tag icon ع ع ع

جنى العيسى | هاني كرزي

لم يشفع تزايد حجم الاحتياجات الإنسانية للسوريين أمام الدول المانحة في مؤتمر “بروكسل” بنسخته الثامنة في حشد تعهدات مالية تلبي هذه الاحتياجات.

على النقيض من ذلك، انخفضت قيمة التعهدات المالية التي أعلنتها الدول المانحة ضمن المؤتمر بمعدل 2.1 مليار يورو، مقارنة بالتعهدات المعلنة في 2023.

انخفاض قيمة التعهدات المالية جاء في ظل برود أوروبي رسمي أمام موجة التطبيع العربي مع النظام السوري، ووسط انقسام أوروبي حيال تصنيف سوريا كدولة آمنة بهدف ضمان عودة اللاجئين إليها.

تناقش عنب بلدي في هذا الملف مع خبراء ومتخصصين أسباب انخفاض التعهدات المالية ضمن المؤتمر الأوروبي، وما يرافق ذلك من احتمالية حدوث أي انزياح سياسي في الموقف الأوروبي، مع الإشارة إلى آثار ذلك على المستوى السياسي وملف اللاجئين.

انزياح أوروبي أم تململ؟

فتح انخفاض قيمة التعهدات المالية ضمن مؤتمر “بروكسل” الثامن لدعم مستقبل سوريا والمنطقة، الباب أمام تساؤلات حول الموقف الأوروبي من الملف السوري، واحتمالية انزياحه عن هذا الملف، أو حدوث أي تغيير مستقبلي في موقفه المناهض للنظام السوري.

وتعهدت الدول المشاركة في مؤتمر “بروكسل 8” بتقديم مساعدات مالية بقيمة 7.5 مليار يورو، في انخفاض قدره 2.1 مليار يورو عن تعهدات العام الماضي، إذ بلغ حجم التعهدات 9.6 مليار يورو، في 2023.

وخلال هذا العام كان لافتًا تخفيض الاتحاد الأوروبي قيمة المساعدات المالية عن العام الماضي، رغم بقائه في صدارة الدول ذات الحصة الأكبر من التعهدات.

وأعلن الاتحاد الأوروبي عبر موقعه الرسمي، أنه تعهد خلال مؤتمر “بروكسل 8” بمبلغ 2.12 مليار يورو لهذا العام، بينما بلغت التعهدات الأوروبية العام الماضي 3.8 مليار يورو.

“هيئة التفاوض السورية” انتقدت الدول الداعمة في المؤتمر، وعلق رئيسها بدر جاموس، في منشور له عبر “فيس بوك“، أن “احتياجات السوريين الأساسية أكبر بكثير من المساعدات المعلنة في بروكسل، فالوضع الإنساني والصحي والتعليمي يزداد سوءًا وكارثية يومًا بعد يوم”.

بدوره، قال رئيس “الائتلاف السوري” المعارض، هادي البحرة، في بيان، إن حجم الوعود المعطاة في “بروكسل” انخفضت عن الأعوام السابقة، كما أنها “بعيدة جدًا عن الوفاء بالحجم الحقيقي للاحتياجات الإنسانية”، معربًا عن أمله في أن تصل المعونات لمستحقيها الفعليين.

انخفاض التعهدات الأوروبية كان أحد المؤشرات التي بدأت تنذر بوجود انزياح أوروبي عن الملف السوري، ففي الوقت الذي رفع فيه الاتحاد الأوروبي شعار اللاءات الثلاث (لا للتطبيع، لا لرفع العقوبات، لا لإعادة الإعمار) حتى الوصول لحل سياسي، يعمل في المقابل على دعم مشاريع “التعافي المبكر” التي يشتبه باستفادة النظام السوري منها سياسيًا.

المدير التنفيذي لمنظمة “بيتنا سوريا”، أسعد العشي، قال لعنب بلدي، إن مشاريع التعافي المبكر في سوريا ليست جديدة، بل بدأت أوروبا بدعمها منذ عام 2014، تحت مسميات مختلفة كدعم الصمود وتعزيز الاستقرار، وإلى اليوم ما زال الاتحاد الأوروبي مستمرًا بنفس النهج لدعم تلك المشاريع تحت مسمى “التعافي المبكر”، وليس من أجل إعادة الإعمار.

واعتبر العشي الذي حضر مؤتمرات “بروكسل” السابقة، أن الاتحاد الأوروبي كان موقفه فاترًا جدًا من صندوق “التعافي المبكر” الذي أطلقته الأمم المتحدة مؤخرًا، لأنه كان متخوفًا من استغلال هذا الصندوق من قبل النظام لخدمة أجنداته وإعادة الأعمار، ما يعني أن أوروبا متمسكة باللاءات الثلاث، وفق رأيه.

ويرى العشي أن لا مؤشرات على انزياح أوروبي عن الملف السوري، بل هناك تململ وفقدان للصبر، بسبب تعنت النظام السوري وعدم انخراطه في عملية سياسية جدية بعد مضي أكثر من 13 عامًا على اندلاع الثورة السورية.

وأعلنت الأمم المتحدة، في منتصف نيسان الماضي، أنها تنوي إطلاق صندوق خاص لـ”التعافي المبكر” في سوريا، بهدف إقامة مشاريع في عدد من القطاعات قبل حلول الصيف المقبل، على أن يتم تمويل هذه المشاريع من بعض المانحين غير التقليديين كدول الخليج.

وقال منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سوريا، آدم عبد المولى، في مراسلة إلكترونية سابقة مع عنب بلدي، إن أمانة الصندوق يجب أن تكون خارج سوريا، بغية حماية “التعافي المبكر” من أي محاولة للتسييس.

منسق الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل خلال مؤتمر "بروكسل" - 28 من أيار 2024 (الاتحاد الأوروبي)

منسق الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل خلال مؤتمر “بروكسل” – 28 من أيار 2024 (الاتحاد الأوروبي)

لا ضغط كافٍ

الباحث السوري الحاصل على ماجستير في إدارة النزاع والعمل الإنساني، محمود الحسين، قال لعنب بلدي، إن موقف الاتحاد الأوروبي من الأزمة السورية كان واضحًا لناحية تحديد سوريا غير آمنة لعودة اللاجئين، أو لضرورة زيادة حجم المساعدات لتلبية الاحتياجات المتسارعة.

بينما يرى الحسين أن المشكلة في الموقف الأوروبي تكمن في غياب الضغط من أجل التوصل لحل سياسي، فيما تقوم السياسة حاليًا على احتواء النزاع وضبطه ضمن الحدود السورية فقط لا غير، تخوفًا من موجة لجوء جديدة نحو أوروبا.

وفسر الباحث الانقسام الأوروبي حول ملف اللاجئين السوريين بوجود أسباب داخلية لدى البلدان كإيطاليا والنمسا وقبرص، التي تحاول إعادة علاقاتها مع النظام، أو تسعى لتقييم سوريا آمنة لعودة اللاجئين، وذلك نتيجة وصول اليمين إلى الحكم.

فرصة للحل

ليس هناك إجماع داخل الاتحاد الأوروبي حيال الوضع في سوريا، وتطالب ثماني دول أعضاء (النمسا، جمهورية التشيك، قبرص، الدنمارك، اليونان، إيطاليا، مالطا، بولندا) بإعادة تقييم الظروف في سوريا لكي تتم الإعادة “الطوعية” للاجئين إلى وطنهم.

ولكن لا يبدو أن هذه الأقلية استطاعت إقناع بقية الدول الأعضاء بتغيير الموقف من قضية اللاجئين السوريين، كما يظهر في المقررات النهائية لمؤتمر “بروكسل”، ولو أن انخفاض مستوى التعهدات المالية الأوروبية سيزيد من معاناة السوريين، بحسب ما يرى الأكاديمي السوري- الكندي فيصل عباس محمد، الحاصل على دكتوراه في الدراسات الشرق أوسطية.

وأوضح فيصل عباس محمد، في حديث إلى عنب بلدي، أنه ربما وراء الصمت الأمريكي- الأوروبي النسبي عن مسيرة التطبيع العربي الرسمي مع النظام السوري، إعطاء هذه العملية فرصة ما، ولكن هذا الموقف الغربي لم يُترجَم إلى مباركة صريحة بتطبيع لا يبعث على التفاؤل من حيث النتائج المأمولة.

ويعتقد الأكاديمي أن تخفيض حجم التعهدات قد يرتبط بعدة عوامل، منها نفاد صبر الأوروبيين وفتور حماستهم حيال “أزمة” طالت أكثر من توقعاتهم.

كما يزداد اعتماد دول الاتحاد الأوروبي على مسار آخر موازٍ للمساعدات، وهو مسار الإغراءات المالية وهي أقرب ما تكون إلى الرشى لبعض أنظمة المنطقة (لبنان، مصر، ليبيا، تونس)، للحد من تدفق اللاجئين إلى القارة الأوروبية، بغض النظر عن الأساليب غير الإنسانية التي تتبعها هذه الدول بالتعامل مع اللاجئين، وفق تعبير الدكتور فيصل عباس محمد.

 

قد يشكل هذا التقليص في الدعم المالي وسيلة ضغط أوروبية على الحليف الأمريكي و”أصدقائه” في المنطقة العربية لكي يُظهروا جدية أكثر في إنهاء الصراع في سوريا وتأمين عودة اللاجئين إليها.

كما يُستدلّ من المطالبة الصريحة لمسؤول العلاقات الخارجية، جوزيب بوريل، والموجَّهة للولايات المتحدة وحلفائها من الأنظمة العربية لاستخدام نفوذهم السياسي بأنها محاولة لإعطاء دفعة جديدة للعملية السياسية في سوريا.

فيصل عباس محمد

أكاديمي سوري- كندي

 

من يوم "الحوار" في مؤتمر "بروكسل" الثامن- أيار 2024 (الاتحاد الأوروبي)

من يوم “الحوار” في مؤتمر “بروكسل” الثامن- أيار 2024 (الاتحاد الأوروبي)

موقف أمريكي

يقود السياسة الأوروبية

لا يمكن عزل احتمالية الانزياح الأوروبي في الملف السوري عن الموقف الأمريكي الذي بدأ يتغير خلال السنوات الماضية، وكان منعطف هذا التغير حين صرح المبعوث الخاص لوزير الخارجية الأمريكي إلى سوريا، جيمس جيفري، أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى تغيير النظام في سوريا، ولكنها مهتمة بتغيير سلوكه أولًا، في عام 2018.

الاتحاد الأوروبي كان حريصًا على التماهي مع الموقف الأمريكي تجاه سوريا، ففي عام 2021 تبنى الاتحاد الأوروبي ذات الموقف الأمريكي حول التأكيد على ضرورة تغيير سلوك الأسد بدلًا من تغيير النظام نفسه.

وقال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، خلال مؤتمر بروكسل الخامس، إنه لا بد أن يتخذ النظام السوري قرارًا واضحًا بتغيير سلوكه، وتغيير أسلوب تفاعله مع بقية بلدان العالم، وذلك خلال تصريح له لصحيفة “الشرق الأوسط“.

تغيّر الموقف الأمريكي مع النظام السوري عاد ليتضح أكثر بعد تجميد الرئيس الأمريكي، جو بايدن، قانون مناهضة التطبيع مع النظام رغم موافقة مجلس النواب عليه في نيسان الماضي.

الصحفي والكاتب السوري إبراهيم حميدي، قال في مقال رأي له في مجلة “المجلة” تحدث عن تغير الموقف الأمريكي من التعاطي مع الملف السوري، إن مسؤول الشرق الأوسط بريت ماكغورك لا يريد “تكبيل يديه” في التفاوض مع دمشق، ولا يريد التدخل في خيارات حلفاء أمريكا، لذلك تدخل باسم الرئيس بايدن لمنع تمرير مشروع قانون مناهضة التطبيع العربي مع النظام.

حميدي تحدث في مقاله عن وجود انقسام أوروبي إزاء التعاطي مع دمشق، ففي الوقت الذي خطت فيه عدة دول، مثل إيطاليا وقبرص واليونان، خطوات إضافية للتطبيع الدبلوماسي مع النظام، كان هناك تشدد من فرنسا وألمانيا وبريطانيا تجاه الأسد، وهو ما تُرجم من خلال المحاكمات التي تجري لمسؤولين سوريين في أوروبا، لكن الواضح أن رياح التطبيع مع الأسد تهبّ في أكثر من اتجاه، لدرجة أن أمريكا ودولًا أوروبية لم تعد تعرقل قنوات التواصل مع دمشق.

وفي هذا السياق، قال مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، إن الموقف الأمريكي منذ تسلّم بايدن الحكم بدأ يتراجع تجاه الملف السوري، ولكن هذا التراجع ليس بسبب تغيّر موقف واشنطن من الأسد، بل نتيجة ظهور أولويات أخرى مثل أوكرانيا، إضافة إلى أن أمريكا لم تعد تجد الملف السوري باهظ الثمن ومفيدًا جدًا لها، لأن الإمساك بهذا الملف يحتاج إلى رأس مال سياسي، وضغط على النظام أو حلفائه، إلى جانب التنسيق مع روسيا الذي أصبح صعبًا بعد حرب أوكرانيا، لذا وجدت أمريكا أنها ليست مستعدة لتقديم تنازلات من أجل الملف السوري.

وأضاف العبد الله أنه بعد الفشل بالوصول إلى حل سياسي وتغيّر موازين القوى على الأرض، فإن الاتحاد الأوروبي دون انخراط أمريكي مباشر في الملف السوري، لن يستطيع دعم القضية السورية لا بعمل عسكري ولا بضغط سياسي ولا بمفاوضات من أجل إحداث تغيير سياسي.

لذا مع تراجع الموقف الأمريكي تجاه سوريا، فإن الاتحاد الأوروبي لم تعد لديه أوراق ضغط أكثر من الولايات المتحدة، وبالتالي هذا الموقف انعكس إلى حد ما على تعهدات بروكسل وأسهم في تراجعها، وفق العبد الله.

انقسام أوروبي حيال اللاجئين

بوادر الانزياح الأوروبي عن الملف السوري تجلت كذلك من خلال طريقة التعاطي مع ملف اللاجئين، إذ بدأت بعض الدول الأوروبية تتجه نحو تصنيف مناطق في سوريا على أنها “آمنة” بغية ترحيل اللاجئين إلى بلدهم، وعدم قبول طلبات إقاماتهم.

وفي أيار الماضي، طالبت حكومات ثماني دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي بإعادة تقييم الوضع في سوريا للسماح بـ”العودة الطوعية” للاجئين السوريين إلى وطنهم، وفق ما ذكرته وكالة “أسوشيتد برس”.

واتفقت كل من النمسا وجمهورية التشيك وقبرص والدنمارك واليونان وإيطاليا ومالطا وبولندا على إعادة تقييم “المناطق الآمنة” في سوريا لإيجاد “طرق أكثر فعالية للتعامل” مع اللاجئين السوريين الذين يحاولون الوصول إلى الاتحاد الأوروبي، وذلك خلال مؤتمر للهجرة عُقد في العاصمة القبرصية نيقوسيا.

وحذرت قبرص التي ترأست المؤتمر من أن عودة اللاجئين ستكون في البداية على أساس طوعي، لكن ذلك قد يتطور إلى عودة قسرية في مرحلة لاحقة.

وجاء هذا الاتفاق غداة دعوة 15 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي جميع الأعضاء الـ27 لتعزيز الشراكات مع الدول الواقعة على طول طرق الهجرة على أمل تجنب محاولات الوصول إلى أوروبا.

ومنتصف أيار الماضي، اعتبر وزير الداخلية في النمسا، غيرهارد كارنر، أن محافظة اللاذقية “آمنة”، واقترح ترحيل اللاجئين السوريين إليها في المستقبل، وذلك خلال لقاء نشره موقع “Welt” النمساوي.

وقال كارنر النائب عن “حزب الشعب” الحاكم، إن وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي بدؤوا بمناقشة إعادة اللاجئين السوريين والأفغان إلى بلدانهم الأصلية.

وأشار الوزير إلى أنه في حالة سوريا، “سأذهب إلى أبعد من ذلك، فمحافظة اللاذقية على سبيل المثال تعتبر آمنة تمامًا، فلماذا لا نعيد السوريين إلى هناك في المستقبل؟ يجب ألا تكون هناك محرمات زائفة”.

الخطوة النمساوية سبقتها عليها قبل سنوات الدنمارك، ففي عام 2021 قررت الحكومة الدنماركية سحب تصاريح الإقامة لحوالي 100 لاجئ سوري وطالبتهم بالعودة إلى بلادهم، بزعم أن دمشق أصبحت مدينة “آمنة”.

وفي آذار 2023، انضمت اللاذقية إلى دمشق ضمن قائمة المناطق الآمنة في سوريا، بحسب ما أكد قرار السلطات الدنماركية، والهدف من توسيع رقعة “الأماكن الآمنة” هو إعادة اللاجئين السوريين، ما أثار قلق مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.

مؤشرات الانزياح الأوروبي فيما يخص التعامل مع ملف اللاجئين، تجلى كذلك من خلال اتخاذ الاتحاد الأوروبي سلسلة قرارات جديدة، منها الاتجاه نحو استقبال المهاجرين كعمال وليس كطالبي لجوء.

المجلس الاتحادي في ألمانيا وافق على قانون مواصلة تطوير هجرة العمال المهرة في 7 من تموز 2023، على أن يدخل حيز التنفيذ في حزيران 2024.

وأكد المستشار الألماني، أولاف شولتز، أهمية أن تحصل ألمانيا بالفعل على عمالة ماهرة، مضيفًا، “نحن بحاجة إلى قانون هجرة العمال المهرة الأكثر حداثة في الاتحاد الأوروبي، وإذا كان لدى الأشخاص خبرة مهنية أو إمكانات شخصية، فسنمكنهم من الحصول على موطئ قدم في سوق العمل لدينا”، وفق ما ذكره موقع “الحكومة الفيدرالية” الألمانية.

وكشفت الحكومة الألمانية، في تشرين الثاني 2023، عن خطتها المؤلفة من عشر نقاط لمواجهة الزيادة في أعداد اللاجئين من خلال تشديد إجراءات سياسة الهجرة، بما في ذلك تقييد المساعدات المالية المقدمة.

من يوم "الحوار" في مؤتمر "بروكسل" الثامن- أيار 2024 (الاتحاد الأوروبي)

من يوم “الحوار” في مؤتمر “بروكسل” الثامن- أيار 2024 (الاتحاد الأوروبي)

لاجئو دول الجوار متأثرون

لن يرضي انخفاض قيمة التعهدات المالية في مؤتمر “بروكسل” دول جوار سوريا، حيث يقيم العدد الأكبر من اللاجئين السوريين، في دول لبنان والأردن وتركيا والعراق ومصر.

انخفاض التعهدات جاء في حالة غياب استقرار يعانيها اللاجئون في هذه البلدان، إلى جانب تضخم اقتصادي وأزمات مالية عديدة تعانيها هذه الدول قد ينسبها البعض إلى أعداد اللاجئين التي تفوق قدرة البلد المستضيف على التحمل.

ووسط حملات ممنهجة تمارسها الدول بهدف ترحيلهم تعسفيًا، في ظل تضاعف خطاب الكراهية، قد يدفعون إلى العودة إلى سوريا هربًا من هذه الضغوط.

وقد حمل مسؤولو هذه الدول خطابها حيال اللاجئين إلى مؤتمر “بروكسل 8″، إذ رفعت الشكوى من زيادة الضغط عليها جراء وجود اللاجئين السوريين.

وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، صرح بأن بلاده لن تتمكن من مواصلة تقديم الخدمات للاجئين السوريين، بما في ذلك الخدمات التعليمية لأبنائهم.

كما لم يتوانَ وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بوحبيب، عن اقتراح نقل اللاجئين السوريين إلى بلد ثالث، في تصريح يتزامن مع اشتداد حملات الترهيب والملاحقة والتهجير القسري لهؤلاء اللاجئين.

تخفيض المساعدات المالية سيفاقم من معاناة اللاجئين السوريين على الأصعدة الاقتصادية والإنسانية والأمنية في الدول المضيفة، ويعطي ذريعة أخرى للمسؤولين في دول الجوار لزيادة التضييق على هؤلاء اللاجئين والضغط عليهم للعودة إلى حيث يواجهون مصيرًا محتومًا على يد النظام السوري، وفق ما أكد الباحث السوري- الكندي فيصل عباس محمد.

سوريا أولًا.. منح تفوق تعهدات 2023

أظهر تقرير التتبع المالي الصادر عن الاتحاد الأوروبي في أيار 2024، أنه خلال العام الماضي (من حزيران 2023 وحتى كانون الأول 2023)، أسهمت الجهات الدولية المانحة ضمن مؤتمر “بروكسل” السابع بمبلغ 5 مليارات يورو لعام 2023 لسوريا ودول المنطقة الأكثر تضررًا من الأزمة السورية (الأردن، لبنان، تركيا، العراق، مصر)، وبالتالي تحقيق 109% من تعهدات المؤتمر الأصلي التي بلغت حينها 4.6 مليار يورو.

وبالنسبة للتعهدات المرصودة منذ العام الماضي لعام 2024، بلغت نسبة التعهدات الممنوحة 1.3 مليار يورو وهو رقم إضافي عن الرقم الذي كان مرصودًا ومحددًا بمليار يورو فقط.

بينما تم توفير ملياري يورو على شكل قروض لعام 2023 وما بعده، ما يعني تلبية 52% من التعهد الأصلي على شكل قروض لحكومات البلدان المضيفة للاجئين.

من بين البلدان المدعومة، تلقت سوريا أكبر حصة مساهمة لعام 2023 بقيمة ملياري يورو، واستفادت سوريا أيضًا من 68 مليون يورو على شكل منحة لعام 2024 وما بعده.

وحصل لبنان على ثاني أكبر مبلغ عام 2023 من مساهمات المنح بمبلغ 938 مليون يورو.

فيما تلقت تركيا 892 مليون يورو من مساهمات المنح لعام 2023، كما حصل الأردن على 667 مليون يورو لعام 2023، وكان صاحب أكبر عدد من مساهمات المنح لعام 2024 وما بعده بمبلغ 675 مليون يورو.

بينما حصلت مصر على مساعدات في 2023 بقيمة 82 مليون يورو، وهو ما يتجاوز ثلاثة أضعاف تعهد المؤتمر المقرر لمصر وقدره 25 مليون يورو.

صورة تذكارية للمشاركين في مؤتمر بروكسل الثامن حول سوريا- 27 من أيار 2024 (EBA)

صورة تذكارية للمشاركين في مؤتمر بروكسل الثامن حول سوريا- 27 من أيار 2024 (EBA)

سوريا خارج الأولويات الدولية

رغم تراجع التعهدات المالية الدولية عمومًا والأوروبية خصوصًا هذا العام في مؤتمر “بروكسل 8″، فإن مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، قال في تصريح صحفي، إن الاتحاد الأوروبي يقف إلى جانب الشعب السوري والمجتمعات المضيفة له، ولا شك أن التحديات الرهيبة التي تواجهها المنطقة اليوم لا يمكن أن تصرف انتباهه عن الاستمرار في الضغط من أجل التوصل إلى حل سياسي، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم “2254”.

وكالة “أسوشيتد برس” علّقت على تراجع تعهدات المانحين هذا العام بأنه مؤشر على استمرار إرهاق المانحين، حيث يتركز اهتمام العالم على الصراعات في أماكن أخرى، بما في ذلك الحروب في أوكرانيا والسودان وغزة.

مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، يرى أن التعهدات في بروكسل تراجعت بسبب وجود قضايا أخرى حول العالم جعلت الملف السوري يتراجع خطوة إلى الخلف على قائمة الأولويات بالنسبة لأوروبا، وعلى رأسها حرب أوكرانيا التي كلّفت الكثير ماليًا من أجل تقديم الدعم العسكري والإغاثي، إلى جانب النفقات التي تكبدها الاتحاد الأوروبي لاستضافة اللاجئين الأوكرانيين.

وأضاف العبد الله لعنب بلدي، أن حرب غزة أصبحت إحدى القضايا البارزة التي طغت على سلم الأولويات بالنسبة للاتحاد الأوروبي، الذي سيلعب غالبًا دورًا رئيسًا في إعادة إعمار غزة، إلى جانب ملفات أخرى كاستضافة المهاجرين الأفغان الذين اتجهوا نحو أمريكا وأوروبا، وحدوث موجة هجرة من معظم الدول التي فيها نزاعات إلى الاتحاد الأوروبي.

مدير منظمة “بيتنا سوريا”، أسعد العشي، تحدث كذلك عن أسباب تراجع تعهدات المانحين هذا العام قائلًا، إنه بعد مضي أكثر من 13 سنة على الثورة السورية، صارت هناك ضغوط تمارس على الدول المانحة من قبل مواطنيها ودافعي الضرائب، بغية دفعها للتركيز على قضايا أكثر إلحاحًا من سوريا، ومنها أوكرانيا كونها دولة في أوروبا، وبالتالي أصبحت كييف إلى جانب غزة أولوية أكثر من سوريا.

ولفت العشي إلى أن تراجع المانحين بتقديم الدعم لسوريا هذا العام كان متوقعًا، مع توالي الأزمات في كل أنحاء العالم، لكن انعقاد المؤتمر بحد ذاته يعتبر إنجازًا في ظل الظروف الدولية الحالية، وفق رأيه.

وأضاف العشي أن الاتحاد الأوروبي تعلّم من درس غزة، بعدما وجد أن تجميد الصراع فكرة خاطئة، وأنه كان عليه معالجة جذور الصراع هناك قبل أن ينفجر في تشرين الأول 2023، وفي ضوء ذلك ستواصل أوروبا الاهتمام بالملف السوري، لأنها تعلم أن التخلي عن دعم هذا الملف سياسيًا وماليًا، سيتسبب في انفجار الوضع هناك كما حصل في غزة، وربما يولّد موجة لجوء ضخمة إلى أوروبا وتبعات أخرى كارثية.

الباحث السوري الحاصل على ماجستير في إدارة النزاع والعمل الإنساني، محمود الحسين، قال لعنب بلدي، إن لتراجع قيمة التعهدات المالية عدة أسباب، أبرزها أن الأزمة الإنسانية في سوريا أصبحت بنظر المانحين أزمة معقدة رغم ازدياد الوضع سوءًا سنة بعد سنة، بسبب الاستعصاء السياسي في البلاد.

وأشار الحسين إلى وصول المانحين إلى مرحلة “ملل الداعم” نتيجة ظهور أزمات دولية وأولويات جديدة له، ما يفرض عليه تقليص الدعم تجاه أزمة ما نتيجة لتفاعلات سياسية دولية.

تعهدات المانحين لدعم سوريا خلال مؤتمرات بروكسل الثمانية

مقالات متعلقة