تعميمات النظام الأمنية.. ضغط عربي على الأسد لترقيع “فجوة الثقة”

وزير الداخلية في حكومة النظام، محمد الرحمون خلال لقائه مع ضباط ورؤساء أفرع أمنية في وزارته- 25 من أيار 2024 (وزارة الداخلية/ فيس بوك)

camera iconوزير الداخلية في حكومة النظام، محمد الرحمون خلال لقائه مع ضباط ورؤساء أفرع أمنية في وزارته- 25 من أيار 2024 (وزارة الداخلية/ فيس بوك)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسام المحمود

من بوابة وزارة الداخلية في حكومة النظام السوري، صدر خلال الأيام القليلة الماضية أكثر من قرار، يتناول في نصه الحرفي تغييرًا في سلوكيات المؤسسة بالتعامل جزئيًا مع بعض الحالات الأمنية والمدنية المتعلقة بالمواطنين في مناطق السيطرة تلك.

هذه القرارات أو التعميمات التي حملت تغييرًا نسبيًا في اللهجة، جاءت ضمن حلقة في مسلسل تغييرات يتحدث عنها النظام السوري دون أن تترك انعكاساتها على الأرض، في وقت يدور به حديث غير رسمي عن تراجع عربي خطوة إلى الوراء فيما يتعلق بالتطبيع العربي مع النظام وإصلاح العلاقات مع الأسد.

في 27 من أيار الماضي، أصدرت وزارة الداخلية تعميمًا طالبت خلاله بمجموعة نقاط أبرزها التقيد بالقوانين التي تكفل حقوق المشتبه بهم المقبوض عليهم، وإبلاغ ذويهم بمكان وجودهم لدى الجهة التي ألقت القبض عليهم، وتجنب اللجوء إلى التعذيب الجسدي أو المعنوي (والتجنب ليس منعًا باتًا)، مع أمثلة على هذا العنف تتجلى بالإهانة والتهديد والإكراه والإساءة بالكلام خلال التحقيق لانتزاع الاعتراف القسري.

كما تضمن دعوة للتعاون البنّاء مع الجهاز القضائي والتقيد بالمدد القانونية للتوقيف والتحقيق، بالإضافة إلى عدم اللجوء لطلب تمديد التحقيق لفترات طويلة إلا في الجرائم الجنائية الخطيرة، مع مطالبة بتوخي الحذر في التعامل مع المعلومات التي ترد من مخبرين وأصحاب سوابق وأشخاص مقبوض عليهم عند التحقيق معهم، والتحقق من دقتها قبل اتخاذ أي إجراء بشأنهم.

وتضمن قصر استخدام إذاعة البحث تجاه من تتوفر ضده الأدلة المهمة على تورطه بارتكاب الجريمة موضوع التحقيق، وعدم إذاعة البحث إلا من خلال “المفتاح الخماسي” مع الرقم الوطني، وبعد التأكد من هويته وتورطه بالجريمة، وعدم الاكتفاء باعتراف أشخاص عليه دون أدلة ومعلومات تؤيد ذلك، والحصول على موافقة قضائية لاستمرار مفاعيل إذاعة البحث، وعدم إساءة استخدام نافذة الأحوال المدنية في استكمال بيانات المذاع البحث عنهم من خلال اختيار عشوائي لأسماء لا تربطهم صلة بالجريمة.

وشمل التعميم الموقع من وزير الداخلية، محمد الرحمون، متابعة وضبط شبكات تهريب المهاجرين التي تستغل حاجة المواطنين للسفر بشكل غير مشروع خارج القطر، وتكثيف جهود مواجهة بعض الجرائم التي نشطت مؤخرًا، كسرقة الكوابل الكهربائية والهاتفية، وسرقة السيارات والمنازل، وجرائم النشل والسطو التي تتم باستخدام الدراجات النارية المهربة.

التعميم الآخر الصادر في 25 من أيار، كان أساسًا للتعميم الذي تبعه، وجاء بعد لقاء وزير الداخلية مع مديري إدارات الأمن الجنائي ومكافحة المخدرات ومكافحة الاتجار بالأشخاص، ورؤساء فروع الأمن الجنائي ومكافحة المخدرات.

وتضمن التعميم تشديدًا على ضرورة تعزيز الدوريات وتقصي المعلومات والدقة في عمل الوحدات الشرطية، والتحري في الجرائم المرتكبة وعدم إذاعة البحث إلا عن الأشخاص الذين تتوفر ضدهم أدلة تثبت تورطهم بالجريمة، وعدم الاكتفاء بالاعتراف الموجه ضدهم دون وجود أدلة، وتجنب إصدار بلاغات مراجعة بحق أشخاص دون توفر المبررات الكافية لذلك.

بعد القمة العربية

بالنظر إلى السياق الزمني الذي صدر به التعميمان، فإنهما جاءا بعد أسبوع تقريبًا من القمة العربية في المنامة، التي انعقدت في 19 من أيار، وبدا خلالها تراجع الاندفاع العربي تجاه النظام السوري، فلم يلقِ الأسد كلمة، ولم يعقد لقاءات جانبية تكسر طوق العزلة السياسية التي بدأت تتراجع إثر قمة جدة التي شارك بها لأول مرة بعد انقطاع 12 عامًا، وعلى العكس، جاءت اللقاءات الجانبية على هامش القمة أقل مما كانت عليه في قمة جدة كمًا ونوعًا.

كما تترافق الإصلاحات في التعامل الأمني (على الورق) مع مساعٍ حثيثة يقودها لبنان، البلد الجار، لإعادة اللاجئين السوريين على أراضيه إلى سوريا، دون ذرة قناعة من اللاجئين من جهة، أو من المجتمع الدولي والأمم المتحدة من جهة أخرى، بأن سوريا آمنة، في ظل معوقات جمّة تحول دون العودة، أبرزها غياب الضمانات الأمنية، وتوثيق منظمات حقوقية انتهاكات بحق العائدين تراوحت بين الاعتقال والاختفاء القسري والقتل.

قنوط السوريين من أي خطوة إيجابية في الظاهر قد تصدر عن النظام، والميل إلى التشكيك، مبرر أمميًا، ما لم تتم قراءته في إطار أسلوب النظام الأمني خلال 13 عامًا من الثورة السورية على الأقل.

في 13 من شباط الماضي، ذكر مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أن العديد من السوريين الذين فروا من الحرب يواجهون انتهاكات وتجاوزات جسيمة لحقوق الإنسان عند عودتهم إلى سوريا.

وذكر تقرير صادر عن مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان حينها، أن الانتهاكات والتجاوزات الموثقة ارتكبتها الحكومة وسلطات الأمر الواقع والجماعات المسلحة الأخرى في جميع أنحاء سوريا.

ومن الانتهاكات التي ذكرها التقرير، الاحتجاز التعسفي، والتعذيب، وسوء المعاملة، والعنف الجنسي والمبنى على النوع الاجتماعي، والإخفاء القسري، والاختطاف.

النظرة الأممية لتعامل النظام مع السوريين لم تتغير منذ شباط الماضي، إذ قال مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، إنه أبلغ رئيس النظام السوري، بشار الأسد، عام 2023، أن لديه فجوة ثقة مع شعبه، ويحتاج إلى إقناعه بأنه يستطيع الثقة به، موضحًا أنه لا يستطيع أن يخبر الدول الغربية بكيفية التعامل مع الأسد.

وفي أحدث إحاطاته أمام مجلس الأمن، أشار المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، في 30 من أيار، إلى وجود عقبات تحول دون العودة الآمنة والطوعية والكريمة للاجئين ومنها مخاطر مرتبطة بالحماية، والأمن والعقبات القانونية.

ما وراء التعميمات

الخبير الأردني بالأمن الاستراتيجي عمر الرداد، يرى أن الهدف من تعميمات كهذه مزدوج، كونها موجهة للشعب السوري في الداخل والخارج، وتأتي في سياق إعادة إقناع السوريين بأن تغييرات حقيقية تجري تتضمن استجابات لمطالب شعبية، مع الإشارة إلى أن سجل النظام السوري حافل بتجاوزات وانتهاكات موثقة وقرارات قضائية في محاكم أوروبية وغربية تتضمن اتهامات بجرائم ضد الإنسانية وتعذيب وإعدامات وقتل خارج إطار القانون.

وقال الرداد لعنب بلدي، إن مستويات الثقة تكاد تكون معدومة لدى غالبية السوريين بما يصدر عن النظام، كما تبقى أي اجراءات جديدة مرتبطة بتطبيقها على أرض الواقع، وستخضع لمتابعة وتدقيق من قبل العديد من المنظمات الدولية والحقوقية.

وبرأي الرداد، فإن الأسد يدرك أنه دون تغييرات وقرارات جديدة تتضمن تحقيق الحد الأدنى من مطالب الشعب السوري، سيبقى معزولًا من المجتمع الدولي دون استبعاد أن ضغوطات عربية مورست على النظام السوري في إطار “إعادة تأهيله” وتقديمه للمجتمع الدولي الذي ما زال يشكك في جدوى التطبيع مع الأسد.

الباحث في معهد “الشرق الأوسط”، تشارلز ليستر، قال في 30 من أيار، عبر مادة منشورة في مجلة “FP“، إنه بعد مرو عام على عودة الأسد إلى الجامعة العربية، شارك الأسد مجددًا في قمة البحرين، ولم يسمح له بالحضور إلا بشرط التزام الصمت طوال الوقت، لأن الجهود التي بذلتها الدول العربية لإخراجه من العزلة وجعل نظامه لاعبًا مسؤولًا جاءت بنتائج عكسية تمامًا.

ولم يقتصر الأمر على فشل الدول العربية في إقناع الأسد بتقديم أي تنازلات، وفق ليستر، بل تفاقمت كل جوانب الأزمة السورية منذ دخول الأسد إلى الأراضي السعودية في أيار 2023.

الباحث أشار إلى تحديد “المبادرة الأردنية” خمس أولويات يتعين إنجازها من خلال عمل ما بات بعرف باسم “لجنة الاتصال العربية” لكن العمل على هذه القضايا لم يبدأ مطلقًا، ولم تذهب عملية “خطوة مقابل خطوة” المتصورة للتنازلات المتبادلة، أبعد من موجة زيارات رفيعة المستوى إلى دمشق في بداية 2023، وعودة إلى الجامعة العربية، دون تقدم في العملية السياسية، مع رفض النظام الواضح للمشاركة بأي عملية سياسية مستقبلية، وفق ما أبلغ العرب.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة