تأثيرات محتملة في الملف السوري
اليمين المتطرف يهيمن على البرلمان الأوروبي.. اللاجئون في خطر
عنب بلدي – يامن مغربي
حققت أحزاب اليمين المتطرف مكاسب واسعة في انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة، التي بدأت في 7 من حزيران الحالي وانتهت في 9 منه، في ظل تصاعد الخطاب الشعبوي بدول الاتحاد، والأزمات التي يواجهها الأخير في ملفات الهجرة والاقتصاد والأمن، الناتجة عن أزمات الشرق الأوسط والحرب الروسية- الأوكرانية.
كنتيجة أولى للانتخابات، أعلى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في 9 من حزيران الحالي، حل “الجمعية الوطنية” وإجراء انتخابات مبكرة نهاية الشهر الحالي، في ظل مخاوف من وصول اليمين الفرنسي المتطرف للسيطرة على البرلمان في البلاد، وهو ما قد يتكرر في دول أخرى داخل الاتحاد الأوروبي أيضًا.
وتحمل نتائج الانتخابات وارتداداتها تأثيرًا مباشرًا على الملف السوري ضمن شقين، سياسي وحقوقي، يرتبط الأول بعلاقة الدول الأوروبية مع النظام السوري، وإمكانية تنفيذ انفتاح أكبر عليه، والثاني باللاجئين السوريين، سواء ممن وصلوا مؤخرًا إلى أوروبا ولم يحصلوا على حق اللجوء بعد، أم للراغبين بالهجرة بالفعل.
أوروبا والنظام.. القرار بيد واشنطن
وصل رئيس النظام السوري إلى مدينة جدة السعودية في أيار 2023، ليشغل مقعد سوريا مجددًا في اجتماعات جامعة الدول العربية، في إعلان مباشر عن تقارب بعض أصحاب القرار العرب مع النظام السوري.
لم تحقق الدول العربية منذ ذلك الحين اختراقات كبيرة في ملف العلاقات مع الأسد، في ظل وجود ممانعة أمريكية معلنة يسير الاتحاد الأوروبي في ركبها حتى اللحظة، وهو ما أكده مسؤول الملف السوري في الخارجية الأمريكية، إيثان غولدريتش، ورئيس قسم الشرق الأوسط في الاتحاد الأوروبي، أليسيو كابيلاني، خلال اجتماعات مع “هيئة التفاوض السورية” في 12 من حزيران الحالي.
لكن الحال قد يتغير مع وصول أحزاب اليمين المتطرف إلى البرلمان الأوروبي، ولاحقًا لبرلمانات محلية في دول الاتحاد، خاصة أن شخصيات من هذه الأحزاب أعلنت في وقت سابق عن استعدادها للتعامل مع الأسد، أو تحدثت عن مواقف مؤيدة لروسيا، والتقائها مع الأسد في ملف الهجرة تحديدًا، وهو ما سينعكس على الملف السوري.
أستاذ الفلسفة السياسية في جامعة “باريس” رامي خليفة، قال لعنب بلدي، إن موجة اليمين المتطرف لا تقتصر على دولة أوروبية دون أخرى، بل تكاد تشمل القارة الأوروبية كلها، ووصل إلى الحكم في إيطاليا والنمسا، ويحقق تقدمًا في ألمانيا وفرنسا، والنتائج الأخيرة هي تجسيد لهذه الظاهرة التي تنمو على مدى العقدين الماضيين.
وأضاف أن الدول الأوروبية ملتزمة بخط الولايات المتحدة بما يخص السياسة الخارجية، وبالتالي إن قررت الإدارة الأمريكية أنه حان الوقت للتطبيع مع النظام فستفعل الدول الأوروبية ذلك، لأن واشنطن هي من تحدد لدول المنطقة وأوروبا نمط العلاقة مع النظام السوري.
ومع التقارب العربي الأخير الذي وإن بدا أنه لم يحقق الكثير من الاختراقات في ظل عدم تقديم النظام ما طُلب منه في “المبادرة العربية”، ظاهريًا على الأقل، قد يمشي اليمين المتطرف الأوروبي في نهج مشابه للعرب، ووفق خليفة، فإن الأمر يرتبط بالتزام النظام بمجموعة من السياسات العامة للغرب، بما في ذلك محاربة تجارة المخدرات والمساهمة بحل أزمة اللاجئين.
وأضاف أن العلاقة بين الأسد وإسرائيل قد تلعب دورًا، مع انخفاض حجم الانتقاد الحاد للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، لكن وحتى اللحظة لا يوجد قرار أمريكي علني بإعادة تعويم النظام السوري على اعتبار أن الأخير ذو فائدة محدودة للغاية، بحسب رأيه.
وفي تحليل نشره مركز “الدراسات الاستراتيجية والدولية” (CSIS)، في 4 من حزيران الحالي، فإن الأحزاب السياسية تستغل القضايا الوطنية والغضب من المسؤولين الحاليين في الحكومات الوطنية، للحصول على الأصوات.
قيود على الهجرة.. ما خيارات اللاجئين
وفي الوقت الذي تبرز فيه التأثيرات السياسية المتعلقة بنتائج انتخابات البرلمان الأوروبي، هناك ما سيؤثر على اللاجئين السوريين في الدول الأوروبية كذلك.
ويعد البرلمان الأوروبي ثاني أكبر ديمقراطية انتخابية في العالم، خلف البرلمان الهندي، وبدأت عملية أول اقتراع في عام 1979.
ويقع المقر الرئيس للبرلمان في مدينة ستراسبورغ الفرنسية (شرقي فرنسا بالقرب من الحدود مع ألمانيا)، وله كذلك مكاتب إدارية في مدينة لوكسمبورغ، وتعقد اجتماعات لجان البرلمان في بروكسل البلجيكية.
عمليًا، فإن البرلمان الأوروبي له حضور كبير في ثلاثة مجالات، الأول يرتبط بهيئة المفوضين التي تقود أولويات السياسة الأوروبية كالدفاع والقانون وتدهور الديمقراطية وسياسة الهجرة.
فيما يرتبط المجالان المتبقيان بالميزانية وسن القوانين وإصلاح المعاهدات ومراجعة المواثيق، وبناء على ارتباطات البرلمان، يمكن فهم تأثير انتخاباته على ملف اللاجئين والهجرة.
ويرى المحامي المعتصم الكيلاني، في حديث لعنب بلدي، أن فوز اليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوروبي سيحمل تأثيرات كبيرة على سياسات اللجوء والهجرة في دول الاتحاد على اعتبار أن أهم برامجه هو التضييق على الهجرة.
وأوضح المحامي المقيم في فرنسا، أن هذه التأثيرات قد تشمل دفع اليمين المتطرف نحو سياسات لجوء وهجرة أكثر صرامة، بما في ذلك تقليل عدد اللاجئين والمهاجرين المقبولين من خلال فرض حصص أقل أو حتى تعليق قبول اللاجئين، بالإضافة إلى تعزيز الإجراءات الأمنية على الحدود لمنع دخول اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، وإعادة التفاوض أو الانسحاب من الاتفاقيات الدولية التي تنظم حقوق اللاجئين، بحسب رأيه.
كما قد تضغط الأحزاب اليمينية المتطرفة لإعادة توطين اللاجئين الموجودين بالفعل بأوروبا في دول خارج الاتحاد الأوروبي.
وقد يسعى اليمين لتقليل التمويل المخصص لبرامج اللاجئين والمساعدات الإنسانية، سواء داخل دول الاتحاد أو في مناطق النزاع.
هذه التحركات كلها ستحمل تأثيراتها على اللاجئين الفارين من مناطق الصراع، بما في ذلك زيادة التوترات بين المجتمعات المحلية واللاجئين والمهاجرين، وارتفاع الحوادث العنصرية والعنف.
وتحتل سوريا النسبة الكبرى بين عدد اللاجئين حول العالم إلى جانب أفغانستان، بـ 6.4مليون شخص لكل منهما، وهو يعادل ثلث إجمالي عدد اللاجئين الكلي (43.4 مليون شخص، بما يشمل 31.6 مليون لاجئ في وضع شبيه باللاجئين، و 5.8مليون شخص بحاجة للحماية الدولية)، وفق أحدث تقرير صدر عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، في 13 من حزيران الحالي.
ويرى الكيلاني أن على اللاجئين زيادة وعيهم بحقوقهم القانونية والاستفادة من الخدمات المجانية، أو منخفضة التكلفة، بهذا الصدد، والمقدمة لهم من قبل منظمات غير حكومية، والاندماج في المجتمع المحلي لتحسين العلاقات وكسب الدعم الشعبي.
في حين يقع الدور الأكبر على عاتق منظمات المجتمع المدني الحقوقية في دول الاتحاد الأوروبي، وفق الكيلاني، التي يجب أن تعمل على تكثيف جهود المناصرة والضغط على الحكومات والبرلمانات الوطنية والأوروبية للحفاظ على حقوق اللاجئين والمهاجرين.
ويمكن أن يشمل ذلك الحملات الإعلامية، والاجتماعات مع المسؤولين، وتنظيم التظاهرات، بالإضافة إلى استخدام الأدوات القانونية والتقاضي أمام المحاكم الوطنية والأوروبية للطعن في القرارات والسياسات التي تنتهك حقوق اللاجئين بعد رصد وتوثيق الانتهاكات، بحسب رأيه.
وتلقت دول الاتحاد الأوروبي أكثر من 1.1 مليون طلب لجوء في عام 2023، وهو الأعلى منذ 7 سنوات، بحسب وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :