الجامعات السورية في ظل الثورة.. إلى أين؟

  • 2016/03/20
  • 1:39 ص

Students leave the University after classes were cancelled when a mortar landed at a cafe at the Damascus University Faculty of Engineering in Damascus Thursday. The Dean of the University said 12 students died in the explosion. March 28, 2013, Damascus, Syria (Andrea Bruce/ for The New York Times)

حنين النقري – عنب بلدي

يُعتبر التعليم الجامعي واحدًا من معايير تصنيف الدول حضاريًا وعلميًا، وغالبًا ما يُعقد الأمل في تغيير المجتمعات وتحسين الواقع المعاش على الأكاديميين، إذ يُنظر إليهم كفئة مثقّفة مطّلعة على تجارب الغير نظريًا، وتمتلك قدرة عملية على إحداث تغييرات في محيطها.

في الحالة السورية، لم تكن الجامعات منشأ الحراك الثوري لكنه امتدّ إليها، وهو ما سعى النظام لإخماده بسرعة بتشديد القبضة الأمنية على الجامعات تحديدًا، ومحاولة إبقائها تحت سيطرته ورقابته الدائمة بالاعتماد على مواد في قانون تنظيم الجامعات السورية، تتيح له استخدام العنف داخل الحرم الجامعي.

اليوم، وفي الذكرى الخامسة للثورة، كيف يبدو المشهد التعليمي- الثوري داخل الجامعات السورية؟

جامعة دمشق.. “الأمور عال العال”

“الأمور عادية وعال العال”، بهذا التعبير تجيب سما، وهي طالبة هندسة مدنية في السنة الخامسة بجامعة دمشق، عن مجمل العملية الدراسية في الجامعة، مقارنة بحال البلاد المتقلب.

تقول سما إن الدوام الجامعي مازال مطلوبًا ومحاسبًا عليه كما السابق، “مر عامان لم يداوم فيهما إلا نسبة قليلة من الطلاب وذلك بسبب التفجيرات والقذائف التي تستهدف الجامعات، أنا نفسي أوقفت دوامي فيهما والتزمت بالمنزل، لكن الأمور اليوم مختلفة”.

وبحسب سما فإن تسجيل الحضور مازال مطلوبًا من قبل الكثير من الأساتذة، لدرجة دخوله في التقييم والعلامات النهائية، وتضيف “تشعرين بأن الجامعة مكان آخر في سوريا أخرى، لا تعاطف مع الطالب ولا تقدير لظروفه، ورغم سماعنا لأصوات الطيران والقذائف والمظاهر العسكرية فلا اعتراف بوجود حرب في أروقة الجامعة”.

المكان الوحيد المسموح التواجد فيه

يوافق محمد، وهو طالب أدب إنكليزي في جامعة دمشق، سما على ازدياد معدلات الحضور، لكن لذلك سببًا برأيه، فالجامعات هي المكان الوحيد الذي يمكن للشاب أن يقصده بشكل مبرر، ويضيف “كشباب صارت الجامعة الفسحة الوحيدة لنا، فلا يمكننا المشي في الشوارع وارتياد المقاهي مع أصدقائنا بشكل حر كما السابق خوفًا من أي مداهمة أو اعتقال عشوائي، وحدها الجامعات في منأى نسبي عن هذه الممارسات”.

ويضيف محمد أن الشباب اليوم أمام ثلاثة خيارات، الجامعة أو العسكرية أو السفر، وغالبًا ما تكون الجامعة “أحلى المر” من بين هذه الخيارات، “ريثما يشتد عود الشاب ويحمل شهادة تساعده على العمل بعدها”.

الحيط الحيط ويارب السترة

كانت النقاشات السياسية من المحرمات على الشعب السوري، لكنها اليوم باتت من مسببات إنهاء حياته، وبشكل خاص في الدوائر الحكومية، حيث تكثر عيون النظام وآذانه، وتقول سما إنه لا وجود لأي حديث ثوري أو سياسي يتناول الأوضاع الراهنة بين الطلاب، وتضيف “القمع كبير ولا يجرؤ أي منا على الإشارة تلميحًا أو تصريحًا بشيء، خلافًا لحالنا في أول عامين من الثورة”.

تشاطرها برأيها هذا نور، وهي طالبة في جامعة دمشق أيضًا، وتضيف أن كل حركة صارت تستلزم إذنًا من الهيئة الإدارية، “حتى كتابة المحاضرات وتلخيصها ونشرها في المكتبة يتطلب إذنًا خطيًا من الهيئة الإدارية”، وتشير نور إلى أن أحدًا من الطلاب لا يجرؤ على مخالفة القوانين المتزايدة، عازية ذلك إلى أنه “لا أحد يرغب بإثارة المشاكل لنفسه، كلنا نقول، بقي لنا عامان ونتخرج ونريد لهذه الرحلة التي طالت أن تنتهي بسلام وبأقل قدر من المشاحنات”.

هجرة الكادر التدريسي وانحدار مستوى التعليم

ترى نور أن هجرة عدد كبير من الأساتذة الجامعيين جعل مكانهم شاغرًا لكفاءات متدنية، وأحيانًا من اختصاصات مغايرة، وتضيف “الأساتذة الجدد لا يعوضون كفاءة الدكاترة الذين سافروا، بالإضافة لعدم إمكانية توجيه ملاحظات لهم حرصًا من الجامعة على بقائهم لسدّ الشواغر”.

وكان الاتحاد الوطني لطلبة سوريا نشر رسالة، من مديرية إعلام جامعة دمشق، وكشفت فيها أنها لا تتمكن من إيقاف تسرب الكوادر وتعتبره “عملية تنظيف ذاتي”،  وأنها تحاول تعويض النقص بمختلف الوسائل الممكنة.

في حين وضح معاونة وزير التعليم العالي، سحر الفاهوم، أنه لا يوجد إحصائيات دقيقة لعدد أعضاء الهيئة التدريسية الذين غادروا الجامعات السورية كلها، إلا أن “الإحصائيات المتوفرة عن نسبة المعتبرين بحكم المستقيل والمفصولين من الخدمة والمستقيلين في جميع الكليات العلمية لا تتجاوز 14%”، بحسب الفاهوم، التي لا تعدّ هذا العدد مؤثرًا، ولا سيما أن الأنظمة تسمح بتغيب 20% من الأساتذة في الأحوال العادية.

جامعة البعث.. التشبيح على عينك يا طالب

أكرم، طالب هندسة اتصالات في جامعة البعث بحمص، يقول إن “التشبيح” يتم بشكل علني في جامعته مع انتشار المظاهر المسلحة بشكل كبير، ما يعزز الطائفية بين الطلاب والأساتذة، ويضيف “التشبيح كان موجودًا من قبل الثورة، لكنه الآن صار مستندًا لسطوة السلاح، فكل طالب أو أستاذ لديه أقارب برتب عسكرية يعتبر نفسه قادرًا على فعل كل شيء دونما محاسبة”.

يدلل أكرم بذلك على حادثة جرت أمامه في إحدى القاعات الامتحانية، “اكتشف المراقب (راشيتة) ينقل الطالب منها معلومات فصادر ورقته الامتحانية، وهنا بدأ تشبيح الطالب عليه وهدده بلهجة آمرة: اترك الورقة من ايدك وإلا ما تلوم غير حالك،  ولم يكن من المراقب إلا أن أذعن للتهديد واستمر الغش على مرأى منا جميعًا دونما تحريك ساكن”.

ثنائية الأستاذ- الشبيح

شاعت هذه الظاهرة في جامعة حمص بعد الثورة، وبشكل خاص أثناء الحملات العسكرية على باباعمرو والأحياء المعارضة، إذ يشارك الأستاذ متطوعًا مع فرق الدفاع الوطني في قتال الأهالي خارج أوقات الدوام، ويأتي للجامعة بلباسه العسكري، ويعتبر أكرم ذلك “من أكثر الأمور استفزازًا لنا، فالأستاذ يعطينا المحاضرة بلباس عسكري وبنفسية عسكرية أيضًا، بالإضافة لبعض الطلاب الذين يرتدون ثيابًا عسكرية، هذا الأمر يشيع جوًا مشحونًا في الجامعة”.

مشاركة بعض الطلاب بالدفاع الوطني كان سببًا في حصولهم على فرص للماجستير، بحسب أكرم، الذي يؤكد “الطالب (ي. ع) من المشاركين بالعمل العسكري من الطلاب، كان معدله %60، ومع ذلك حصل على فرصة للتقديم على الماجستير وبعثة خارج سوريا، رغم وجود طلاب بمعدلات أعلى بكثير حرموا من ذلك”

ترفيع المواد بـ 300 دولار

كان موضوع شراء المواد موجودًا بحذر وخفية في الجامعات السورية، ويشير أكرم إلى أن الطالب “كان بحاجة ليعرف الشخص المفتاح لكل أستاذ ليستطيع شراء مواده، ويتم الاتفاق والدفع وشراء المادة دون مقابلة الأستاذ المعني، حرصًا على سمعته”.

اليوم لم تبق الحاجة لوجود “مفتاح” يقاسم الدكتور على رزقه، فالأمور تتم بشكل مباشر دونما وسيط، ويضيف أكرم “صديقي مقيم في السعودية وبقي له مادة واحدة للتخرج، دخل إلى مكتب الدكتور وتفاوض معه بشكل مباشر ودونما تلميحات، واتفقا على مبلغ 300 دولار لترفيعها وتم الأمر، هكذا ببساطة”.

في حين يقول محمد إن أمورًا كهذه تتم بجامعة دمشق بحذر أكبر وصيغ أخرى من الرشاوى والمحسوبيات، وعلى شكل هدايا كالموبايلات والأجهزة الإلكترونية الثمينة.

انخفاض معدلات النجاح.. القاسم المشترك

تختلف أوضاع الجامعات السورية حسب المحافظة وحسب الاهتمام الذي يوليه النظام لكل منها، لكن القاسم المشترك بين من حاورناهم كان انخفاض معدلات النجاح بشكل كبير.

ويرى محمد أن السبب الأساسي لانخفاض نسب النجاح هو الظروف التي يعيشها الطلاب، ويضيف “تغيّرت حياة الطالب كليًا، فهو يفتقر اليوم لبيئة دراسة جيدة، إضافة لمزاجية الأساتذة في التصحيح، خاصة الكوادر الجديدة غير المؤهلة”.

أما أكرم فهو يعزو الأمر لتفشي الفساد بشكل كبير، ويقول “في بداية الثورة كان هناك بعض التساهل مع الطلاب، اليوم تجد الأمور ازدادت صعوبة بكل شيء، الأسئلة والتصحيح والمناهج، ونسب النجاح صارت أقل بالفعل، أعتقد أنهم يرغبون بدفع الطلاب لمزيد من الفساد وشراء المواد”.

الجيولوجيا والبرمجيات.. نسبة النجاح 0٪

بالنسبة لسما فهي تعتقد أن خفض نسب النجاح بهذا الشكل له سبب “منهجي ومدروس وليس مزاجيًا”، حسب تعبيرها، وتربط ذلك بوجود دورة ثالثة دائمة، وتشرح وجهة نظرها “الأسئلة الصعبة ونسب النجاح المنخفضة من جهة، واستمرار وجود دورة ثالثة كانت بحاجة لمرسوم رئاسي كل عدة سنوات، كل ذلك يشير إلى تعمّد شغل الطلاب بالدراسة وحدها، ليكون هم الطالب الوحيد هو ترفيع مواده والتخرج ليسافر بعدها”.

وكان الاتحاد الوطني لطلبة سوريا نشر عدة شكاوى حول مواد وصلت نسب نجاح الطلاب فيها لـ 0%، كمادة الجيولوجيا التطبيقية بجامعة تشرين، ومادة هندسة البرمجيات المتقدمة لطلبة المعلوماتية في جامعة البعث، ومادة أصول امتحانات مدنية لطلبة الحقوق في جامعة دمشق، وسواها كثير.

ترتيب الجامعات السورية عالميًا

يضم مؤشر شنغهاي، الذي انطلق عام 2003، قائمة سنوية بأفضل خمسمئة جامعة على مستوى العالم، ولم يتضمن منذ انطلاقه اسم أي جامعة سورية.

يضم مقياس Top Universities‏ ترتيبًا لأفضل 100 جامعة عربية، ولم تكن أي جامعة سورية من بينها عام 2015.

يصنف مقياس webometrics ترتيب الجامعات في العالم، وجاءت فيه جامعة دمشق بمرتبة 4404 ، وجامعة تشرين بمرتبة 7828 عالميًا.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع