ترويج يصطدم بالواقع
“فقاعة اقتصادية” لـ”آل قاطرجي” في مدينة حلب الصناعية
عنب بلدي – جنى العيسى
نهاية أيار الماضي، أعلنت “مجموعة قاطرجي القابضة” إطلاق العمل فيما وصفته بـ”أكبر” تجمع صناعي في الشرق الأوسط، والأول من نوعه في سوريا، ضمن المدينة الصناعية في الشيخ نجار بمحافظة حلب شمالي سوريا.
يمتد المشروع الجديد على مساحة تصل إلى ثلاثة ملايين متر مربع داخل حدود المدينة الصناعية، ويضم 357 صناعة لم تحدد بالضبط، وسيعتمد على الطاقة البديلة بإنتاج نحو 150 ميجاواطًا من التيار الكهربائي.
وسيؤمّن المشروع المقرر تنفيذه خلال عام واحد 300 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، وفق الإعلان.
وتعد عائلة قاطرجي من أثرياء الحرب المقربين من النظام السوري، الذي سمح بتمدد نفوذ العائلة وتعزيز حضورها على مستوى اقتصاد البلد.
يثير إعلان إطلاق التجمع الصناعي التساؤلات حول أهداف عائلة قاطرجي من وراء هذا المشروع، في ظل بنى تحتية غير مؤهلة نسبيًا في سوريا لإنشاء هذا النوع من المشاريع.
كما تطرح المشاريع السابقة التي حصلت عليها العائلة ورقيًا دون تنفيذ على أرض الواقع التساؤلات حول إمكانية النجاح في إطلاق هذا التجمع.
ترويج أمام الشعب
الباحث السوري بمجال الإدارة المحلية والاقتصاد السياسي في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” أيمن الدسوقي، قال لعنب بلدي، إن الإعلان عن إطلاق التجمع يأتي في ظل إشاعات حول تعرض أفراد عائلة قاطرجي للاعتقال والتضييق عليهم من جهة، ووسط اقتراب موعد انتخابات مجلس الشعب من جهة أخرى.
ويرى الدسوقي أنه بالتزامن مع هذين الأمرين يكتسب الإعلان عن هذا الاستثمار “الكبير”، كما يروج له، أهمية لإيصال رسائل مفادها أن العائلة لا تزال تحظى بنفوذ في محافظة حلب وأنها على وفاق مع النظام.
يمكن تفسير هذا الإعلان كنوع من الدعاية الانتخابية وأداة للتأثير على تحالفات انتخابات مجلس الشعب في محافظة حلب.
أيمن الدسوقي
باحث اقتصادي
ويعتقد الدسوقي أن نية إنشاء التجمع في المدينة الصناعية بالشيخ نجار في حلب، قد يكون هدفها التأثير السلبي على محاولات بناء مدن صناعية في الشمال السوري الخارج عن سيطرة النظام، عبر الإيحاء للصناعيين بأن حلب ستعود عاصمة الصناعة، ومن الأفضل لهؤلاء الصناعيين ورجال الأعمال العودة لتسوية وضعهم وحجز مكان لهم في هذا المشروع “الضخم”.
وفي دراسة صادرة عن مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” حول انتخابات مجلس الشعب لعام 2020، أكدت نجاح أكثر من 20 عضوًا من قادة الميليشيات ورجال الأعمال الذين يُشكل بعضهم واجهات تجارية تساعد النظام في التهرب من العقوبات الأمريكية والأوروبية، في الانتخابات التشريعية التي أجريت في العام 2020.
في صدارة “حيتان المال”
تصدّر اسم آل قاطرجي قائمة “حيتان المال” خلال سنوات الحرب الأخيرة في سوريا، بعد تعاملات سرية مع تنظيم “الدولة الإسلامية” من جهة، و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) من جهة أخرى، لمصلحة النظام السوري.
وبعد بدء الصراع في سوريا، اعتمد النظام السوري على أسماء ظهرت “فجأة” في عالم الاقتصاد، ولا تملك تاريخًا في العمل الاقتصادي أو المالي، وتبوأت مراكز وأنشطة اقتصادية تعد تاريخيًا من مجالات نشاط عائلة الأسد، بحسب دراسة لمركز “حرمون”، نهاية أيار 2022.
وكان رامي مخلوف ابن خال رئيس النظام السوري، بشار الأسد، يدير نشاطات العائلة، باعتباره شريكًا وخازنًا لأعمالها، وأدت التبدلات الموازية في اقتصاد الحرب والعقوبات الخارجية إلى ظهور أثرياء الحرب الجدد، مع بقايا النخب القديمة الفاعلة في البلاد، لتشكيل “واجهات” للعائلة، وفق الدراسة.
بدأ صعود عائلة قاطرجي بعد انكفاء مالك شركة “هيسكو” لإنتاج الغاز الطبيعي، جورج حسواني، عقب العقوبات الأوروبية التي فُرضت عليه، ليتراجع بصمت مفسحًا المجال لحسام قاطرجي وإخوته، ليستولوا على قطاع نقل النفط من مناطق تنظيم “الدولة” سابقًا و”قسد” حاليًا.
وتطور نفوذ العائلة على القطاع، عبر تشكيلها ميليشيا أسهمت في القتال مع قوات النظام، لكن هدفها الأساسي كان حماية قوافلها التجارية، ثم في عام 2018، أسس الإخوة قاطرجي (حسام، محمد براء، أحمد بشير) شركة “أرفادا” البترولية، التي استحوذت على 80% من شركتين أُسستا لإنشاء مصفاتي نفط لم يبدأ العمل بهما حتى الآن رغم حصولها على الموافقة لذلك منذ 2020.
ونهاية 2022، أُعلن عن شركة “بي إس للخدمات النفطية”، مقرها في لبنان، وهي تابعة لـ”مجموعة قاطرجي”، حيث سُمح لمحطات المحروقات التابعة للشركة باستيراد النفط الخام وتكريره في مصفاتي “بانياس” و”حمص”، مقابل أجور مالية تُدفع للحكومة، ومُنحت مقابل ذلك الحق ببيع المشتقات النفطية الناجمة عن التكرير في السوق المحلية أو تصديرها.
شكوك في التنفيذ
طرح القاطرجي عدة مشاريع كبيرة لكنها بقيت مطامح دون أن تتحول إلى واقع بعد، بسبب التحديات التي تعوق استثمارات كهذه، وأبرزها العقوبات، والقدرة على توفير التمويل، وتأمين مصادر الطاقة، والتنافس بين نخب رجال أعمال النظام، وفق ما يرى الباحث أيمن الدسوقي.
ويوحي فشل “آل قاطرجي” في تنفيذ مشروع المصفاتين، وتلك “الخضّات” التي مر بها نفوذ العائلة خلال السنوات الأربع الماضية، بأن مشروع التجمع الصناعي أكبر بكثير من قدراتها، وسط تعقيد خارطة اللاعبين في المشهد الاقتصادي السوري، وفق مقال رأي للباحث السوري إياد الجعفري، نشر بموقع صحيفة “المدن” اللبنانية في 2 من حزيران الحالي.
ويرى الجعفري أن هذه المعطيات تجعل من إعلان “مجموعة قاطرجي” أقرب إلى حملة علاقات عامة، يراد بها جذب المزيد من الراغبين بالتعاون من مختلف الأطراف النافذة على التراب السوري.
امتيازات مشروطة بالولاء
تتميز استراتيجيات عائلة قاطرجي لتمكين نفوذها بإنفاقها “السخي” لتوسيع قاعدة الولاءات الشعبية والعشائرية الخاصة بها، فضلًا عن شبكة العلاقات الواسعة التي أنشأتها العائلة مع مسؤولي “الدولة” وحزب “البعث” الحاكم، والأجهزة الأمنية، وتجار حلب البارزين، بالإضافة إلى علاقاتها الوطيدة مع الإيرانيين والروس، وفق ما أوضحه الباحث السوري إياد الجعفري.
واعتبر الباحث أن حصول العائلة على عقد يسمح لشركة “بي إس للخدمات النفطية” بتزويد الصناعيين والتجار بالمشتقات النفطية، بأسعار تضاهي الأسعار العالمية، امتياز غير مسبوق من القصر الرئاسي، إذ تعد هذه أول مرة تدخل فيها شركة خاصة قطاع توزيع المحروقات، الذي بقي لعقود حكرًا على “الدولة”.
وترتبط قدرة رجال الأعمال في مناطق سيطرة النظام على العمل بأمرين، الأول اعتماديتهم من النظام، ومدى قدرتهم على الحركة لتأمين ما يريده وعدم تجاوز خطوطه الحمراء، أي الميل للاستقلالية أو لعب أدوار غير مصرح بها من قبل النظام، وفق ما أوضحه الباحث أيمن الدسوقي لعنب بلدي.
في هذا الصدد، نال قاطرجي اعتمادية النظام ووفر خدمات له، فضلًا عن استخدام النظام قاطرجي لإعادة تشكيل مجمع رجال الأعمال في حلب ليكون أقل استقلالية وأكثر اعتمادية على النظام، وفق الدسوقي.
واعتبر الباحث أنه نظرًا إلى ذلك، يقدم النظام الحماية والتسهيلات الحكومية لقاطرجي، فضلًا عن الإقرار بدوره ضمن الهياكل الرسمية مثل مجلس الشعب وغرف التجارة والصناعة، إلا أن هذه الامتيازات تبقى طالما بقي قاطرجي مفيدًا للنظام، وفق رأيه.
من يدير نشاط العائلة؟
حسام أحمد رشدي قاطرجي، المولود في الرقة عام 1982 لعائلة ترجع أصولها إلى مدينة الباب التابعة لمحافظة حلب، ويشغل رئيس مجلس إدارة “مجموعة قاطرجي الدولية”، التي تضم عديدًا من الشركات المتخصصة في مجالات مختلفة، وفق تقرير لمنظمة “مع العدالة” المتخصصة بملاحقة مجرمي الحرب صدر في 2020.
ويقطن حسام في مدينة دمشق، ويعتبر من أكثر رجال الأعمال المؤيدين للنظام، ويستخدم أقرباءه كواجهات تجارية للعمل ضمن شركاته الفرعية العائدة له ولأشقائه محمد براء ومحمد آغا قاطرجي.
ويتولى حسام قاطرجي الظهور إعلاميًا، وإدارة “مجموعة قاطرجي الدولية” على الملأ، بينما يدير محمد براء قاطرجي الأمور “بشكل خفي” لمصلحة النظام السوري.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :