أطفال مدخنون لا تردعهم نصائح الوالدين

  • 2024/06/09
  • 2:57 م
أم توّبّخ ابنتها بعدما اكتشفت أنها تدخن (تعبيرية \ adobe stock)

أم توّبّخ ابنتها بعدما اكتشفت أنها تدخن (تعبيرية adobe stock)

عنب بلدي – هاني كرزي

“كنت أراقب أبي وهو يدخن، وكانت رائحة السجائر تجذبني”، قال أنس (15 عامًا) الذي يقيم في مدينة إدلب، وفي إحدى المرات ترك الأب سيجارته مشتعلة على الطاولة وذهب للرد على الهاتف، فقرر أنس خوض تجربة التدخين، بدأ بالسعال في البداية، لكن التجربة “أعجبته”.

قرر أنس لاحقًا، وهو اليوم طالب في الصف التاسع الإعدادي، شراء علبة سجائر، معتقدًا أن إشعال سيجارة بمنزلة وضع أول قدم على طريق النضج والرجولة.

“كنت في البداية أشعلها وحدي في الطريق، خشية أن يراني زملائي ويبلغوا الإدارة عني”، أضاف أنس لعنب بلدي، “ولكني مع الوقت نزعت عني ذلك الخوف، بعدما صرت أتشارك مع مجموعة من أصدقائي المدخنين، الذين خصصوا لأنفسهم أماكن مأمونة بعيدة عن رقابة المعلمين خارج المدرسة”.

لا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد المدخنين في سوريا بالسنوات الأخيرة، لكنها صنفت في المرتبة العاشرة على مستوى العالم بمعدل استهلاك السجائر الذي يصل إلى 2291.7 سيجارة سنويًا للفرد المدخن فوق 14 عامًا، بينما يصل المعدل إلى 1083 سيجارة للفرد المدخن، بحسب أرقام عام 2016 الصادرة عن مبادرة “Tobacco Atlas” التابعة لجامعة “جونز هوبنكنز” الأمريكية.

كيف يتعلم الطفل التدخين

“لا تبتلِ مثلما ابتليت”، من أولى العبارات التي يقولها الأبوان المدخنان أو أحدهما لاقناع الابن بعدم التدخين وأضراره، إلا أن تلك العبارة المتكررة قد لا تكون كفيلة بإقناع الأبناء، ما يتسبب بصدام بين الأهل وأبنائهم.

ويعتبر الأبوان قدوة لأبنائهما، وبالتالي أي تصرف أو عادة يقومان بها، تجعل الأولاد يلجؤون لتقليدهما، وهذا ما قد يجعل الابن يندفع نحو التدخين حين يشاهد والده أو والدته تدخن.

كما تشجع الكثير من المخالفات التجارية الصغار على التدخين، فهناك علب حلويات تشبه علب الدخان، وأخرى تشبه شكل السجائر، وهذا يحبب ذلك لدى الأطفال والمراهقين ويشجعهم على التدخين.

وترى المستشارة الأسرية إيمان الكناص، في حديث لعنب بلدي، أن من أحد الأسباب التي تدفع الفتاة أو الشاب للتدخين، أنه قد يكون في حالة فراغ أو يعاني من التوتر، وكي يتخلص من الفراغ أو لينسى الموضوع الذي يشغل باله يلجأ للتدخين.

كما أن رفاق السوء لهم دور كبير في التشجيع على التدخين، فمن الممكن أن يقول له صديقه “خدلك سحبة” ويحدثه عن لذة التدخين، لكن للأسف تتطور الأمور لاحقًا وتصل لمرحلة الإدمان، وربما الانتقال لاحقًا لتدخين الحشيش أو تعاطي المخدرات.

آباء استسلموا

هديل سفراني (43 سنة) مدمنة على التدخين مع زوجها، لكنها كانت تخشى أن يتعلم ابنها فارس التدخين، وفي إحدى المرات شكّت بأن فارس البالغ من العمر 13 سنة يدخن، من خلال رائحة الدخان العالقة على ثيابه، لكنها لم تخبره بذلك، وأرادت أن تمسكه بـ”الجرم المشهود”، وظلت تراقبه حتى كشفته يدخن السجائر في الحمام.

قالت هديل، وهي من سكان مدينة إدلب وتعمل ربة منزل، “صرخت على ابني لماذا تدخن؟ فرد علي: انتو عم تدخنوا كيف بدكن ياني ما دخن”، “فأجبته بأننا أخطأنا حين تعلمنا التدخين، ولا نريدكم أن تقعوا في نفس الخطأ”، فوعدها بالتوقف عن التدخين.

رغم الوعود التي قطعها ابن هديل، شاهدته مرة أخرى يدخن فأخبرت والده، وحاول الأب إقناعه في البداية من باب الخوف على صحته، ولكنه لم يقتنع، ثم استخدم معه أسلوب التهديد، ثم ضربه في آخر مرة، لكن كل تلك الحلول لم تنفع، فما كان إلا أن سلم الأبوان بالأمر الواقع، ولا سيما أنهما أدمنا التدخين ولا يستطيعان الإقلاع عنه، فـ”كيف سنقنع ابننا بترك شيء نحن نفعله”.

“أبو أكرم” (50 عامًا) من أهالي دمشق، يدخن منذ 25 عامًا، استخدم كل الحلول الممكنة مع ابنه لمساعدته على الإقلاع عن التدخين لكنه فشل، ما اضطره في النهاية للاستسلام للأمر الواقع.

وقال “أبو أكرم”، وهو صاحب محل مواد غذائية في مدينة جرمانا، “اكتشفت أن ابني يدخن على شرفة المنزل، فجلست معه لأحدثه عن أضرار وآفات التدخين، وبأني مقتنع بمخاطر التدخين وأسعى قريبًا لأقلع عنه، لكني لا أريد أن يتورط بعادة سيئة كما تورطت أنا سابقًا، وأخبرته أني حين تعلمت التدخين، كان والدي متوفى ولم يكن هناك من يقوم بتوعيتي بخطورة التدخين في المستقبل”.

هز الابن رأسه بالموافقة مرات على ما قاله “أبو أكرم”، لكنه شعر ضمنيًا أنه لم يقتنع، وفعلًا استمر بالتدخين، ففرض عليه عقوبات بسيطة، إذ حرمه من بعض الأشياء التي تعلق فيها بشدة، وقطع عنه المصروف وأخذ منه هاتفه، لكن تلك الحلول لم تنفع.

“لم أكن أرغب بالتصعيد معه أكثر أو اللجوء للعنف لأن ذلك سيعطي تأثيرًا عكسيًا، فصرت أجلس معه دومًا كصديق على أمل أن يقتنع، لكن للأسف لم تكن هناك فائدة، لأني اكتشفت متأخرًا أنه يدخن وقد دخل مرحلة الإدمان”، أضاف “أبو أكرم” لعنب بلدي، وما كان منه إلا أن سلّم بالأمر الواقع، و”طلبت من الله أن يهديه للطريق الصواب”.

اللجوء لقاعدة 7-38-55

في الوقت الذي فشل فيه كثير من الآباء المدخنين في إقناع أولادهم بالإقلاع عن التدخين، وجد آخرون أن من المستحيل إقناع الشاب أو الفتاة بذلك، بينما يستمر الأبوان أو أحدهما بتدخين السجائر، وهو ما جعل بعضهم يلجؤون لترك التدخين قبل أن يكبر أولادهم، وهناك من ترك التدخين لتشجيع الابن على تقليده وتركه أيضًا.

يحيى حريري (35 عامًا) متزوج ولديه طفلان ويعمل في محل هواتف بمدينة قونيا التركية، قرر العام الماضي ترك التدخين بعد 20 عامًا، وقال لعنب بلدي، “فكرت قليلًا بمستقبل أولادي، فحين يصلون لسن المراهقة ويجدونني أدخن، سيتعلمون التدخين حكمًا، ولو قررت حينها الإقلاع عنه، ربما لن يفعلوا مثلي، خاصة لو دخلوا مرحلة الإدمان، لذا قررت من الآن تركه”.

الباحث الاجتماعي محمود الحسن، أكد أهمية الأفعال لا الأقوال في ردع الابن عن التدخين، على مبدأ “لا تنهَ عن خلق وتأتي مثله”، مشيرًا إلى أن الحل الأفضل لجعل الأبناء يتركون التدخين، هو تطبيق قاعدة 7-38-55، وهي قاعدة أمريكية تقول إن التأثير الأقوى يكون للفعل أو لغة الجسد بنسبة 55%، بينما الصوت يوثر بنسبة 38%، أما الكلمة لوحدها فتؤثر بنسبة 7% فقط.

وشرح الحسن كيفية تطبيق تلك الطريقة، فإذا أراد الأب أو الأم إيصال فكرة لأولاده، يجب أن يُظهرا لهم كيفية تطبيق تلك الفكرة أو هذا السلوك، بمعنى أن يترك الأب التدخين أولًا، لأن ذلك سيجعل مهمة إقناع الابن أسهل بكثير، أما أن يقول الأب لابنه مجرد كلام بأن التدخين سيئ بينما هو يدخن، فهنا الفعل معارض للقول، أو أن يلجأ للصراخ عليه فقط وتهديده، فهذا الحل كذلك غير مجدٍ وله نتائج عكسية.

أستاذ علم النفس في جامعة “كاليفورنيا” الأمريكية ألبرت مهرابيان اقترح قاعدة 7-38-55، في كتابه الصادر عام 1971 بعنوان “الرسائل الصامتة”، الذي أكد من خلاله أهمية الأفعال عبر لغة الجسد، في التواصل والتفاوض مع الآخرين، مشددًا على أهمية عدم التناقض بين الكلمات المنطوقة والأفعال، وفق ما نشرته مجلة “ماستر كلاس” الأمريكية.

خطوات فعالة لردع الأولاد

في ظل الصعوبات التي يواجهها كثير من الأهل، وخاصة المدخنين، في ردع أبنائهم عن التدخين، اقترحت المستشارة الأسرية إيمان الكناص عدة خطوات تساعد في ذلك.

ويجب على الأهل أن يجلسوا أولًا مع الابن، ويفهموا منه الأسباب أو الضغوطات التي دفعته للتدخين، ثم يبينوا له الآثار التي تنتج عن التدخين، كالسرطان وأمراض القلب ومشكلات اللثة والرائحة الكريهة وغيرها، ومساعدته خطوة بخطوة على الإقلاع بالتدريج، بحسب الكناص التي تنصح بالابتعاد تمامًا عن أسلوب التصعيد أو الضرب أو سحب السجائر منه عنوة.

ونصحت المستشارة الأسرية الأهل بأن يدفعوا أبناءهم المدخنين كي يجالسوا أشخاصًا أقلعوا عن التدخين، حتى يسمعوا تجاربهم ولماذا أقلعوا عن التدخين وما الأسلوب الذي اتبعوه لتحقيق هدفهم، وبنفس الوقت يجب على الأبوين إشراك أولادهم في زيارات للأقارب أو نشاطات ثقافية أو ترفيهية أو دورات تدريبية، لأنها كفيلة بملء وقت الفراغ الذي يعد أحد الأسباب التي تدفع الأبناء للتدخين.

واقترحت الكناص أن يلجأ الأهل لمكافأة الابن أو القيام باحتفال بسيط معه، في حال صمد لأسبوع مثلًا بلا تدخين، لأن ذلك سيحفزه على الإقلاع نهائيًا عن التدخين لاحقًا.

وفي حال لم تنجح كل الحلول السابقة، يمكن للأبوين عرض ابنهم على مختص نفسي، يمكن أن يقدم له حلولًا تساعده، ويجب أن تكون تلك الجلسات النفسية بوجود الأبوين إن كانا مدخنين، لأنهما ربما يقتنعان أيضًا ويقلعان عن التدخين، وبالتالي تعم الفائدة على الجميع.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع