في الوقت الذي تشغل تسعيرة القمح التي طرحتها “الإدارة الذاتية” قبل أيام مزارعي المنطقة، إذ يعتبرون أنها تسببت بخسائر لهم، يقف آخرون مقبلون على زراعة محصول القطن متخوفين من تكرار التسعيرة مع محاصيلهم.
وأثار قرار “الإدارة الذاتية” بتحديد سعر القمح مخاوف مزارعين من اعتماد تسعيرة مشابهة للقطن، ما قد يكبدهم خسائر أيضًا.
وكانت “الإدارة الذاتية” حددت في 25 من أيار الحالي، سعر الكيلوجرام الواحد من قمح بـ31 سنت أمريكي، علمًا أن التسعيرة نفسها كانت 43 سنت للكمية نفسها خلال العام الماضي.
فؤاد المستور، مزارع من قرية جزعة في ريف الحسكة الجنوبي، قال لعنب بلدي إنه قلّص المساحة التي كان يعتزم زراعتها بالقطن مدفوعًا بمخاوفه من تحديد سعر القطن، إذ كان يخطط لزراعة 50 دونمًا، بينما يفكر الآن في تقليصها إلى أقل من النصف، على الرغم من أنه بدأ بالفعل بحراثة الأرض وتعشيبها وتحضيرها للزراعة.
فؤاد تراجع عن زراعة كامل مساحة أرضه بسبب مخاوف من أن “الإدارة الذاتية” قد لا تشتري المحصول، أو تشتريه بثمن أقل من تكلفته، بالإضافة إلى عدم توفر منافذ لتصريف المحصول، ما يزيد من صعوبة الوضع على المزارعين.
وسبق أن حددت “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا تسعيرة القطن لعام 2023 بـ800 دولار أمريكي للطن الواحد (نحو 11 مليونًا و700 ألف ليرة سورية).
فيما حددت حكومة النظام السوري سعر شراء الكيلوجرام الواحد من القطن المحبوب من الفلاحين لموسم عام 2023 بمبلغ قدره 10000 ليرة سورية للكيلوجرام الواحد (عشرة ملايين للطن).
أسباب التراجع
تعود أسباب تقلص المساحات المزروعة في ريف الحسكة، وخاصة زراعة القطن التي تختلف عن بقية المحاصيل وتتطلب مستلزمات وشروطًا خاصة، لعوامل عديدة أبرزها كثرة حاجتها السقاية ما يزيد من تكاليف إنتاجها.
وحول تكاليف زراعة القطن، أوضح شفان جلال، وهو مزارع من قرية تل معروف شمال شرقي الحسكة، أن الدونم الواحد يحتاج إلى حوالي 10 كيلوجرامات من بذار القطن، ويبلغ سعر الكيلوجرام الواحد منه نحو خمسة دولارات.
وأضاف أن زراعة القطن تتطلب أيضًا أجورًا للحراثة وعمال الغراس، ما يجعل من كلفة زراعة الدونم الواحد حوالي 70 دولارًا أمريكيًا، في حين يتراوح الإنتاج السنوي بين 100 و500 كيلوجرام للدونم الواحد.
ومع المخاوف المثارة من عزوف “الإدارة الذاتية” عن شراء المحصول، يواجه المزارعون خسائر عند بيع القطن للتجار بسعر 400 دولار للطن، ما يتركهم دون خيارات مجدية.
ورغم أن الإدارة حددت سعر طن القطن بـ800 دولار أمريكي للطن الواحد، لم تشتر جزءًا من المحاصيل الزراعية التي طرحها مزارعو المنطقة، وفق شفان.
وسبق أن قالت الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا) إن فلاحي الحسكة أنهوا زراعة أراضيهم بمحصول القطن للموسم الحالي، وبلغت المساحة المزروعة 4775 هكتارًا موزعة في مختلف مناطق الاستقرار الزراعي.
ويشكو المزارعون في مناطق “الإدارة الذاتية” من نقص الدعم لمحصول القطن منذ فترة طويلة، بما في ذلك المحروقات والأسمدة والمبيدات الحشرية.
مصدر مسؤول في هيئة الزراعة والري في “الإدارة الذاتية”، تحفظ على ذكر اسمه لعدم وجود “رخصة إعلامية”، قال إن الهيئة لم تقدم أي دعم للقطن في العام الحالي حتى الآن، وأضاف أن العام الماضي شهد تقديم كمية من المازوت تكفي لثلاث ريات فقط.
أسعار القمح خلّفت احتجاجات
مع الأيام الأولى لتحديد “الإدارة الذاتية” سعر القمح في مناطق سيطرتها، احتج مزارعون من أبناء المنطقة على التسعيرة، وعبروا عن نيتهم التراجع عن بيع المحاصيل لـ”الإدارة” والبحث عن بدائل لتجنب الخسائر.
وشهدت قرى وبلدات في أرياف دير الزور والرقة والحسكة حيث تسيطر “الإدارة” احتجاجات، اعتراضًا على السعر الذي حددته الأخيرة لشراء القمح من المزارعين في مناطق سيطرتها.
وأفاد مراسل عنب بلدي في دير الزور أن نقاط الاحتجاج توزعت في عدة بلدات وقرى غربي دير الزور منها حوايج بومصعة، والصعوة، ودوار الحصان، إذ تجمع المزارعون أمام مبنى شركة التطوير الزراعي للتعبير عن رفضهم للسعر المطروح.
وتخلل الاحتجاجات قطع للطرقات بالإطارات المشتعلة في قرى وبلدات مختلفة، ولا تزال متجددة حتى اليوم.
ولم تقتصر الاحتجاجات على دير الزور وحدها، إذ نشر موقع “نهر ميديا” المحلي، في 27 من أيار الحالي، صورًا قال إنها لتجمع العشرات من المزارعين أمام مبنى “الإدارة الذاتية” في الرقة، للمطالبة بتعديل تسعيرة القمح التي أقرتها “الإدارة”.
وامتدت الاحتجاجات لمحافظة الحسكة، إذ أفادت مراسلة عنب بلدي في المحافظة أن محتجين تجمعوا في مدينتي الدرباسية وعامودا شمالي الحسكة حاملين المطالب نفسها.