التسعير بـ31 سنتًا للكيلو يثير اضطرابات شمال شرقي سوريا

“الإدارة الذاتية” تصب القمح في طاحونة النظام

أحد العاملين في صوامع القمح بمناطق سيطرة الإدارة الذاتية يتسلم أول دفعة من المحصول خلال العام الحالي- 29 من أيار 2024 (هاوار)

camera iconأحد العاملين في صوامع القمح بمناطق سيطرة الإدارة الذاتية يتسلم أول دفعة من المحصول خلال العام الحالي- 29 من أيار 2024 (هاوار)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – خالد الجرعتلي

أحدثت تسعيرة القمح التي حددتها “الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا تململًا في مناطق سيطرتها، إذ انتشرت الوقفات الاحتجاجية في مناطق متفرقة للمطالبة بالعدول عن السعر المحدد بـ31 سنتًا أمريكيًا للكيلوغرام الواحد، في وقت قالت فيه “الإدارة” إنها لن تتراجع عن قرارها.

المنطقة التي يعتبر فيها محصول القمح استراتيجيًا، تربطها حدود نهرية، وأخرى برية مع مناطق سيطرة النظام السوري، ما يجعل من تهريب المحاصيل نحو الأخيرة سبيلًا لتجنب الخسائر، وفق ما يراه مراقبون.

وبررت “الإدارة” عجزها عن زيادة التسعيرة على ما هي عليه اليوم بالهجمات التركية، والنقص في ميزانيتها، وعدم إمكانية التصدير، وبالتالي ستتكبد خسائر مالية “كبيرة”، وفق تقرير نشرته وكالة “هاوار” المقربة من “الإدارة الذاتية”.

مطالب وتبريرات

في 24 من أيار الماضي، حددت “هيئة الزراعة والري” في “الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا سعر شراء مادة القمح من الفلاحين للموسم الزراعي 2023-2024 بـ31 سنتًا أمريكيًا لكل كيلوغرام واحد، بالتوازي مع تسعيرة طرحها النظام بلغت 36 سنتًا للكيلوغرام.

السعر الذي حددته “الإدارة” تسبب باحتجاجات في قرى وبلدات في أرياف دير الزور والرقة والحسكة، لم تهدأ حتى لحظة تحرير هذا التقرير، ما دفع “الإدارة” لتبرير أسباب طرح السعر بشكله الحالي.

قال إداريون في “الإدارة الذاتية” لوكالة “هاوار”، إنهم سعوا عبر تجار لتصدير القمح إلى خارج المنطقة، وبيعه للنظام، وأيضًا لكردستان العراق، ودول أخرى في الجوار، بأسعار تناسب سداد قيمة شراء القمح في الداخل، لكن جميع الجهات المذكورة لم تدفع للوسطاء والتجار سوى 250 دولارًا للطن الواحد من القمح.

وعزا المسؤولون في هيئتي الزراعة والمالية في “الإدارة” أسباب العجز القائم في الميزانية إلى تحديد سعر القمح “المرتفع مقارنة مع دول الجوار والأسعار العالمية” خلال العام الماضي، بحسب ما نقلته “هاوار” في 30 من أيار الماضي.

أيضًا في 28 من أيار، بررت “الإدارة” رسميًا تخفيض أسعار محصول القمح عبر بيان صحفي  قالت فيه، إن “الخناق الاقتصادي” الذي تتعرض له الجغرافيا التي تسيطر عليها، والهجمات التركية، أثرت سلبًا على الكثير من الموارد المالية.

وبناء على دراسة أعدتها حول تكلفة زراعة الدونم من القمح، التي بلغت بـ29 سنتًا للكيلوغرام الواحد، وفق “الإدارة”، حددت السعر الجديد بـ31 سنتًا، مفسحة لـ”هامش ربح” للمزارعين.

لمصلحة النظام

تتداخل مناطق الانتشار والسيطرة بين “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وهي الجناح العسكري لـ”الإدارة الذاتية”، وقوات النظام السوري في شمال شرقي سوريا، إذ يتمركز النظام في وسط مدينة الحسكة، ويدير المؤسسات الخدمية فيها، حتى تلك المتعلقة بالشؤون الزراعية منها.

وفي 29 من أيار الماضي، قال مدير فرع المؤسسة السورية للحبوب في القامشلي بحكومة النظام، إن عملية التسويق تسير “بوتيرة متزايدة”، إذ بلغت كميات القمح المسلّمة لمراكز الشركة الثلاث (جرمز، الثروة الحيوانية، الطواريج) 1476 طنًا، ليصل الإجمالي إلى 2685 طنًا من القمح المسلّم للمراكز.

وفي الوقت الذي يعلن فيه النظام تباعًا عن تسلّم محاصيل القمح، حاولت “الإدارة” الحديث عن أن السعر الذي حددته حكومة النظام (36 سنتًا للكيلوغرام) “وهمي”، وهناك مخاوف من قضم مبالغ من المزارعين، بالإضافة إلى أن تكاليف الزراعة في مناطق سيطرته مرتفعة، ولا يمكن المقارنة بين 36 سنتًا لدى النظام و31 سنتًا لديها.

مدير “السورية للحبوب” في القامشلي قال في منشور منفصل، في 30 من أيار، إن شراء القمح من الفلاحين مستمر، إذ بلغت الكميات المسوقة حتى اليوم نفسه 1877 طنًا، ومجموع ما تم تسويقه 8278 طنًا، ولا تزال العملية مستمرة.

وخلال الفترة الزمنية نفسها من العام الماضي، قال مدير فرع المؤسسة السورية للحبوب، جرجس قومي، إن الكمية المسوقة من القمح بلغت 5409 أطنان حتى 2 من حزيران 2023، في المراكز الثلاثة المعتمدة للتسويق نفسها المعلن عنها حاليًا.

ويعتقد الباحث المتخصص بالشأن الاقتصادي في مركز “عمران للدراسات” مناف قومان، أن أثر تسعيرة القمح التي طرحتها “الإدارة” مؤخرًا يعتبر لمصلحة النظام، خصوصًا مع وجود فرق بحوالي خمسة سنتات بين سعر النظام وسعر “الإدارة” ما قد يدفع بالكثير من الفلاحين شرق الفرات لبيع محاصيلهم لـ”الادارة” وتحويلها لتجار ومهربين يعملون لمصلحة النظام.

ولم يستبعد الباحث أيضًا أن يلجأ المزارعون لتخزين المحصول وعدم بيعه حتى الموسم المقبل على أمل تحسن السعر، بالتالي لن تكون التسعيرة مفيدة لـ”الإدارة” في كلا الخيارين.

الباحث أضاف خلال حديثه لعنب بلدي أن السعر الذي طرحته “الإدارة” كان مفاجئًا، إذ تدل جميع المؤشرات على أن القرار اتخذ بطريقة “ترجح مصلحة النظام على مصلحة الإدارة”، وربما يمكن قراءته على أنه “هدية للنظام”.

نحو سوق التهريب

ترتبط مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” في دير الزور والرقة بمعابر مخصصة لتهريب البضائع، إلى جانب أخرى يسيطر عليها الجانبان في الحسكة والقامشلي.

ولطالما كان سوق التهريب مهربًا لتجار من أبناء المنطقة في سبيل تحقيق مكاسب مادية إضافية سواء في تجارة المحروقات، أو المنتجات الغذائية.

الباحث مناف قومان قال لعنب بلدي، إن سوق التهريب قائم بين المنطقتين منذ سنوات، وهناك العديد من المواد المتبادلة بين المنطقتين عبر هذا السوق الممتد على نهر الفرات، إذ تتفاوت بطبيعة الحال أسعار السلع الأساسية بين المنطقتين ما يؤدي إلى نشاط تجارة التهريب.

ويعتقد الباحث الاقتصادي أن تفاوت سعر القمح بين المنطقتين قد يدفع بالتجار نحو سوق التهريب، ما قد يوصل المنتج النهائي إلى المستهلك بأسعار مرتفعة إثر طول قائمة سلسلة الموردين.

من جانبه، توقع الباحث الاقتصادي فراس شعبو أن يحجم المزارعون عن بيع محاصيلهم، خصوصًا أن السعر المطروح من جانب “الإدارة” لا يغطي حتى تكاليف الإنتاج، وقد يلجؤون للتهريب لتغطية خسائرهم خلال الموسم الزراعي الحالي.

وأضاف لعنب بلدي أن “الإدارة” لم تطرح سعرًا تنافسيًا، معتبرًا أن التسعيرة الحالية صادرة عن جهة لا تريد الشراء فعلًا، ورجح أن تكون “الإدارة الذاتية” محتفظة بكميات مخزنة من الحبوب لاستخدامها في حال لم يقبل المزارعون على البيع.

وتوقع الباحث أن التسعيرة الحالية ستلقي بظلالها على المنطقة مستقبلًا، ففي حال لم يجد مزارعو المنطقة سبيلًا لتصريف محاصيلهم الزراعية، قد يشعرون بعدم جدوى زراعة القمح خلال العام المقبل، بالتالي ستشهد المنطقة نقصًا بالمحاصيل التي تعتبر استراتيجية بالنسبة لجميع المناطق بمختلف سلطاتها على الجغرافيا السورية.

فعاليات سياسية تعلّق

طالبت أحزاب سياسية، منها مشاركة في “الإدارة الذاتية”، بتعديل القرار الصادر عن “هيئة الزراعة والري” بتحديد تسعيرة شراء القمح من المزارعين في الموسم الزراعي 2024.

وقالت الأحزاب في بيان مشترك، إن السعر المحدد “يعتبر إجحافًا بحق المزارعين وبحق جميع العاملين في القطاع الزراعي، لأنه لا يكاد يغطي تكاليف الإنتاج”، وفق ما نقلته وكالة “نورث برس“.

وطالب الحزب “اليساري الكردي في سوريا”، والحزب “الديمقراطي الكردي في سوريا” (البارتي)، وحزب “السلام الديمقراطي الكردستاني”، “الإدارة الذاتية” بضرورة مراجعة القرار وإعادة النظر في السعر المحدد، وتحديد أسعار مجزية لإنتاج القطاع الزراعي، وفق البيان.

وأشار البيان إلى أن قرار تحديد سعر شراء القمم بـ31 سنتًا “يلحق الضرر بالقطاع الزراعي بأكمله، وبالحياة الاقتصادية والاجتماعية في شمال شرقي سوريا الذي يعتبر منطقة زراعية بالدرجة الأولى”.

من جانبه، أعرب “المجلس الوطني الكردي” عن استنكاره لتسعيرة شراء القمح التي اعتبرها “متدنية”، مشيرًا إلى أن النظام أبدى استعداده لشراء القمح بـ36 سنتًا ما يُلحق خسائر فادحة بالمزارعين ويُهدد الأمن الغذائي في المنطقة.

وأضاف أن خطوة من هذا النوع قد تُجبر العديد من الفلاحين على ترك أراضيهم والهجرة، بحثًا عن فرص أفضل في أماكن أخرى، ما يشكل خطرًا حقيقيًا على مستقبل الزراعة في المنطقة.

وطالب “المجلس” الجهات الدولية المعنية بالاستقرار في سوريا بالضغط على حزب “الاتحاد الديمقراطي” المتحكم بـ”الإدارة” لإعادة النظر في هذه التسعيرة “الظالمة”، وتحديد سعر عادل يتناسب مع تكلفة الإنتاج، ويضمن هامش ربح للمزارعين والفلاحين.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة