تعا تفرج
لا نقبل بحدود “سايكس- بيكو”
خطيب بدلة
يضحكني الرجل السوري، المقيم في مدينة أوروبية. لماذا؟ لأن نهاره يكون مزدحمًا بتجديد الإقامة، وطلب الجنسية، ونزول راتب “الجوب سنتر” في “الكونتو”، ومراجعة مدارس الأولاد، ومواعيد الفحوص الطبية، ومع ذلك يدخل، في المساء، إلى أحد “لايفات تيك توك”، ويبدأ الزعيق في الشأن السوري: نحن ثوار، ونحن أحرار، وفلان عوايني، وعلان مأجور، وفليتان عميل، سنحاكمه، لن نسامحه… وقبل أن يطق له عِرْق بقليل، تكون سيرة حدود سوريا المستقبلية قد فتحت، فيصيح: لا أقبل بالحدود التي رسمها المستعمرون، باتفاقية “سايكس- بيكو”. على جثتي!
لا تزعلوا مني، أيها الأصدقاء، إذا قلت لكم إن معظمنا، نحن السوريين (الذين نكتب اسم بلادنا ع الشمس اللي ما بتغيب)، لا نعرف عن سوريا إلا القليل، ونجهل اتفاقية “سايكس- بيكو” التي نرفضها بشدة، نفسها، وأما الشيء الذي ذكرتُ في البداية أنه يضحكني، فهو أن ما ينطبق علينا، في هذه الحالة، هو ذلك السؤال المحمل بالتهكم: هُوَّ إحْنا طايلين؟ يعني، يا حبيب قلبي، لو اتفق السوريون الجالسون في مناطق النظام، مع المقيمين في المناطق التي يحكمها تنظيم “القاعدة” في الشمال، مع جماعة شرق الفرات، مع ثوار السويداء، بالإضافة إلى اللاجئين في مخيمات دول الجوار، واللاجئين في الدول العربية والأوروبية والأمريكية، جميعهم، على القبول بحدود “سايكس- بيكو”، هل يستطيعون الوصول إليها؟ لا طبعًا.
يختلط الحابل، في ثقافتنا، نحن السوريين، بالنابل، وعباس بدباس، والمثقف الفهمان منا يوجد في داخله ليبرالي، علماني، ديمقراطي، تنويري، مُطَعَّم على قومي بعثي أو ناصري، وفي قعر نفسه بقايا إخوانجي، مع رشة داعشي.. هذا “الرجل/التشكيلة” يعرف عن مكة ويثرب والأقصى، أكثر مما يعرف عن الجولان وحلب والساحل، وبينما هو يسير في مظاهرة تندد بدكتاتورية بشار الأسد، تراه يشيد، فجأة، بصدام حسين، وهو لا يعتبره دكتاتورًا، بل بطلًا صنديدًا، وقف في وجه المتآمرين، العملاء، صدام، أسد السنة الذي أقام سدًا منيعًا في وجه الفرس المجوس، ولذلك يغني له على القافية “علمنا صدام حسين، نموت وتحيا فلسطين”، ثم، وبنترة حماس مفاجئة، يتابع سيره في المظاهرة، ويهتف: عالقدس رايحين، شهداء بالملايين.
المثقف السوري الفهمان نفسه، يتحدث باسم الملايين، ويذهب بهم ليموتوا من أجل القدس، ويؤيد حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ويعتبرها جزءًا من حركة المقاومة الوطنية الفلسطينية، ولكنه، في بعض الأحيان يتذكر أنه سوري، فتراه يصطدم، في “لايف تيك توك” آخر، بمجاهد عربي فلسطيني، فيصيح به: أنا سوري غصبًا عنك، وآكل على راسك بالطبق.. وإذا رد عليه الآخر: أنا حمساوي وآكل على راسك بالطبق، ينتفش كديك هندي، معتزًا، بسوريته، ويقول له: أنت حمساوي، صحيح، ولكن قادتك يترحمون على قاسم سليماني، الذي كان يقتلنا نحن السوريين، وعيونهم أصبحت مثل أقداح الدم حزنًا على إبراهيم رئيسي وحسين عبد اللهيان.
المشكلة اليوم، أن السوري قد تحول إلى شخص غير مبالٍ، يقول كلامًا هنا، ويطلق تصريحًا هناك، وإذا عاتبتَه على شيء مما قاله، ينكر، ليس لأنه يريد الإنكار، بل لأنه لا يتذكر ما قال.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :