يقدم المسلسل المشترك (سوري- لبناني) “نظرة حب” نموذجًا مختلفًا عن الأعمال من هذا النوع، على مستوى صورة البطل، والواقعية في مسار الأحداث، بمعزل عن الحدث نفسه، والعقدة الدرامية التي تشكل جوهر الحكاية.
والقضية أن شابًا سوريًا لاجئًا في لبنان، تمنحه الحياة بالمصادفة دور بطولة في حياة شابة ثرية وابنة مرشح لمجلس النواب (البرلمان)، حين تتعرض لحادث سير فينقذها الشاب، ويدعى بحر، دون تفكير.
الشهامة والاستجابة الإنسانية التي قدمها هذا الشاب الفقير، الذي يعمل في صيانة الدراجات النارية، سرعان ما يجري تفسيرها في غير سياقها، فتستغل العائلة الحدث، وتتهم به خصمًا سياسيًا لضمان كسب مقعد “البرلمان”، لا سيما أن الشابة خرجت من الحادث بذاكرة تتطلب وقتًا للملمة شتاتها، فلم تتذكر تفاصيل الحدث التي سردها يما يخالف الواقع خطيبها الذي كان معها في السيارة قبل أن تنقلب من أعلى جرف بجانب الطريق.
اتهام طرف بالوقوف خلف الحادث يعني الحاجة إلى منفذين، أو على الأقل إلى متهمين بالتنفيذ، لتمرير الرواية، ما يحوّل المنقذ لمتهم وملاحق أمنيًا ومطلوب للعدالة، هرب لإيمان خفي بأن معركة من هذا النوع، يتشاركها طرف بغاية القوة وآخر بمنتهى الهشاشة، هي معركة خاسرة، وهذا يستدعي البحث عن البراءة من خارج السجن، لا من الداخل.
يتأرجح العمل بين البعيد والممكن، والمستبعد والواقعي نسبيًا، دون غياب رسائل يمررها العمل في مشهد هنا وآخر هناك، فحالة الصراع الطبقي واشتعال الغرام بين فقيرة وثرية عنصر مقبول وجذّاب للمشاهد، بصرف النظر عن إمكانية تحققه في الحياة، لا سيما بين بلدين يحمّل أحدهما شعب البلد الآخر مسؤولية التدهور الاقتصادي، ويرى في وجود لاجئيه تهديدًا لتركيبته الديموغرافية، وما يترافق مع خطاب كراهية بحق البسطاء أمثال بحر، الذي يعمل في صيانة الدراجات.
ورغم هذه الجزئية، واختلاق قصة حب أقرب للخيال منها إلى الواقع، فالصورة التي ظهر البطل بها قد تكون أقرب عناصر العمل من الواقع، فلا مواصفات خارقة، ولا قدرات فولاذية، ولا سعة في الحيلة أو فطنة للنجاة، لتلخص العملية بالخوف والهروب واستدعاء التماسك، والعناد المستمد من فكرة أنه بغياب الذنب فالخوف لا يعني الانكسار.
لا يسوق العمل لنهاية ترضي ضمير المشاهد ونظرته الحالمة، وتغيب فكرة “التطهير” جزئيًا عن العمل، كما تغيب عن الحياة أحيانًا، فليس ضروريًا أن يعاقب المجرم أو الظالم، ولا أن يثاب المحسن والمظلوم، وأوروبا تتسع للجميع، فتحمل قوارب اللجوء “غير الشرعية” عبر البحر السوريين واللبنانيين، على حد سواء، طالما أن الحياة في كلا البلدين ضرب من الحرمان والضيق.
ومما جاء في العمل بعيدًا عن الواقع أيضًا، محاولة السلطات اللبنانية إسكات الأصوات التي تتحدث بتفرقة عن ضحية لبنانية وجانٍ أو متهم سوري، وتحذيرها من المساس بهذا الملف أو تقديم رسائل من هذا النوع، خلافًا للواقع الذي يقدّم به الساسة اللبنانيون خطابًا تحريضيًا ضد اللاجئين، تقابله في وقت ما استجابة شعبية، تضع لاجئًا ما في منطقة أو حي أو بلدة، في مواجهة مع حادثة كراهية، أو اعتداء متعدد الأشكال.
العمل مكوّن من 30 حلقة، وعرض في رمضان 2024، من تأليف رافي وهبي، وإخراج حسام علي، وبطولة كل من باسل خياط وكارمن بصيبص ورندة كعدي وبيار داغر وجبريال يمين وجوي الهاني وجفرا يونس.