جنى العيسى | حسن إبراهيم
في إعلان صار شبه سنوي، تتهافت التحذيرات الأممية والمحلية من وقوع القطاع الصحي في شمال غربي سوريا في كارثة تؤثر على ملايين محتاجي الخدمات والرعاية الصحية هناك.
ورغم تدني الخدمات الطبية في عموم الجغرافيا السورية، فإن وضع القطاع في شمال غربي سوريا يعد الأصعب، من ناحية ارتباطه بشكل كامل بالدعم الخارجي الذي بدأ يتناقص بشكل ملحوظ منذ سنوات، وسط غياب أولوية هذا القطاع بالنسبة لسلطات الأمر الواقع.
وخلال السنوات الأخيرة، أغلقت العديد من المنشآت الطبية في المنطقة بسبب توقف الدعم عنها، ما أثر على تلقي المقيمين في شمال غربي سوريا لخدماتهم الطبية من جهة، وشكل ضغطًا إضافيًا على المنشآت التي لا تزال تقدم خدماتها بالحد الأدنى لأكثر من خمسة ملايين شخص.
خمسة ملايين شخص متأثرون
160 منشأة على وشك الإغلاق
منتصف أيار الماضي، أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) أن ما يقارب 160 منشأة صحية، بما في ذلك 46 مستشفى، ستضطر إلى تعليق عملياتها بحلول نهاية حزيران الحالي، إذا لم تتم زيادة التمويل.
ومن المتوقع أن تلد أكثر من 130 ألف امرأة وفتاة في سن الإنجاب عام 2024، لكن دون الرعاية المناسبة، وقد يؤدي ذلك إلى وفيات الأمهات التي يمكن الوقاية منها، وفق “OCHA”.
وبسبب تراجع حجم الدعم، قلصت الأمم المتحدة أنشطة التغذية بما في ذلك برامج التغذية العلاجية للأطفال وعدد فرق الاستجابة السريعة للتغذية، ويعاني 20 ألف طفل حاليًا من سوء التغذية الحاد الشديد.
ودون الدعم الكافي، يمكن أن يتطور 75 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد المعتدل إلى سوء التغذية الحاد الشديد.
نائب منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية للأزمة السورية، ديفيد كاردن، قال في حوار خاص بموقع المنظمة، أجراه مطلع حزيران الحالي، إن خطة الاستجابة الإنسانية لسوريا لعام 2024، التي تهدف إلى جمع أكثر من أربعة مليارات دولار، تلقت حتى الآن أقل من 10% مما هو مطلوب.
وأكد كادرن أن نقص تمويل خطة الاستجابة الإنسانية له عواقب حقيقية على حياة الأشخاص الأكثر ضعفًا في سوريا، بما في ذلك شمال غربي سوريا، مشيرًا إلى أنه إذا لم يتم تلقي التمويل، فسوف تغلق 160 منشأة صحية بحلول نهاية حزيران الحالي.
يسكن شمال غربي سوريا 5.1 مليون شخص، منهم 4.2 مليون بحاجة إلى مساعدة، و3.4 مليون منهم يعانون انعدام الأمن الغذائي، 3.4 مليون منهم نازحون داخليًا، ومليونان يعيشون في المخيمات، وفق الأمم المتحدة، في حين تتحدث إحصائيات محلية عن 5.5 إلى 6 ملايين شخص.
ومطلع العام الحالي، نشرت منظمة الصحة العالمية نداء طارئًا حول الوضع الصحي في سوريا لعام 2024، إذ وصل عدد المحتاجين للخدمات الصحية إلى 15.3 مليون إنسان، بينما وصل عدد المستهدفين إلى 13 مليون إنسان.
وبحسب التقرير، فإن متطلبات التمويل للعمليات في سوريا بالكامل بلغت 79 مليونًا و829 ألف دولار أمريكي، أما متطلبات التمويل على وجه الخصوص لعمليات الطوارئ لمنظمة الصحة العالمية في سوريا فبلغت 53 مليونًا و428 ألف دولار.
التخوف من إغلاق المنشآت الطبية في شمال غربي سوريا ليس جديدًا، فهو أمر يتكرر كل عام منذ سنوات، إلا أن المختلف هذه المرة حجم المنشآت التي قد تتضرر والتي تصل إلى 160 منشأة.
حلول مؤقتة وخطط إسعافية
خلال السنوات الماضية، توقف الدعم عن بعض المستشفيات، ما حولها إلى مراكز مؤقتة للحالات الإسعافية أو حالات الطوارئ عند الضرورة فقط.
ومع التلويح بتوقف الدعم عن مستشفيات أخرى، يضاف عبء جديد ويثقل كاهل المستشفيات والمراكز الطبية في المنطقة عمومًا، والتي تعاني أصلًا من نقص في الدعم والمستلزمات والتجهيزات الطبية، ويرهقها باستقبال المزيد من الحالات المرضية فوق طاقتها.
مستشفيات توقف دعمها.. أخرى مهددة
مدير مديرية المستشفيات في حكومة “الإنقاذ” بإدلب، الدكتور ملهم غازي، قال لعنب بلدي، إن عدد المستشفيات العامة في مناطق سيطرة “الإنقاذ” يبلغ 60 مستشفى، منها تسعة مستشفيات توقف دعمها كليًا حتى هذه اللحظة، ولا تتوفر معلومات حول إمكانية تجديد الدعم مستقبلًا، بينما يبلغ عدد المستشفيات الخاصة 28 منها خمسة قيد التجهيز.
وأضاف أن هناك عددًا من المستشفيات المهددة بوقف الدعم بشكل كامل خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، وهي ما بين 10 إلى 12 مستشفى.
وذكر غازي أن حجم الخدمات التي يقدمها القطاع الصحي في إدلب وريف حلب الغربي يفوق 90% مقارنة بالاحتياجات وهي نسبة جيدة، لافتًا إلى وجود بعض الخدمات القليلة غير المتوفرة بشكل كامل، كبعض الجراحات النوعية كجراحة الدماغ وجراحة القلب المفتوح، وبعض الخدمات الأخرى، منها بعض جرعات السرطان والعلاج الإشعاعي.
وقال الدكتور ملهم غازي، إن هناك خطة متكاملة لوزارة الصحة في حال تأثر القطاع الصحي بشكل كبير بتوقف الدعم، وتتمثل في تحديد المناطق الأكثر حاجة للخدمات الطبية، وتفعيل مستشفيات تقدم الخدمة للناس بشكل خيري أو مقابل أجر رمزي.
من جانبه، قال مدير مديرية الرعاية الأولية في وزارة الصحة، الدكتور جمعة اليسوف، إن عدد المراكز الصحية في مدينة إدلب وريف حلب الغربي نحو 137 مركزًا، تقدم أغلبها خدمات طبية بأقسام الداخلية، والأطفال، والنسائية، والمخبرية، والتغذية، إضافة إلى صيدلية.
وأوضح اليسوف، لعنب بلدي، أن عدد المراكز التي سيتوقف الدعم عنها في بداية تموز المقبل بحدود 22 مركزًا، وعدد المراكز التي سيتوقف الدعم عنها ببداية تشرين الأول المقبل بحدود 16 مركزًا.
وذكر أن المركز الصحي الواحد يخدم ما يقارب من 15000 إلى 20000 نسمة، لافتًا إلى أن الرقم الموصى به من قبل منظمة الصحة العالمية ما يقارب من 10000 نسمة إلى 25000 نسمة.
بدورها، قالت “مديرية صحة إدلب”، وهي مؤسسة مستقلة عن حكومة “الإنقاذ”، إن المنح الدولية الممولة للقطاع الصحي في المنطقة تقلصت بنسب تراوحت بين 30 و60%، ويبلغ عدد المراكز الصحية التي توقف وسيتوقف عنها الدعم حتى نهاية حزيران الحالي في محافظة إدلب 22 مركزًا، وسيرتفع هذا الرقم في نهاية العام إلى 95 مركزًا، في ظل عدم وجود أي بوادر أو مؤشرات لمنح جديدة تدعم تشغيل تلك المراكز.
مستشفى “الرحمة” بنظام الطوارئ
منذ نهاية نيسان الماضي، تهدد أزمة صحية حياة السكان في مناطق دركوش وحارم وسلقين وجسر الشغور غربي إدلب، بعد أن أغلق مستشفى “الرحمة” في دركوش أبوابه في وجه مئات المرضى بسبب توقف الدعم وتحوله للعمل بنظام الطوارئ واستقبال الحالات الإسعافية فقط.
ويعتبر مستشفى “الرحمة” الوحيد في المناطق الغربية من المحافظة، ويقدم الرعاية الطبية لعدة مدن رئيسة منها سلقين وحارم ودركوش وجسر الشغور، وأكثر من 30 قرية ومئات مخيمات النازحين التي يقطن فيها أكثر من مليون نسمة، كما يعد ثاني أكبر مستشفى في محافظة إدلب وريف حلب الغربي، بعد مستشفى “إدلب” الجامعي.
واتخذت إدارة المستشفى عدة إجراءات لضمان إمكانية استقبال الحالات الإسعافية لفترة مؤقتة بعد انقطاع الدعم بالاعتماد على المخزون الاحتياطي القليل، والذي يمكن أن ينفذ في أي لحظة، ما يعني توقف المستشفى بشكل كامل عن العمل.
المسؤول الإعلامي في مستشفى “الرحمة”، بهاء السويد، قال لعنب بلدي، إن المستشفى مدعوم من قبل الرابطة الطبية للمغتربين السوريين (سيما)، التي قطعت الدعم بشكل كامل ودون سابق إنذار في سابقة لم تحدث من قبل ولو بشكل جزئي، ما أجبر إدارة المستشفى على العمل بنظام الطوارئ.
وأضاف السويد أن كوادر المستشفى تعمل بشكل تطوعي دون أجور، والمخزونات الاحتياطية من المستهلكات الطبية للحالات الإسعافية والعمليات الجراحية قليلة جدًا، ويمكن أن تنفد بأي لحظة ما يهدد بتوقف المستشفى عن تقديم الرعاية الطبية حتى الأولية للحالات الخطرة.
وذكر السويد أن المستشفى يقدم الرعاية الصحية شهريًا لـ30 ألف مستفيد، وأن قسم العناية للبالغين يستقبل 195 حالة و105 حالات عناية مشددة للأطفال شهريًا، ويستقبل قسم الحواضن 100 طفل شهريًا، بينما يستقبل قسم الأجنحة من 300 إلى 400 مريض شهريًا.
وتقدم العيادات التخصصية في مستشفى “الرحمة” خدمات طبية لأكثر من 8500 مريض شهريًا، ويجري قسم التحاليل أكثر من 25 ألف تحليل مخبري، ويقدم قسم الأشعة الخدمات لأكثر من 3000 مريض، ويستقبل قسم الإسعاف 7000 مريض، ويجري المستشفى أكثر من 750 عملية جراحية كبرى، وفق المسؤول الإعلامي.
وبعد توقف الدعم، باتت العيادات التخصصية تستقبل 30 مريضًا يوميًا مقارنة بأكثر من 70 مريضًا يوميًا سابقًا، ولا يجري المستشفى أي عمليات جراحية إلا للحالات الإسعافية حاليًا.
وأوضح السويد أن جميع الحلول التي اتخذتها الإدارة هي مجرد حلول إسعافية مؤقتة لفترة قصيرة جدًا، معتبرًا أن الحل يكمن في عودة الدعم من قبل منظمة الصحة العالمية أو المنظمات الإنسانية الأخرى.
توقف يهدد حياة المرضى
يشكل توقف الدعم عن مستشفى “الرحمة” بدركوش أزمة جديدة للمواطنين الذين ليس بمقدورهم تحمل عبء العلاج في المستشفيات الخاصة أو الانتقال لتلقي العلاج في المناطق البعيدة.
التقت عنب بلدي مع بعض الأهالي في المنطقة ومن بينهم مرضى، ووصفوا تحول المستشفى إلى العمل بالحالات الإسعافية بـ”الكارثي”، من بينهم سعيد المحمد (40 عامًا) وهو مهجر يقيم في منطقة دركوش، فابنته الصغيرة ذات الأربعة أعوام تعاني من أمراض عصبية تسبب لها اختلاجات حادة، لذلك يضطر لزيارة مستشفى “الرحمة” مرتين أو ثلاث مرات أسبوعيًا.
ويشعر سعيد بالخطر على حياة طفلته، فهي مصابة بمرض عصبي إثر ارتفاع درجة حرارتها، ما سبب لها أمراضًا في الدماغ، وتحتاج إلى علاج على المدى الطويل، ورعاية طبية بشكل دائم، قائلًا لعنب بلدي، إنه لا يملك تكاليف العلاج في المراكز الخاصة أو تكلفة الانتقال إلى المستشفيات العامة في إدلب، والتي تبعد حوالي 40 كيلومترًا عن مكان إقامته.
خارطة عمل “مؤقتة”
أفرزت سلسلة لقاءات أجرتها “مديرية صحة إدلب” مع المنشآت الصحية ومديري مراكز الرعاية الصحية الأولية، مقترحات تساعد في التخفيف من الآثار “الكارثية المترتبة” على تقليص الدعم، وخرج المجتمعون بعدة مقترحات تشكل خارطة عمل خلال الفترة المقبلة أبرزها:
- دمج خدمات المراكز الصحية القريبة من بعضها.
- جدولة الخدمات الطبية في المركز بحسب الأولوية، بحيث يتم توجيه الدعم المتوفر لتغطية الخدمات بحسب الأولوية.
- إعادة جدولة الرواتب.
- تفعيل دور المجتمع المحلي في دعم مراكز الرعاية الصحية الأولية من خلال التبرعات.
- توحيد البروتوكولات العلاجية في كل المراكز والتشدد في تطبيقها للتقليل من هدر الأدوية.
- تطبيق عطلة اليومين في الأسبوع للتقليل من الكلف التشغيلية واستهلاك المواد.
- طرح إمكانية تطبيق خدمات العلاج عن بعد، وذلك في العيادات التي لا تتطلب فحصًا سريريًا لتقليل تكاليف الرعاية الأولية.
- وضع أولوية لصرف الأدوية، بحيث يقتصر ذلك على أدوية الأمراض المزمنة.
- الاستعانة بالخريجين الجدد للخدمة في المراكز، لتغطية الفجوة في حال توقف الدعم.
- أتمتة العمل في المراكز لتقليل استهلاك الورق والطابعات وغيرها.
- إمكانية فرض رسوم رمزية على الخدمات غير الإسعافية.
رئيس شعبة البحث والتطوير في “مديرية صحة إدلب”، محمد غزال، قال لعنب بلدي، إن توقف الدعم عن بعض المستشفيات شكّل ضغطًا على المستشفيات والمراكز الأخرى، وبعضها بات يعمل بشكل تطوعي لعدم حرمان المرضى من الخدمات الطبية.
وذكر لعنب بلدي أن المديرية تجري حاليًا اجتماعات مع منظمات ومديري المستشفيات والمراكز الصحية، وسيبدأ العمل بالمخرجات المطروحة في أقرب وقت، لافتًا إلى أن المقترحات تحتاج إلى تقاطع بين الجهات المذكورة، وهي قابلة للتطوير.
وأضاف غزال أن خارطة العمل المطروحة تعد حلًا جزئيًا لأزمة تخفيض الدعم، ومن المتوقع الاستمرار بها لحين حل المشكلة سواء بعودة الدعم أو إيجاد مانحين جدد.
محاولات تسكّن الألم
بين فترة وأخرى تقدم منظمات وجمعيات مشاريع ومبادرات لعلاج المرضى بعمليات “نوعية” مجانًا، من بينها إعلان الجمعية الطبية السورية- الأمريكية (سامز) البدء بمشروع تقديم الدعم الكامل لإجراء 48 عملية لجراحة القلب المفتوح مجانًا، مطلع أيار الماضي.
ويعاني مرضى القلب في إدلب من عدم وجود مراكز مجانية لإجراء عمليات الجراحة، وارتفاع تكاليف إجراء مثل هذه العمليات التي تصل إلى 5000 دولار أمريكي، عدا عن تكاليف العلاج التأهيلي بعد العملية، وتتحمل “سامز” تكلفة هذه العمليات مع الإشراف على تنفيذها.
إلى جانب الجهود المحلية، يدخل بعض المرضى إلى تركيا لإجراء عمليات نوعية، مثل مرضى السرطان، لكن ذلك ليس سهلًا، وتعثر دخولهم بعد زلزال شباط 2023، حين أوقفت السلطات التركية استقبال السوريين للعلاج، ثم سمحت بدخولهم على دفعات في حزيران من العام نفسه.
وفي 4 من أيار الماضي، أنهت منظمة “الأمين” المرحلة الأولى من برنامج التأهيل السمعي وزراعة الحلزون في مدينة الريحانية جنوبي تركيا، الذي كان بدعم وتمويل من مركز “الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية”.
وأجرى الفريق الطبي 30 عملية زراعة حلزون لأطفال من الشمال السوري، إضافة إلى تركيب 200 سماعة، وإجراء 10 عمليات جراحية باختصاصات الأنف والأذن والحنجرة.
خبير: تسعة حلول
نحو مستقبل مستقر للقطاع
يفرض الواقع الطبي في شمال غربي سوريا وما تتبعه المنظمات المحلية أو الدولية من حلول مؤقتة التساؤلات حول مستقبل القطاع في ظل اعتماده بشكل كامل على الدعم الذي لا يعد مستقرًا على الإطلاق.
خلال السنوات الماضية أثبت القطاع الصحي في شمال غربي سوريا مرونته وقدرته على التكيف، وبالتالي من المرجح أن يتبنى هذا القطاع استراتيجيات بديلة تركز على بناء القدرات المحلية وتقليل الاعتماد على الدعم الخارجي، وفق ما قال الطبيب الباحث في مشروع أبحاث من أجل تقوية النظام الصحي في شمالي سوريا، ومدير صحة إدلب السابق، منذر الخليل.
وأضاف الخليل، في حديث إلى عنب بلدي، أنه مع انخفاض تمويل القطاع من المتوقع أن نشهد نموًا في القطاع الخاص والخيري، مشيرًا إلى أن قدرة الفاعلين الصحيين المحليين على تبني عدد من الحلول يمكن أن تضمن انتقالًا سلسًا للمراحل المقبلة دون أن نشهد انهيارات مهمة في قطاع الصحة في المنطقة.
واقترح الخليل عدة حلول طويلة الأمد من شأنها ضمان عدم حدوث انهيار في القطاع تتمثل بتسعة حلول ترتبط ببعضها وهي:
- بناء نظام صحي مستدام: يجب التركيز على بناء نظام صحي قادر على التعامل مع التحديات المستمرة، يتضمن ذلك تدريب الكوادر الطبية المحلية، وتحسين البنية التحتية الصحية، وتوفير الأدوية والمعدات الطبية، وتأمين التكاليف التشغيلية بشكل مستمر.
- تعزيز شرعية النظام الصحي: شرعية النظام الصحي تستمد بشكل رئيس من رؤية المجتمع للطريقة التي يتم بها إدارة هذا القطاع والقيم التي يتبناها وقدرته على تقديم الخدمات الصحية بجودة عالية وبشكل مستمر، وتعزز الملكية المجتمعية وبالتالي الالتزام الطوعي بالتعليمات الصادرة عن الجهات الصحية، وأيضًا تؤمن الحماية للمنشآت الصحية والكوادر الطبية، كما أنها تزيد من فرصة السلطات الصحية العامة في المنطقة لتكون شريكة للمجتمع الدولي في مرحلة التعافي المبكر وإعادة الإعمار.
- تعزيز الشراكات الدولية: إقامة شراكات مع المنظمات الدولية والحكومات لتأمين تمويل مستدام ودعم تقني طويل الأمد، من المهم في هذه المرحلة البحث عن شركاء التنمية المحتملين.
- تطوير سياسات صحية منصفة: وضع سياسات صحية تستند إلى بيانات دقيقة وموثوقة، تضمن توزيعًا عادلًا للموارد والخدمات الصحية وتأخذ بعين الاعتبار التغييرات الكبيرة في التركيبة السكانية في المنطقة، كما يجب ضمان الإنصاف في تقديم الخدمات للفئات المستضعفة بمن في ذلك الأشخاص ذوو الإعاقة.
- إشراك المجتمعات المحلية: إشراك المجتمعات المحلية في تطوير وتنفيذ الحلول الصحية لضمان تلبيتها لاحتياجاتهم الحقيقية والاستخدام الأمثل للموارد وتعزيز ملكيتهم وتبنيهم لهذه الحلول.
- تحييد النظام الصحي عن الصراعات السياسية والعسكرية المحلية: يجب الحفاظ على حيادية وتقنية القطاع الصحي وعدم التدخل به أو التسلّق عليه لتحقيق مكاسب ضيقة لمصلحة المشاريع الفصائلية أو الحزبية.
- تطوير سياسات مالية مستدامة: مع الانخفاض المستمر للتمويل لا يمكن الاستمرار بتقديم خدمات مجانية بشكل كامل، لذلك يجب البدء بتحويل بعض الخدمات ضمن المنشآت الصحية إلى خدمات مأجورة.
- تعزيز القطاع الخاص والخيري: يجب تعزيز القطاع الخاص والخيري لتغطية الخدمات المتقدمة التي لا يمكن تقديمها بشكل مجاني في المنشآت المدعومة من المنظمات وأيضًا من أجل تخفيف الضغط على المنشآت العامة.
- الحفاظ على تدفق المساعدات الدولية عبر الحدود: في ظل عدم وجود أفق سياسي للحل في سوريا لا يمكن الاستغناء عن تدفق المساعدات الصحية عبر الحدود.
ويرى الطبيب منذر الخليل أن مسؤولية الالتزام بهذه الحلول المستدامة، تقع على عاتق مجموعة من الجهات بما في ذلك الحكومات المحلية ومديريات الصحة، والمنظمات غير الحكومية السورية، والمجتمعات المحلية، والمنظمات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية، والدول المانحة، مؤكدًا أن التعاون المشترك بين هذه الجهات هو المفتاح لتحقيق حلول مستدامة.
مدير مكتب تركيا وشمالي سوريا لدى “الجمعية الطبية السورية- الأمريكية” (سامز)، مازن كوارة، يرى أن تراجع تمويل القطاع الصحي أصبح أمرًا واقعًا ومستمرًا، ويرتبط بتراجع الاهتمام بالدعم الإنساني الإغاثي في مختلف القطاعات بالنسبة للقضية السورية.
وأوضح كوارة، في حديث إلى عنب بلدي، أن هذه الحالة بدأت منذ عام 2019 تقريبًا، إلا أن القطاع الصحي يحصل على حقنة مقوية في فترات متقطعة منذ ذلك الوقت ترتبط بحدوث الكوارث مثل انتشار فيروس “كورونا” أو الزلزال الذي ضرب المنطقة في 6 من شباط 2023.
وحول الحلول طويلة المدى لتجنب حدوث كارثة في القطاع الصحي، اقترح الطبيب مازن كوارة عدة حلول من شأنها تجنب ذلك، أبرزها التفكير بمشاريع صحية استراتيجية في شمال غربي سوريا.
تتمثل هذه المشاريع بمنشآت طبية كبيرة توفر الموارد المختلفة وتخفف من المنافسة، إذ يوفر جمع الموارد كلها في منشأة طبية كبيرة واحدة بدلًا من أربعة مستشفيات صغيرة متفرقة الكثير من التكاليف الإدارية، ويوفر موارد العاملين الصحيين وما إلى ذلك.
ومن بين الحلول التي اقترحها الطبيب مازن كوارة، دعم الشراكة بين المنظمات العاملة في القطاع الصحي والقطاع الخاص الناشئ في المنطقة، مثل المشاريع التي سعت لها “سامز” مؤخرًا، إذ يجب دعم القطاع الخاص في هذا السياق ليأخذ دوره في الاستجابة الصحية.
وفي ظل هذه المعطيات، اعتبر مازن كوارة أن تعافي القطاع الصحي يجب أن يتم جنبًا إلى جنب مع تعافي بقية القطاعات أبرزها الاقتصادية، وذلك عبر تحسين زيادة موارد الناس ليتحملوا أعباء وتكاليف مشكلاتهم الصحية، أو زيادة موارد المؤسسات والمنظمات والقطاع العام التي قد تخفف من العبء أيضًا.