هل يلتزم “الوطني السوري” بالخطة الأممية لمنع تجنيد الأطفال
عنب بلدي – ريم حمود
في الوقت الذي يهدد تجنيد الأطفال الجيل المقبل في سوريا، أعلنت الأمم المتحدة عن توقيع “خطة عمل” مع “الجيش الوطني السوري” المتمركز في أجزاء من ريفي حلب الشمالي والشرقي، تهدف لـ”إنهاء ومنع التجنيد وقتل وتشويه الأطفال وفقًا لقرار مجلس الأمن 1539 (2004) والقرارات اللاحقة”.
توقيع “خطة العمل” جاء في ظل تغييرات عدة تعمل عليها وزارة الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة” (المظلة السياسية لـ”الجيش الوطني”) في الأشهر الأخيرة، ما استدعى البحث عما بعد التوقيع وما تحمله الخطة من تأثير على فصائل المنطقة.
ما “خطة العمل”
الخطة، الموقعة في 3 من حزيران الحالي، تلزم تشكيلات “الجيش الوطني” و”أحرار الشام” و”جيش الإسلام” والفصائل المتحالفة معها بإنهاء ومنع تجنيد واستخدام وقتل الأطفال وتشويههم، وإصدار أوامر قيادية في هذا الشأن، وتحديد الأطفال الموجودين حاليًا في صفوفها وإطلاق سراحهم، بحسب بيان لمكتب الممثل الخاص للأمين العام المعني بالأطفال والصراع المسلح في الأمم المتحدة.
ووفق البيان، تلزم الخطة الموقعة بين الأطراف الجانب السوري بوضع “تدابير وقائية وحمائية وتأديبية لتجنيد الأطفال واستخدامهم وقتلهم وتشويههم”.
وتنطبق الخطة على أي فصائل جديدة تنضم أو تنسحب من “الجيش الوطني” والجماعات التابعة له بعد توقيعها.
وقالت وزارة الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة”، إن توقيعها على خطة العمل جاء “في إطار جهودها لتعزيز الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان”، مضيفة أن هذه الخطوة لن تكون الأخيرة، بل “تُجسد بوابة لخطوات قادمة تحتاج منا جميعًا العمل بشكل تشاركي وفاعل”.
من جهتها، رحبت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالأطفال والنزاع المسلح، فرجينيا غامبا، بالتزام “الجيش الوطني السوري” المعارض، بما في ذلك “أحرار الشام” و”جيش الإسلام” والفصائل المتحالفة معهما بالتوقيع على خطة العمل.
واعتبرت أن الخطة مهمة نحو حماية أفضل لأطفال سوريا، الذين ما زالوا يتحملون وطأة عواقب 13 عامًا من النزاع المسلح.
المحلل العسكري العميد عبد الله الأسعد، يرى في توقيع “خطة العمل” بين “الجيش الوطني السوري” والأمم المتحدة خطوة أممية تدل على الاعتراف بأن الفصيل جيش وطني وليس مكونًا من ميليشيات ومرتزقة، وهذا مهم لمنع تجنيد الأطفال.
وأضاف الأسعد، لعنب بلدي، أن “خطة العمل” قد تزعج النظام السوري، وذلك باعتبار الطرفين الموقعين عليها مؤسستين قائمتين، ما يعني أن الأمم المتحدة تضع “الجيش الوطني” في ترتيب يتبع للجيوش النظامية.
وفق المادة الرابعة من البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل، يمنع القانون الدولي تجنيد الأطفال في القوات المسلحة أو استخدامهم في الأعمال القتالية دون سن الـ18، بينما يعتبر تجنيدهم دون سن الـ15 “جريمة حرب”.
وفي سوريا، سبق أن وقعت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) على ذات الخطة عام 2019، لكنها لا تزال تحتل المرتبة الأولى في تجنيد الأطفال، وهو ما يفتح باب التساؤل عن مدى التزام الجهات الموقعة على خطة العمل بتنفيذها.
وعن التغييرات التي قد تنتج بعد توقيع “خطة العمل”، قال المحلل العسكري العميد عبد الله الأسعد، إنه لا توجد ملامح واضحة لـ”الجيش الوطني” لإعادة هيكلة وترتيب صفوفه، وعلى الرغم من ظهور ملامح لتوحيده بعد تأسيس الكلية الحربية فهي غير كافية.
وتابع المحلل أنه يجب إعادة المضمون الداخلي لكل فصيل، ومن ثم رفد الجيش بطلاب جدد سيتخرجون من الكلية الحربية برتب مختلفة على أن يتم تدريبهم على يد مستشارين سابقين من الضباط وإعطاؤهم الدروس “التلقينية” التي تمنح عادة للقادة، وفق ما قاله لعنب بلدي.
انتهاكات
ورغم نفي “الجيش الوطني” وجود عمليات تجنيد لأطفال، وتعهده بمحاسبة المخالفين، وتسريح الأطفال في حال وجودهم، إذ سبق ونفت وزارة الدفاع في “الحكومة المؤقتة” عبر بيان هذه الاتهامات، لا تزال الاتهامات موجودة.
وقدم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في تموز 2023، إلى مجلس الأمن الدولي تقريره السنوي حول الأطفال والنزاع المسلح عن عام 2022، لتصنف سوريا الأسوأ في العالم من حيث تجنيد واستخدام الأطفال، بما مجموعه 1696 طفلًا، تصدرت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بـ637 حالة تجنيد للأطفال، وتلتها جميع فصائل “الجيش الوطني السوري” بـ611 انتهاكًا.
وتحقق التقرير من وقوع 2438 انتهاكًا “جسيمًا” ضد الأطفال في سوريا، تضمنت القتل والتشويه، والتجنيد، والاحتجاز والاختطاف، والعنف الجنسي، والهجمات على المدارس والمستشفيات، واستخدامهم لأغراض عسكرية، ومنع وصول المساعدات الإنسانية، ليتضرر ما لا يقل عن 2407 أطفال في عام 2022.
ما الأسباب
مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فضل عبد الغني، قال لعنب بلدي، إن جميع أطراف “النزاع” في سوريا مارست تجنيد الأطفال لكن باختلاف النسب بينها، ويعتبر “الجيش الوطني السوري” بالمرتبة الثالثة بين الجهات المسيطرة التي تنتهك حقوق الطفل وما زال مستمرًا بتجنيدهم بشكل واسع حتى الآن.
وأضاف عبد الغني أن هناك عدة أسباب وراء التجنيد بشكل أساسي في مناطق المعارضة السورية، إذ يعتبر مصدر دخل للعائلة، وخاصة إذا كان الطفل معيلًا لأسرته إثر غياب الأب عبر مقتله أو الاختفاء قسرًا.
يجب وضع رؤية وخطة متكاملة تمنع ممارسة تجنيد الأطفال، فالذين يلجؤون للتجنيد لديهم أسباب منها اعتماده كـ”مصدر للدخل”، ومن الضروري توفير عمل غير التجنيد، وعدم قبولهم عند التقديم.
فضل عبد الغني
مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”
وأشار مدير “الشبكة السورية” إلى أن “الجيش الوطني السوري” يعمل على قبول الطفل عندما يكون بسن يتراوح بين 16 و17 عامًا، ثم يترك ليكبر وهو منضم للفصيل ويستمر بالقتال معه.
ويميل الجيش لإخفاء مواليد الأطفال خاصة أن الكثير منهم متسربون من المدارس بسبب ضعف العملية التعليمية بشمال غربي سوريا، ما يجعل العائلات تميل لتجند أطفالها، وفق فضل عبد الغني.
في شباط الماضي، زادت رواتب “الجيش الوطني” دون قرار رسمي متداول، وبحسب ما علمته عنب بلدي من مقاتلين التقتهم فإن الزيادة كانت متفاوتة، وتراوحت بين 80 و90%. ويبدأ راتب العنصر حاليًا من 1000 ليرة تركية، بعد أن كان 600 ليرة تركية سابقًا، بينما قد تصل رواتب بعض العناصر المقربين من القادة إلى 3000 ليرة تركية (يقابل الدولار 32 ليرة تركية وسطيًا).
وتعاني سوريا عمومًا واقعًا اقتصاديًا مترديًا إذ يعيش 90% من السوريين تحت خط الفقر، بينما يوجد 2.4 مليون طفل سوري خارج المدرسة، بحسب أرقام الأمم المتحدة.
نحو “جيش نظامي”؟
يتكون “الوطني” من ثلاثة فيالق، ولا يوجد عدد ثابت لعناصره، إذ قال “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”، إن عددهم 80 ألف مقاتل في 2019، في حين ذكر تقرير لمعهد “الشرق الأوسط”، في تشرين الأول 2022، أن التشكيل يجمع من 50 ألفًا إلى 70 ألف مقاتل.
ويشهد “الجيش الوطني” عمليات اندماج وانشقاق معهد “الشرق الأوسط لتشكيلات عسكرية عديدة تحت عباءته، وتسود حالة من الفصائلية تتشكّل بمسميات متعددة رغم تبعيتها لـ”الجيش الوطني”.
وبعد اقتتال فصائلي وتدخل “تحرير الشام” صاحبة السيطرة العسكرية في إدلب على مناطق في ريف حلب، في 2022، بدا واضحًا توجه “الحكومة السورية المؤقتة” نحو ترتيب صفوف “الجيش الوطني” وإعادة هيكليته، رغم عشرات المحاولات سابقًا.
وفي 27 من تشرين الأول 2022، أطلقت “المؤقتة” خطة لتفعيل دور المؤسسات وتوحيد الفصائل، بعد سلسلة اجتماعات ولقاءات أجرتها وزارة الدفاع مع مختلف القوى العسكرية والأمنية فيه.
أبرز هذه الخطوات، إعلان “الجيش الوطني“، في كانون الثاني 2023، البدء بتنفيذ خطة تسليم جميع الحواجز الأمنية إلى إدارة “الشرطة العسكرية” في مناطق سيطرته.
وفي 20 من آذار الماضي، طالبت وزارة الدفاع المجموعات الموجودة في المنطقة وغير المنضوية تحتها بضرورة الانضمام للوزارة بشروط ومعايير “الجيش الوطني”، وذكرت أن الهدف يعود لـ”ترسيخ العمل المؤسساتي وتحسين الواقع الأمني في المنطقة”.
وفي 29 من أيار الماضي، افتتحت وزارة الدفاع في “المؤقتة” أكاديمية عسكرية في منطقة عفرين شمالي حلب لتقديم التدريب العسكري الحديث لـ500 عنصر بشكل أولي، وذكرت أن إنشاء الكلية جاء ضمن نطاق مشروع تحويل “الجيش الوطني” إلى جيش نظامي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :