عنب بلدي – نور الحاج
“لا أستطيع التحكم بنفسي، عندما تراودني أفكار ومخاوف عن زوجي، حول احتمالية خسارتي له، أو تواصله بطريقة خاصة مع غيري، أكانت زميلته في العمل، أو غير ذلك، فأبدأ بتتبع حساباته على مواقع التواصل، فقط كي أطمئن، حتى إني حفظت رمز هاتفه وأفتحه متى شئت، لأراقب محادثاته، وطريقة كلامه مع النساء، عندما ينام، أو ينسى الجوال في البيت”.
تتحدث رنا (40 عامًا)، ربة منزل تقيم في ولاية غازي عينتاب التركية، أنه رغم ثقتها بحب زوجها لها، وإخلاصه، فإنها تخشى قيام إحدى “الفتيات اللّعوبات”، حسب وصفها، بإيقاعه في حبائلها، أو استغلاله وتخريب علاقتهما، فبرأيها، زوجها مرغوب وكريم، و”البنات بهالزمن شو بيهمهن أكتر من شب حليوة ومعه مصاري، ما عادت القصص متل زمان”.
الغيرة وضعف الثقة
يتشارك فاطر (47 عامًا) مع رنا الدوافع، فيؤكد ثقته بزوجته، وعدم شكه بها على الإطلاق، غير أن شيئًا ما داخله يدفعه نحو مراقبة هاتفها واختراق حساباتها على مواقع التواصل، “لعله الغيرة”، حسب قوله.
وأضاف فاطر، الذي يعمل في محل بقالة بمدينة اللاذقية، أنه يزداد طمأنينة عندما يقرأ محادثات زوجته دون علمها، ويرى كيف تتعامل مع الجنس الآخر بكل احترام وجديّة، ويعترف بحظر بعض الأشخاص “غير اللبقين” برأيه، أحيانًا، ودون أن يشعرها، حتى عندما اكتشفت حظر أحدهم، قال فاطر، “تصرفتُ وكأنه لا صلة لي بالأمر”.
تميز الاختصاصية النفسية آلاء الدالي بين جانبين في مسألة تجسس الشريكين، الأول يعود لأسباب ذاتية تتعلق بالشخص نفسه، وتنشئته، وثقافته، ووعيه، وذاكرته السلبية، وتجاربه السابقة، وثقته بنفسه، وبالطرف الآخر.
وفي حديث إلى عنب بلدي، قالت الدالي إن “الغيرة المرضية” في رأس قائمة الأسباب الذاتية لانتشار ظاهرة اختراق الهواتف والحسابات بين الجنسين، وكذلك الشك أو عدم الثقة بالنفس.
الحرب التي عاشها الناس في سوريا، وفقد أحد المقربين، مع التعلق الزائد بالشريك، “التعلق غير الصحي”، الأكثر شيوعًا عند المرأة منه عند الرجل، وخصوصًا التي لا تعمل، بنسبة أكبر، أسهمت أيضًا في تنامي “فوبيا الفقدان” عند كثير من السوريين، ممن يمتلكون استعدادًا، ويتجلى الأمر بصورة “تعلق مرضي”، ينجم عنه تخوف مستمر ومبالغ فيه، وغير مبرر، أحيانًا، من خسارة الشريك، يدفع نحو سلوك “الاختراق”، في سبيل منع هذا الفقد، أضافت الدالي معللة انتشار “الظاهرة”.
علامات الخطورة
المرأة التي لا تعمل، ولا تشغل وقت فراغها بصورة منتجة ومفيدة، تصبح شخصيتها أضعف، وعرضة للتأثر أكثر، ومنفعلة أكثر منها فاعلة، فتبدأ القصة عندها بالتفسيرات الخاطئة لكلمات أو علاقات أو سلوكيات الشريك، ومنها إلى الشكوك، والرغبة بالتجسس على كل صغيرة وكبيرة، حتى وإن لم تكن بتلك الأهمية، ويبدأ بعدها الربط بين الأحداث والتهيؤات وصولًا إلى الهلوسات، في حال ترك الأمر دون حوار بين الشريكين، ووضوح، أو تدخل لاختصاصي نفسي عند اللزوم، بحسب الاختصاصية النفسية آلاء الدالي.
هل هناك ما يبرر؟
بالإضافة إلى الأسباب الشخصية المتعلقة بـ”المتجسس” نفسه، هناك جانب آخر هو الأسباب المرتبطة بالشريك، الذي يقع عليه الاختراق، عندما يمتلك ماضيًا غير سليم، من الكذب أو الخيانة، أو على الأقل إخفاء الحقائق، ما يجعل الطرف “المتجسس” يشكك بما يقوله أو يفعله، أو يوضحه، حتى وإن كان صادقًا، في بعض تلك المواقف.
تروي الصحفية “سارة” (اسم مستعار)، 42 عامًا، تجربتها مع اختراق حسابات زوجها، وتقول إنها مدفوعة بسبب “خيانة زوجها السابقة”.
“في البداية، لم يكن يخطر في بالي مراقبة حسابات زوجي على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى لم أفكر وكنت أسخر من كل النساء اللواتي يقمن بهذا الفعل، حتى اكتشفت خيانته ورسائل الحب والغرام مع إحداهنّ من خلال (ماسنجر فيس بوك)، منذ ذلك اليوم، قبل نحو عام ونصف تقريبًا، ومراقبة حساباته باتت جزءًا من يومي تقريبًا”، قالت “سارة”.
وأضافت أنه لم يكن يبدي أي رد فعل، غالبًا إحساسه بالذنب أو الخوف من خسارة عائلتنا دفعه للتغاضي عن الموضوع، وتعتقد أن ذلك أثر سلبًا إلى درجة كبيرة أكثر من أثر الخيانة.
“قبل ستة أشهر تقريبًا، قررت التخلّي عن المراقبة، أحيانًا أنجح، وأحيانًا لا أستطيع”، قالت “سارة”.
تقوم أي علاقة على تحقيق عامل الأمان، وبفقده يحدث شرخ في العلاقة يؤثر على الطرف “المتجسس”، والطرف الواقع عليه التجسس، بذات السوء، وفق الاختصاصية النفسية آلاء الدالي.
فمن وجهة نظر علم النفس، العلاقات المتوازنة بين الرجل والمرأة، ليس فيها أشخاص ونشاطات مبهمة ومجهولة بالنسبة للطرف الآخر، والتوضيح هنا حق للشريكين، وواجب عليهما، حتى يجنبا العلاقة الفرضيات الأسوأ.
فسلوك بعض الرجال “الشرقيين” ممن ينكرون على المرأة مثلًا حق معرفتها مكان وجود شريكها مثلًا، أو طبيعة علاقته بأشخاص آخرين، أو توضيحه الغرض من حديثه وتراسله مع زميلته أو صديقة مقربة منه، كلها مما يوقع الشك في العلاقة، ويدفع بالطرف الآخر باتجاه تبرير “تجسسه”، وهنا يقع “الشك المشروع”، بحسب الاختصاصية الدالي.
شددت الدالي على أن الحل لتجنب الوقوع في “شرَك التجسس” هذا، أو القدرة على تجاوزه عند وقوعه، يبدأ من الاختيار الصحيح للشريك قبل الارتباط، ويلعب الوعي والثقافة والوضوح في العلاقة والصدق دوره في تخفيف مسبباته، والأهم من كل ذلك التواصل الصحي والمستمر بين الطرفين، لحل أي مشكلة وتخطيها، قبل تحولها لمصيبة.
مواقع التواصل.. قنوات الخيانة
الانفتاح الزائد على مواقع التواصل، والإنترنت، يسبب زيادة معدلات الخيانة، والمشكلات بين الزوجين، أو الشريكين عمومًا، واتساع مدار التشكيك والظنون، واحتمالات توقع الأسوأ، وكثيرًا ما يلجأ الشريك، رجلًا كان أو امرأة، بسبب هذا الانفتاح، للبحث والاختراق في هاتف وحسابات الطرف الآخر، بهدف تتبع سلوك الشريك، والتحقق من وقوع الخيانة بحقه من عدمه، ويرى سلوكه مبررًا لهذه الأسباب.
ومع ذلك، أكدت الدالي أنه لا شيء يمنع من احترام مساحة الآخر، وخصوصيته، وأن من حق كل طرف أن يكون لديه ما يحتفظ به لنفسه، ويكون هناك حوار عقلاني وتفسير من الطرفين لتصرفاتهما التي تؤثر على العلاقة.
وقالت إن “الاختراق” كسلوك موجود في كل المجتمعات المنغلقة والمنفتحة على اختلاف الثقافات والعادات، ففي الوقت الذي تفسر بعض الثقافات أو المجتمعات سلوكًا على أنه خيانة مثلًا، تتقبله أخرى، وتجد فيه حرية شخصية، ومساحة خصوصية.
كيف نتعامل مع الشريك “المخترق”
يعرف مستشار الأمن الرقمي بمؤسسة “سيكدف”، مهران عيون، في حديث إلى عنب بلدي الاختراق كمفهوم، على أنه كل دخول بشكل غير مشروع وغير مصرح به إلى الفضاء الإلكتروني الخاص بالضحية (الطرف الآخر)، ويشمل جميع المنصات والتطبيقات التي تستخدم من قبل الضحية وليس الأمر محصورًا فقط بوسائل التواصل الاجتماعي، ففي بعض الأحيان يتم اختراق السجلات الطبية والصحية والقانونية للضحية لهدف ما.
ويميز عيون بين النوع السابق من الاختراق وبين التجسس لأغراض الابتزاز أو استغلال ما يتم الوصول إليه من معلومات خلال عملية الاختراق.
ونبه مستشار الأمن الرقمي إلى أن الاختراق هو اختراق سواء تم من قريب أو بعيد، من عدو أو صديق، ويسمى وصولًا غير مصرح به لمعلومات وأجهزة وبيانات الضحية، وأكد أن الاختراقات التي تسجل ضمن الدوائر الاجتماعية المقربة تتصدر النسبة الأعلى على مستوى العالم.
عندما نكتشف الشريك المتجسس، يجب أن نتحاور لنفهم أسبابه ودوافعه لنحاول حلها بناء على الوضوح من الجانبين، وفي حال تكرار هذه المشكلة واستمرارها بتفسير التصرفات، واختلاق أحداث لم تحصل يجب اللجوء لمختص أو طبيب نفسي، لأن المسألة يجب أن تؤخذ بشكل جدي حتى لا تتحول لهلوسات، وتوهم ما لم يحصل.
قالت الاختصاصية النفسية آلاء الدالي، لذلك نسمع عن حالات جرائم أعقبت اختراق أحد الشريكين على هاتف وحسابات التواصل للطرف الآخر في العلاقة، ربما تطورت لتعقبه في تحركاته أيضًا، وتفسير أي كلام أو علاقة عمل وتواصل مع الجنس الآخر على أنه خيانة، ودليل على هذه الأوهام والتخيلات، وقد تنتهي لجريمة قتل.