بعضهم التضحية بالعجول، بينما يميل عدد قليل من الناس للتضحية بالجمال، ويوجد قصابون مختصون بإعداد هذا النوع من الأضاحي.
ويحجز الزبائن دورًا لدى القصابين قبل أيام، وبعضهم يؤجل دوره حسب برنامج القصاب.
المغتربون يحركون السوق
يحرك المغتربون سوق الأضاحي في درعا، إذ يرسلون مبالغ مالية لذويهم لشراء الأضاحي، وتوزيعها على أبناء المنطقة حفاظًا على الطقس الذي لم ينقطع عن درعا على مر السنوات.
عبد الكريم (55 عامًا) قال لعنب بلدي إنه ضحى بخروفين يزن كل منهما حوالي 50 كيلوغرامًا بطلب من أبنائه المقيمين في أوروبا، الذين أرسلوا ثمنها له.
وأضاف أن لا قدرة مالية لديه على شراء الأضاحي لولا الأموال التي أرسلت له قبيل عيد الأضحى، لكنه سعيد بأنه حافظ على الطقس الذي لطالما شهده منزله في كل عيد أضحى من كل عام.
ووصل سعر الكيلوغرام الواحد من لحم الخروف قبل الذبح إلى 80 ألف ليرة سورية، و60 ألف ليرة للحم العجل.
ويتراوح سعر الأضحية الحية من الغنم بين أربعة وستة ملايين ليرة سورية، وسعر العجل من 20 إلى 30 مليون ليرة سورية وذلك نظرًا إلى وزنه.
وتوقع رئيس جمعية اللحامين في دمشق، محمد الخن، ذبح 50 ألف رأس من الغنم خلال هذا العيد مقابل 200 ألف رأس خلال أعياد الأضحى السابقة>
وأرجع الخن سبب التراجع لضعف القدرة الشرائية للسكان وغلاء سعر الخراف مقابل الأعوام السابقة، وفق ما قاله لصحيفة “تشرين” الحكومية.
وبحسب “تشرين“، تمتلك سوريا نحو 19 مليون رأس من الأغنام ما يمثل 1.27% من الإجمالي العالمي بعدد الخراف.
وقدر مدير زراعة درعا، بسام الحشيش، عدد قطيع الأغنام في محافظة درعا بـ 817407 رأس، في حين يصل عدد المربين 12705 مربٍ على مستوى المحافظة.
وقال الحشيش إن واقع تربية القطيع جيد من ناحية نمو القطيع وخلوه من الأمراض.
سوريون ينتظرون الأضاحي
في الوقت الذي اشتهر فيه عيد الأضحى بطقوس الأضاحي التي اشتق اسمه منها، وكانت تقليدًا في جزء ليس بقليل من منازل السوريين، يقف بعضهم اليوم بانتظار هذه المناسبة للحصول على حصص لهم الأضاحي التي يقدمها متبرعون.
وخلص تقرير سابق أعدته عنب بلدي إلى أن الأضاحي صارت محصورة بالأغنياء وممن يعيلهم أبنائهم في الخارج، إذ لا يقل سعر الأضحية عن أربعة ملايين ليرة سورية، وهو مبلغ يصعب تأمينه بالنسبة لعائلات تحاول تأمين قوت يومها فقط بصعوبة.
اقرأ أيضًا: سوريون ينتظرون عيد الأضحى لتناول اللحوم
ويعيش أكثر من ربع السوريين في فقر مدقع، بعد 13 عامًا من الحرب التي أدت إلى أزمات اقتصادية متلاحقة وجعلت ملايين السكان عاجزين عن تأمين احتياجاتهم الرئيسة، وفق تقرير صادر عن البنك الدولي نهاية أيار الماضي.
ووفق التقرير، أدى أكثر من عقد من النزاع إلى تدهور كبير في رفاه الأسر السورية، مشيرًا إلى أن حوالي 5.7 مليون نسمة أي 27% من السوريين يعيشون في فقر مدقع.
على الرغم من عدم وجود الفقر المدقع فعليًا قبل عام 2011، لكنه طال أكثر من واحد من كل أربعة سوريين عام 2022، وربما زاد حدةً وشدةً بسبب الآثار المدمرة لزلزال شباط 2023، وفق البنك الدولي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :