“تقرير من الداخل”.. رسائل من الذاكرة والعقل
مطلع أيار الماضي، توفي بول أوستر، الكاتب الأمريكي الذي تنوعت كتاباته الروائية وسيناريوهات أفلامه بين الجريمة والهوية والانتماء والعبثية، وعلاقة كل ذلك بالمكان والزمان والجدوى ومعناها وغيابها في بعض الأحيان.
أصيب أوستر بسرطان الرئة في 2023، وتوفي في نيويورك، المدينة التي كتب عنها ثلاثيته الشهيرة “The New york trilogy”.
بين 30 كتابًا ترجمت إلى 40 لغة، عاش أوستر حياته في أمريكا وفرنسا، كاتبًا ومترجمًا، وبين المؤلفات الـ30، هناك كتابه “تقرير من الداخل”، الذي يعد جزءًا من السيرة الذاتية له، وصدرت نسخته العربية في 2023 عن دار “الرافدين للطباعة والنشر والتوزيع”.
السيارة لها ابتسامة تكشر من خلالها عن أسنانها، رجل عجوز يعيش على القمر ويمكن للبقرة أن تقفز فوقه، صورتان ظهرتا في الصفحات الأولى للكتاب، الذي يتجاوز فكرة أنه تجميع لبعض الصور في خيال الأطفال، إلى ما هو أبعد من ذلك.
الجملة الأولى بالكتاب “في البدء كان كل شيء حيًا”، هي العبارة التي تشبه حياة الإنسان، رويدًا رويدًا يبدأ كل شي بالموت، إلا الذاكرة التي تستمر مع الشخص طيلة حياته ولا مهرب منها، تكون سلاحًا في وجه أزماته تارة، وعدوًا يتربص به تارة أخرى، وما بينهما معارك كرّ وفرّ، وصديق يؤنس الوحدة.
خلال سنواته الطويلة، ترك أوستر عددًا كبيرًا من المؤلفات الأدبية والسينمائية، خارقًا كان بعضها وعاديًا بعضها الآخر، ومن خلال كتاب “تقرير من الداخل”، يمكن فهم سبب تصنيف أوستر على أنه من كتاب “ما بعد الحداثة”، ومنبع الأفكار المختلفة التي قدمها خلال سنوات حياته.
“لقد أغمتك حياة حال البائسين والمظلومين والمعدمين، ومع أنك كنت أصغر من أن تفهم أي شيء عن السياسة والاقتصاد، وأن تستوعب القوى الساحقة التي تمارسها الرأسمالية على من كانوا بالكاد يمتلكون أو لم يمتلكوا أي شيء، فإنك لم تحتج إلا إلى أن ترفع رأسك وتنظر حولك حتى تدرك أن العالم لم يكن عادلًا”.
الكتاب ببساطة سرد طويل وجميل، وكأن شخصًا ما التقى عجوزًا في مقهى، وقررا التسامر طويلًا في حديث ممتع لا يكاد ينتهي.
الصياغة والأسلوب اللذان اتبعهما مترجم الكتاب أحمد زياد ناصر، استطاع من خلالهما إيصال رسائل أوستر للإنسان، وإن كانت بعض المصطلحات المستخدمة “ثقيلة” على الأذن واللسان معًا، وقد يحتاج البعض إلى استخدام قاموس لفهمها، ما يربك السرد المستمر للقارئ.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :