أعلنت “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا عن تأجيل انتخابات البلدية في مناطق سيطرتها، التي كان من المقرر إجراؤها بين 11 من حزيران وحتى آب المقبل، دون تحديد موعدها بدقة.
وقالت عبر بيان اليوم، الخميس 6 من حزيران، إن قرار التأجيل جاء “استجابة لمطالب الأحزاب والتحالفات السياسية المشاركة في العملية الانتخابية، وحرصًا على تنفيذ العملية الانتخابية بشكل ديمقراطي”.
وأضافت أن المفوضية العليا للانتخابات أجلت الانتخابات بناءً على مطالب وردت من أحزاب سياسية عبر “كتب رسمية”، معللة ذلك بضيق الوقت المخصص للفترة الدعائية التي ينبغي أن تكون كافية أمام جميع المرشحين.
“الإدارة” قالت في بيانها إن “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، و”تحالف الشعوب والنساء من أجل الحرية”، و”قائمة معًا لخدمات أفضل”، و”حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا”، هي الجهات التي قدمت طلبًا بتأجيل الانتخابات.
وكانت وكالة “هاوار” المقربة من “الإدارة الذاتية” نقلت قبل يومين، عن مصدر مقرب من المفوضية العليا للانتخابات (لم تسمّه)، أن تحالفات انتخابية طالبت بتأجيل انتخابات البلدية.
نتاج ضغط تركي؟
تلقت وسائل الإعلام التركية خبر تأجيل الانتخابات سريعًا، وربطت الحدث بالضغوط التي مارستها أنقرة مؤخرًا لمنع إقامة الانتخابات التي اعتبرتها تمهيدًا لإقامة “كيان إرهابي” على حدودها الجنوبية.
وقالت مؤسسة الإذاعة والتلفزيون التركية (TRT) اليوم الخميس، إن منظمة “PKK/ YPG” التي كانت تخطط لإجراء انتخابات محلية في سوريا، اضطرت إلى تأجيل الانتخابات بعد أن حذرت تركيا من أنها لن تسمح بإقامة “دولة إرهابية” في المنطقة.
وأضافت وفق ما ترجمته عنب بلدي، “رسخ التنظيم الإرهابي نفسه بما يسمى الانتخابات التي كانت ستغطي أربعة محافظات، هي الرقة ودير الزور وحلب والحسكة، ومدن منبج وعفرين لمحاولة الحصول على الشرعية”.
من جانبها نقلت صحيفة “سوزجو” التركية المعارضة، عن مصادر أمنية لم تسمّها، أن “حزب العمال الكردستاني” حاول إقامة “صناديق اقتراع” في سوريا في إطار خطته للحصول على اعتراف دولي، معلنًا عن انتخابات محلية.
وتعتبر أنقرة أن “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وهي المظلة العسكرية لـ”الإدارة الذاتية” تشكل امتدادًا لـ”حزب العمال الكردستاني” (PKK) المدرج على “لوائح الإرهاب” لديها، وهو ما تنفيه “قسد” رغم اعترافها سابقًا بوجود مقاتلي من “العمال” في صفوفها.
الصحيفة التركية أضافت نقلًا عن مصدرها الأمني أن تركيا تدخلت في “الوضع المخطط له” شمالي سوريا، ما اضطر “الإدارة الذاتية” لتأجيل الانتخابات مرة أخرى بسبب الضغوط الدولية الناجمة عن المبادرات التركية واحتجاجات العشائر في المنطقة، الذين رأوا “الموقف التركي الحازم”.
موقف تركي- أمريكي
علّقت الولايات المتحدة الأمريكية (وهي الداعم الرئيس لـ”الإدارة الذاتية”) بموقفها حول الانتخابات، إذ قالت إن ظروف “الأزمة” في سوريا غير مواتية لإجراء انتخابات شمال شرقي سوريا في الوقت الراهن.
وجاء في إحاطة صحفية للنائب الرئيسي للمتحدث الصحفي باسم وزارة الخارجية الأمريكية، فيدانت باتيل، في 30 من أيار، أن الولايات المتحدة محافظة على موقفها من أي انتخابات تجري في سوريا “يجب أن تكون حرة ونزيهة وشفافة وشاملة”.
وخلال إجابته على أسئلة الصحفيين، أكد باتيل وجوب أن تكون أي انتخابات في سوريا “حرة ونزيهة”، مشيرًا إلى أن بلاده لاتعتقد أن هذه الشروط متوفرة شمال شرقي سوريا في الوقت الحاضر.
ونوّه إلى أن الولايات المتحدة نقلت وجهة نظرها حول الانتخابات إلى مجموعة من الجهات الفاعلة في شمال شرقي سوريا، في إشارة إلى “الإدارة الذاتية”.
أيضًا قبل أيام، دعا زعيم حزب “الحركة القومية” (MHP) التركي، دولت بهشلي، لعملية عسكرية مشتركة تجمع تركيا والنظام السوري للقضاء على “العمال الكردستاني” في مناطق شمال شرقي سوريا، وفق ما نقلته صحيفة “Cumhuriyet” التركية، وانتقد انتخابات البلديات، معتبرًا أنها مرحلة جديدة قادمة لـ”تقسيم تركيا”.
واعتبر أن الولايات المتحدة ترى في الحوار مع “الإرهابيين” أمرًا ذا أهمية استراتيجية في المكان.
الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قال من جانبه إن تركيا تتابع عن كثب الأعمال العدوانية التي يقوم بها “التنظيم الإرهابي” ضد سلامة الأراضي التركية والسورية بحجة الانتخابات (في إشارة إلى “قوات سوريا الديمقراطية”).
محاولة لفرض أمر واقع
مع التعليقات التركية والأمريكية، والانتقادات المحلية في سوريا للانتخابات، نشر الباحث المتخصص في الشأن الكردي في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” سامر الأحمد، سلسلة من التغريدات عبر منصة “إكس” قال فيها إن “الإدارة الذاتية” تحاول “شرعنة سلطتها” في المنطقة.
وتوقع قبل أيام أن تلجأ “الإدارة” لتأجيل الانتخابات تجنبًا لتصعيد إقليمي جديد في المنطقة، وسط رفض مختلف الأطراف السورية والدولية لهذه الخطوة.
وأضاف الباحث أمس الأربعاء، نقلًا عن مصادر مطلعة لم يسمّها، أن ضغطًا أمريكيًا وآخر داخليًا من بعض أطراف “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) مورس على “حزب الاتحاد الديمقراطي”، الذي يتحكم في “الإدارة الذاتية”، بهدف تجنيب المنطقة “صيفًا ساخنًا” يزيد من معاناة المدنيين.
واعتبر الباحث أن التعليق الأمريكي حول الانتخابات هو “تنصل المسؤولية السياسية عن نتائج هذه الخطوة”.
وخلص تقرير سابق أعدته عنب بلدي إلى أن تركيا قد تصعّد مجددًا من استهدافاتها العسكرية شمال شرقي سوريا مع اقتراب موعد الانتخابات، على غرار ما حصل مطلع العام الحالي عندما أطلقت أنقرة سلسلة من الغارات على بنى تحتية وعسكرية لـ”قسد”.
ووفق ما قاله الباحث المتخصص بشؤون فواعل ما دون الدولة، أسامة شيخ علي، فإن تركيا قد تلجأ لإطلاق تهديدات بهدف دفع الناس للابتعاد عن مقار “الإدارة الذاتية” وجناحها العسكري “قسد”، كما تهدف لثني السكان عن المشاركة بانتخابات البلديات بالمنطقة.
وشدد الباحث على أنه في حال لم تتخذ تركيا أي خطوة مضادة للانتخابات المنتظر إطلاقها بالمنطقة، لن يكون هناك أي أثر يذكر مع انتهائها في حزيران المقبل.
ومنذ بضعة أيام، عادت الاستهدافات التركية للتصاعد شمال شرقي سوريا، أصدرت عقبها “الإدارة الذاتية” بيان متتالية قالت فيها إن هذا التصعيد يستهدف جهودها لإطلاق “انتخابات ديمقراطية”
وفي كانون الثاني الماضي، صعّدت تركيا من حدة استهدافاتها لشمال شرقي سوريا، وركزت قصفها على مواقع خدمية وبنى تحتية، إلى جانب مواقع عسكرية لـ”قسد”.