“القتلى في الشوارع والدماء غطت المكان، لا أحد كان يعلم في لحظتها كيف تحولت المظاهرة إلى مجزرة”، هكذا وصف الناجي عبد الله قاسم ابن مدينة حماة مشاهد عاشها في مجزرة “جمعة أطفال الحرية” قبل 13 عامًا في المدينة.
في 3 من حزيران 2011، قرر أهالي مدينة حماة التجمع في ساحة للخروج بأكبر مظاهرة بالمدينة في جمعة أطلق عليها اسم “أطفال الحرية” لتتحول إلى يوم “دموي” ما زال الناجون منه يستذكرون تلك اللحظات، وسط تباين أعداد القتلى في تلك المجزرة.
وتراوحت أعداد القتلى ما بين 65 شخصًا وفق ما وثقته “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” بينهم سبعة أطفال إضافة إلى عدد “كبير” من الجرحى، في حين ذكر “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” أن عدد القتلى بلغ 53 شخصًا.
بينما وثقت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” مقتل 80 شخصًا بينهم طفلان على الأقل وفق شهادات من عدد من الناجين وأهالي الضحايا إضافة إلى طبيب وثلاث ممرضات كانوا قد أشرفوا على عملية العلاج حينها.
وأشار ناجون تحدثت معهم عنب بلدي خلال إعداد التقرير إلى وصول أعداد القتلى إلى 200 شخص.
“استقبلونا بالرصاص”
بعد صلاة الجمعة التي سُميت بـ”أطفال الحرية”، توجه أهالي مدينة حماة من عدة شوارع للتجمع بساحة العاصي بينها شارع “الحاضر” الواصل بين حماة وحلب وشارع “العلمين” بين حمص وحماة إضافة إلى شارع “ملجأ الأيتام” أو (المرابط) الذي جاء منه الناشط الإعلامي عبد الله قاسم.
يُعتبر التجمع أول مظاهرة رسمية كان متفقًا عليها قبل نحو أسبوع بين أهالي المدينة على أن تكون أكبر مظاهرة، ليُصدم المتظاهرون عند وصولهم إلى نقطة التجمع بالساحة أن الجيش السوري قد طوقها إضافة إلى وجود قناصين على أسطح الأبنية وانتشار لـ”الشبيحة” (مجموعات شبه عسكرية غير رسمية) في الأزقة الضيقة المحيطة بالمنطقة، وفق ما ذكره عبد الله قاسم لعنب بلدي في أثناء الحديث عن يوم المجزرة.
وعند رؤية المتظاهرين هذا الانتشار لم يتراجعوا واستمروا بالسير نحوهم حاملين أغصان الزيتون والورود ومرددين شعارات عدة أبرزها، “سلمية سليمة” و”الشعب والجيش إيد واحدة” و”حرية”، ليتفاجؤوا بعد لحظات بإطلاق الرصاص الحي المباشر نحو الأهالي، بحسب الناشط الإعلامي عبد الله قاسم.
وبحسب الناشط الميداني عمار منصور، الذي كان من بين القادمين من شارع “العلمين”، فإن الساحة كانت مليئة بالجيش السوري، إذ كان العناصر يحملون الدروع لمنع المتظاهرين من العبور، وكان عددهم يفوق 200 شخص، بحسب تقديره.
النجاة من الموت
عند إطلاق الرصاص على المتظاهرين الذين كانت المسافة الفاصلة بينهم وبين الجيش أقل من 50 مترًا لم يبقَ أمام عمار منصور إلا الاختباء عند منصّف الطريق برفقة عدد من الأشخاص قرابة النصف ساعة.
وتابع عمار البالغ من العمر 33 عامًا في حديثه لعنب بلدي، أن إطلاق الرصاص كان موجهًا مباشرة على الرؤوس، ولحظات اختبائه كانت قد نجته من التعرض للموت لكنها لم تمنع مشاهدته لأشخاص يتساقطون ويموتون مباشرة، إضافة إلى المصابين الذين لم يكن قادرًا على الوصول لمساعدتهم في تلك اللحظة إثر استمرار إطلاق الرصاص من حوله.
أما الناشط الإعلامي عبد الله قاسم، فكان في الصفوص الخلفية من المظاهرة وإطلاق الرصاص كان بعيدًا عنه قليلًا، واستطاع الاختباء بأحد الأزقة الضيقة والنجاة، وفق قوله.
“المستشفيات امتلأت”
في يوم المجزرة امتلأت المستشفيات بالجرحى والقتلى، إذ بدأت عمليات الإنقاذ والإسعاف من الأهالي وكان المشهد الأبرز في تلك اللحظات عدة أشخاص يحملون قتيلًا أو جريحًا متوجهين به إلى المستشفى، كما وصف الناجيان من المجزرة اللذان تحدثت معهما عنب بلدي.
ومن أكثر المستشفيات استقبالًا للمصابين كان مستشفى “الحوراني” بحي كرم الحوراني ومستفشى “البدر”، إذ امتلأت الأقسام والأسرّة بالضحايا، وكانت الحصلية الأولية الموثقة بالاسم أكثر من 80 شخصًا ليصل العدد بعدها إلى 200 شخص من القتلى إثر المجزرة، وفق الناجي عبد الله قاسم.
وأوضح عمار منصور، لعنب بلدي، أن الجرحى نقلوا على عربات بيع الخضراوات بالمدينة وسط استمرار إطلاق الرصاص، مضيفًا أن المستشفى أصبح غير قادر على استقبال الجرحى من كثرة أعدادهم.
وعلى إثر المجزرة التي هزت مدينة حماة حينها، اعتصم الأهالي أمام المستشفيات التي يوجد بها الجرحى، وأعلن عن حداد وإغلاق كامل للمحال التجارية والأسواق بالمدينة لمدة ثلاثة أيام متواصلة مع انتشار لحواجز بأحياء المدينة، ففي كل حي وُضع الأهالي حاجزين خوفًا من اعتقال قوات النظام السوري الجرحى، وفق حديث الشابين.
في اليوم التالي، 4 من حزيران 2011، جرى تشييع القتلى ودفنهم بحضور “كبير” من الأهالي من نساء ورجال وأطفال، كما لوحظ إفراغ المدينة بشكل كامل من الأمن والشرطة بحسب الناشط عمار منصور.
خلال 13 عامًا
وثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” في تقريرها الصادر بمناسبة مرور 13 عامًا على انطلاق الثورة السورية، مقتل 231 ألفًا و278 مدنيًا في سوريا خلال هذه الفترة، 91% منهم قتلوا على يد قوات النظام السوري.
ووفق التقرير، من بين القتلى أكثر من 30 ألف طفل، وأكثر من 16 ألف سيدة، وتسببت قوات النظام السوري بمقتل أكثر من 23 ألف طفل، وأكثر من 12 ألف سيدة، بينما قتلت القوات الروسية نحو سبعة آلاف مدني، بينهم أكثر من ألفي طفل، ونحو ألف سيدة.
وثق تقرير “الشبكة السورية” مقتل ما لا يقل عن 15 ألفًا و344 شخصًا بسبب التعذيب، قضى 15 ألفًا و74 شخصًا منهم على يد قوات النظام السوري، أي نحو 99% من الحصيلة الإجمالية.
ولا يزال ما لا يقل عن 156 ألفًا و757 شخصًا، بينهم أكثر من خمسة آلاف طفل و10 آلاف سيدة، قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري على يد قوات النظام والأطراف المسيطرة، وتصدّر النظام وفق التقرير أعداد المعتقلين بـ136 ألفًا و182 معتقلًا، بينهم أكثر من 12 ألف طفلًا وسيدة،