الخوف الفرنسي
إبراهيم العلوش
بعد الانتخابات البرلمانية الأوروبية وفوز اليمين المتطرف بفرنسا في 7 من حزيران الحالي، حل الخوف في الأوساط السياسية والاجتماعية الفرنسية، وخاصة في أوساط المهاجرين واللاجئين، بمن فيهم المجنّسون. وحتى الرئيس الفرنسي ماكرون اتخذ خطوة توصف بالمتسرعة عندما حلّ الجمعية الوطنية (البرلمان) بعد ساعة واحدة فقط من إعلان النتائج الكارثية.
خسر حزب “النهضة”، الذي يترأسه الرئيس ماكرون، بعد أن كانت فترته الرئاسية الأولى (2017) أعطته أغلبية كبيرة في البرلمان ومكنته من إدارة البلاد بسهولة ويسر، ولكنه لم يستطع القيام بنقلة نوعية تجنبه التراجع الكبير الذي يميز مرحلته الرئاسية الثانية (2022)، فقد خسر الأغلبية التي كان يتمتع بها، وفشل في إصدار قانون التقاعد عبر البرلمان، واضطرت رئيسة الحكومة السابقة، إليزابيث بورن، إلى استخدام قانون استثنائي وتمرير المشروع دون تصويت، بعد الاستجابة لطلبات اليمين المتطرف الذي رحب بالقانون، رغم أن شعار الرئيس في حملته الانتخابية كان تجنيب البلاد صعود اليمين المتطرف والحفاظ على قيم الجمهورية.
وكذلك قانون الهجرة، الذي أثار استياء الأجانب والمهاجرين، وهم يشكلون العصب الرئيس في العديد من الأعمال والخدمات، وقد يتسبب طردهم بإغلاق الكثير من المطاعم والمقاهي، وإيقاف ورشات العمل وأعمال الصيانة والبناء، التي لا يرغب الفرنسيون بالعمل فيها إلا كوادر قيادة ومراقبة.
ورغم أن ماكرون خفّف من نسبة البطالة إلى النصف، ورفع نسبة أموال الاستثمار الواردة إلى البلاد ثلاثة أضعاف، حسب قناة “DW”، فإن الاقتصاد الفرنسي يعاني من تضخم، ومن تخفيض تصنيفه من قبل المؤسسات البنكية الدولية مثل “مودز” وغيرها. وجاءت نتائج الانتخابات الأخيرة لتخفض نسبة الثقة بالاقتصاد بسبب الاضطراب السياسي الذي تشهده فرنسا.
تراجع الاقتصاد أدى إلى تفاقم مشكلة الدعوات المتطرفة، مثل الترويج لنظرية الاستبدال، التي يقول دعاتها إن المهاجرين والأجانب وخاصة المسلمين يسعون إلى استبدال البنية الأوروبية المسيحية البيضاء، وتضييع هوية فرنسا التاريخية، مع لمسة حنين إلى الماضي الاستعماري، الذي لا يزال بنظر المتطرفين جزءًا من فرنسا، ويعتبرون ما حدث فيها حربًا أهلية أدت إلى طرد الفرنسيين من أراضيهم ومزارعهم، التي استملكوها على حساب الجزائريين خلال 130 سنة من الاستعمار.
من بين غلاة العداء للمهاجرين يبرز أبناء المهاجرين وذوي الأصول الأجنبية، اعتبارًا من الرئيس السابق ساركوزي ذي الأصل الهنغاري، الذي شن حربًا على الضواحي الباريسية التي تسكنها العائلات المهاجرة منذ عدة أجيال، وتسبب باضطرابات شديدة لا تزال تعاني فرنسا من نتائجها إلى اليوم بعد صدور قرارات معادية للأجانب وللفقراء وشمل المسلمين بتهمة التطرف. كما يبرز إريك زيمور كأبرز المعادين للأجانب والمهاجرين وهو من أصول جزائرية.
وزير الداخلية الحالي، جيرالد درمانان، وهو من أصل جزائري- مالطي، يبرز أيضًا كأحد مروجي قانون الهجرة القاسي، وإلغاء حق الأرض الذي يعطي كل من يلد وينشأ على الأرض الفرنسية الجنسية بشكل تلقائي حتى ولو كان من أبوين أجنبيين. وما يلفت أن رئيس حملة اليمين المتطرف المعادية للأجانب جوردان بارديلا من أصل إيطالي من الجيل الثاني، ناهيك بأحد منظري تيار التطرف جان مسيحة، الذي هاجرت عائلته وهو طفل من مصر واستفادت من قانون الهجرة، بينما يهوّل الآن من أخطار اللاجئين وضرورة محاربة الهجرة وبشكل فج تبرز في اختياره للتعابير والاتهامات.
ومثل هذا لاحظناه في تركيا، بالحملة الضارية على السوريين عام 2023، فعدد من قادة حملات معاداة السوريين والدعوة إلى التنكيل بهم، كانوا من أصول غير تركية، في سلوك يشي بالدونية ومحاولة إثبات الانصهار التام مع التيارات القومية المتزمتة، وهذا ما نخشاه في المستقبل من بعض السوريين الذين قد ينصهرون بشكل مبالغ به في البلدان التي كسبوا جنسيتها، وقد يتشبهون بإريك زيمور أو غيره من المعادين للمهاجرين.
مثل الكثير من الأجانب واللاجئين، عبّرت عن خوفي من الأجواء السائدة في فرنسا هذه الأيام لإحدى السيدات فردت بشكل مفاجئ: أنا فرنسية وبيضاء وخائفة جدًا!
ورغم أنها لم تقصد التمييز العنصري بذكر اللون، لأنها تعمل في مجال إنساني لمساعدة اللاجئين، فقد صدمني التعبير، وفاجأني الذعر الذي عبرت عنه من احتمال فوز اليمين المتطرف الذي سيضعف الجوانب اليسارية، وجوانب التنوع الثقافي والتسامح الذي اكتسبته فرنسا بعد تحريرها من الاحتلال النازي، وصارت قيم الحرية والمساواة والأخوة أهدافًا متجددة يتشبث بها كل من قاوم الاحتلال والاستبداد النازي ونظرياته العنصرية، التي روّج لها أدولف هتلر ويعيد ترويج بعضها اليمين المتطرف اليوم.
الانتخابات التشريعية ستكون في 30 من حزيران للجولة الأولى و7 من تموز للجولة الثانية، وستكون الأيام ثقيلة علينا كأجانب في فرنسا، وهي صعبة على الفرنسيين أيضًا، وستكون المظاهرات والاحتجاجات في شوارع فرنسا شديدة التنوع والقوة وخاصة في أيام السبت، إذ يعتبر يوم الاحتجاج الذي تميزت به فرنسا عن بقية الدول الأوروبية. ولا يمر سبت في فرنسا بلا احتجاجات وبلا تهديدات بالإضراب وبلا مطالبات بالحقوق!
أيام عيد الأضحى هذه مليئة بالنقاشات والقلق ونقل الأخبار المتسارعة بيننا نحن اللاجئين الخائفين من التهديدات اليمينية المتطرفة، والتي تهدد استقرار حياة اللاجئين والمهاجرين، وتهدد الحياة السياسية للفرنسيين أيضًا.
ورغم كل ذلك، عيد سعيد، وكل عام وأنتم بخير وسلامة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :