“طيور الظلام”.. لعبة تعيد الأنظمة العربية إنتاجها

لقطة من الفيلم المصري "طيور الظلام"
tag icon ع ع ع

“بلاش نضحك على بعض يا علي، ما فيش صداقة أبدًا مع خصومة! اتنين ديابة لا يمكن يعيشوا مع بعض في قفص واحد، يقطعوا بعض”.

ينتهي المشهد الذي تضمنته العبارة السابقة في فيلم “طيور الظلام”، للمخرج المصري شريف عرفة، والكاتب وحيد حامد، بذهاب كل من فتحي وعلي باتجاه معاكس، دون النظر إلى بعضهما البعض، في ذروة أحداث الفيلم المنتج في عام 1995، والذي يمثل صراع الحزب الحاكم في مصر مع جماعة “الإخوان المسلمين” خلال تسعينيات القرن الـ20.

ثلاثة أصدقاء (فتحي نوفل- عادل إمام وعلي الزناتي- رياض الخولي ومحسن- أحمد راتب) جمعتهم دراسة المحاماة، ويمثلون ثلاثة تيارات سياسية مختلفة.

الأول، فتحي، براغماتي مرن، يسعى للاقتراب من السلطة ويعرف احتياجات الأخيرة ونقاط ضعفها وقوتها ويوظف معرفته للوصول وضمان مكان في دوائر الحكم.

أما علي، فهو صاحب خلفية متدينة محافظة، واختار اتجاه التيارات السياسية الإسلامية في البلاد، بالتزامن مع السماح للسلطات المصرية لها بهامش من المناورة في الحياة العامة.

أما الثالث، محسن، فهو الاشتراكي المخلص لمبادئه، والذي آثر الابتعاد والعزلة بمقابل الحفاظ على شرف المبادئ والأفكار.

فتحي، محامٍ فقير وذكي، ينجح بعد استغلال بعض الفرص المتاحة ببناء علاقة شخصية مع بعض المسؤولين الكبار في مصر، وبمساعدة علي ينجح بالوصول ليكون نائبًا لأحد الوزراء في وزارة “سيادية”، ومن خلال قراءة خط سير الأحداث والحوارات يمكن فهم أنها وزارة الداخلية.

ورغم الاختلاف السياسي بين الصديقين، فتحي وعلي، فهما متشابهان، تفرقهما السياسة وتجمعهما الرغبة الشديدة والجامحة بالسلطة والقوة والنفوذ، وهو ما سيؤدي إلى فرقتهما في النهاية.

في مشهد بديع، بالربع الأول من الفيلم، وخلال نقاش بينهما حول إمكانية انضمام فتحي لجماعة “الإخوان المسلمين” ومع احتداد النقاش، يطلب فتحي من صديقه الإمساك بالعود والغناء “يواش يواش يا مرجيحة”، في إشارة مباشرة للبساطة والعفوية والصداقة، كل ذلك سيذوب في قسوة السياسة ولا أخلاقياتها، والرغبات المختلفة والمتضادة، وما سيجرفه تيار الحكم والمال والسلطة.

لو أن شخصًا ما شاهد الفيلم اليوم، سوريًا كان أو مصريًا أو أردنيًا، أو حتى من منطقة شمال إفريقيا (يستثنى من ذلك دول الخليج لخصوصيتها السياسية وطريقة الحكم فيها، القائمة بمعظمها على ملكيات متوارثة)، أو قبل أيام من ثورة “25 يناير 2011” التي أطاحت بحكم الرئيس الأسبق، محمد حسني مبارك، سيدرك اللعبة السياسية في بلاده.

تخضع هذه اللعبة لمجموعة من المعطيات، المال والسلطة والعلاقات العامة والحدود الممنوحة لكل شخص في كل دائرة، وهو ما يطبق اليوم في سوريا أيضًا، ضمن مختلف مناطق السيطرة، سواء في مناطق سيطرة النظام السوري، حيث يلاحظ تكوين دوائر سياسية واقتصادية جديدة، أو في مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” شمال غربي سوريا، أو مناطق “الجيش الوطني” في ريف حلب، أو في مناطق شمال شرقي سوريا، حيث تسيطر “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).

عمر الفيلم 29 عامًا، إلا أنه قادر على شرح التركيبة السياسية لمعظم الدول العربية، وإعادة مشاهدته اليوم تعطي قدرة على قراءة المستقبل في منطقة الماضي “لا يمضي فيها”، بل يتخذ أوجهًا وأشكالًا أخرى، وإن تبدلت الوجوه وشكل الحكم والقوة المسيطرة.

من جهة أخرى، يشرح الفيلم كذلك طريقة تفكير الطرفين، الجماعات والتيارات الدينية، والسلطة القائمة، بجملة واحدة بسيطة على لسان فتحي، “أنتم جماعة مش عارفة تبقى حزب، واحنا حزب مش عارف يبقى جماعة”.

يدين الكاتب وحيد حامد في “طيور الظلام” التيارات الإسلامية، لكنه لا يتوانى عن نقد السلطة بقسوة أيضًا، وهي التي فتحت المجال لأمثال فتحي لدخول دوائرها وممارسة الفساد أيضًا.

في النهاية، لم يكن صعبًا وعبر قرار صغير أن يتخلص نظام الحكم من فتحي وعلي، فالسلطة نفسها التي تسمح لك بممارسة ما تشاء من فساد وتمهد الطريق للصعود وتقدم دعمها، لديها أيضًا الملفات القادرة على إنهاء مسيرة أي شخص، حتى لو قرر كلاهما (فتحي وعلي) الاستمرار باللعبة، التي لن يدفع ثمنها عمليًا سوى الأشخاص أمثال محسن، المخلص لمبادئه حتى الانعزال والانسحاب.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة