سوريا.. من مصدّر للقمح إلى مستورد
أسعار القمح عالميًا تشجع النظام على الاستيراد لـ “تغطية النقص”
ست مناقصات لشراء القمح أعلنت عنها مؤسسة الحبوب منذ العام 2011
عنب بلدي – اقتصاد
من المفترض أن يكون تاريخ 15 آذار الماضي الموعد النهائي الذي حددته المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب لتلقي العروض، بعد طرح مناقصة لشراء 200 ألف طن قمح شريطة الشحن إلى سوريا مع استخدام خط ائتماني إيراني في الدفع.
الخط الائتماني الإيراني الذي وعدت به طهران دمشق مطلع العام الماضي، وقيمته مليار دولار، بين المصرف التجاري السوري وبنك صادرات الإيراني، هو الثاني على التوالي منذ العام 2011، وهو مخصص لاستيراد المواد الغذائية والسلع الضرورية والمحروقات، بعدما دخل الاقتصاد السوري في “غيبوبة” إثر فرض عقوبات دولية وعربية على النظام، أدت إلى تراجع الموارد المالية بشكل حاد، ودفعت النظام للاستدانة من الحلفاء.
ويطرح السؤال حول المناقصة الخاصة التي أعلنت المؤسسة عنها بداية العام الحالي حول الواقع الذي وصلت إليه زراعة القمح في سوريا، في ظل الأزمة ومنذ العام 2011، حيث بات النظام يستورد أكثر مما يصدّر لتأمين الطلب على القمح، لزوم صناعة الخبز، وهو محصول استراتيجي تضرر بشدة خلال الحرب، وهبط إنتاجه للثلث ولم تعد البلاد تنتج أكثر من 10% من حاجتها خلال السنوات الماضية، ولم تستلم على سبيل المثال العام 2013 سوى 780 ألف طن من إجمالي إنتاج قدره 3.6 مليون طن، أعلنت حكومة النظام عنه سابقًا، لكن لم يتحقق، وهذ ما تثبته أرقام المناقصات التي أعلنت عنها مؤسسة الحبوب ومواعيدها.
عجز في الإنتاج وهجرة المزارعين
من المفيد عند الحديث عن سباق النظام المحموم لاستيراد القمح (المستثنى من العقوبات الأوروبية والغربية على سوريا) من أجل سد النقص، الإشارة إلى زراعة القمح وما آلت إليه خلال السنوات الخمس الماضية، بعدما تضررت الزراعات الاسترايتيجة السورية، وبالذات القمح والقطن. ولسوء الحظ كانت المناطق التي يزرع فيها القمح والشعير، (وخاصة في محافظات الحسكة وديرالزور والرقة، والتي تعرف بأنها السلة الغذائية لسوريا وتنتج نحو 70% من المحاصيل الزراعية)، من أشد المناطق تأثرًا بالصراع، حيث هجر المزارعون الأراضي ليس بسبب أعمال العنف فقط، بل لعوامل أخرى أبرزها ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج، ومنها الأسمدة والبذار واليد العاملة، وصعوبة تصريف المحاصيل بعد انقطاع الطرقات واشتداد القصف الذي سبب حرق الكثير من المزروعات.
وقد تلقى ما تبقى من قطاع الزراعة”ضربة” عندما قررت حكومة النظام رفع سعر المازوت إلى 135 ليرة لليتر، وأمام ندرته خلقت سوق سوداء وبالتالي اضطر المزارعون لرفع فواتير التكاليف وتحميلها لأسعار المنتجات.
وعليه، قدرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) وبرنامج الأغذية العالمي العام الماضي إنتاج القمح في سوريا بنحو 2.445 مليون طن، ما ينبئ عن عجز مرتقب قدره 800 ألف طن. وقال التقرير “إنه رغم الأمطار الغزيرة التي عززت الإنتاج هذا العام مقارنة مع المحصول الضعيف لعام 2014 فإن الحجم مازال أقل من مستويات ما قبل الحرب بنسبة 40%”، فيما بلغ إنتاج سوريا من القمح في العام 2014 نحو 1.8 مليون طن منخفضًا من 2.5 مليون عما كان عليه العام 2011.
تعويض بالمخزون الاستراتيجي
ومن هنا يمكن الاستدلال على السبب الذي يدفع مؤسسة الحبوب للإعلان عن مناقصات لاستيراد القمح، وبحسب رصد أجرته عنب بلدي لمجموع ما استوردته حكومة النظام من القمح اللين من أجل صناعة الخبز، تبين أنه ومنذ العام 2011 جرى الإعلان عن ستة مناقصات لاستيراد القمح، بوسطي 200، ألف طن لكل شحنة باستثناء العامين 2013 و2014 حيث يعتقد أن المخزون الاستراتيجي تكفل بسد العجز بالتزامن مع تراجع المحصول بشكل كبير، نتيجة خروج مساحات واسعة في الحسكة ودير الزور عن سيطرة النظام.
وجاء هذا في وقت أعلن فيه وزير التجارة في حكومة النظام أن سوريا لا تتوقع استيراد القمح في العام 2015، إذ ستزيد إمدادات الحبوب السورية بفضل الأمطار الغزيرة وتوسيع نطاق السيطرة على الأراضي الزراعية، “لكن الحكومة طرحت مناقصتي استيراد منذ ذلك الحين” وفق وكالة أنباء رويترز. وقال وزير الزراعة في حكومة النظام أحمد القادري “إن التوقعات الأولية لإنتاج القمح تشير إلى أكثر من ثلاثة ملايين طن إلى جانب إنتاج مليون و300 إلف طن شعير، وأن الحكومة رصدت 100 مليار ليرة سورية لدفع قيم المحاصيل التي ستستلمها من الفلاحين”.
قتال ومنافسة من أجل القمح
مع بداية كل موسم تتسابق أطراف الصراع في سوريا لكي تحظى بالحصة الأكبر من محاصيل القمح والشعير، وخلال الموسم الماضي حاولت حكومة النظام تقديم “إغراءات” للمزارعين من أجل الحصول على مواسم حقولهم، عبر رفع أسعار استلام القمح والشعير والتكفل بإيصالها إلى مناطق سيطرة النظام. وأكد مدير مؤسسة تسويق الحبوب، موسى نواف العلي، أن المؤسسة اتخذت كافة الاجراءات اللازمة لاستلام محصول القمح وقامت بافتتاح 29 مركزًا جديدًا لاستلام المحصول وستقوم بشراء كامل إنتاج الموسم الحالي للعام 2015، وتدرس شراء الأقماح المتوفرة عند الفلاحين من الموسم السابق. وبحسب العلي زاد السعر الذي حددته الحكومة لاستلام القمح من المزارعين على السعر العالمي للقمح بـ 14 ليرة سورية للكيلو الواحد، لأن سعر البورصة العالمية القمح يعادل 47 ألف ليرة للطن الواحد (سعر العام 2015)، وحددت “أسعارًا تشجيعية” للشراء مباشرة من الفلاحين بـ 61 ليرة سورية للكيلوغرام من القمح، و48 ليرة للشعير. وخلال العام 2014 أعلنت حكومة النظام عن تخصيص 80 مليار ليرة لتسويق محصول القمح من الفلاحين.
في المقابل أعلنت المعارضة عن عروض “سخية”، داعية الفلاحين لعدم تسليم محصول القمح والشعير إلى النظام، بل تسليمه إلى مؤسسة الحبوب في الحكومة السورية المؤقتة، وهو ما أثر على محصول النظام الاستراتيجي وقلل من الكميات التي تخزنها صوامعه، بعد امتناع المزارعين عن تسليمه المحصول، رغم الأسعار التي أعلنها، وهو ما يفسر توجه مؤسسة الحبوب للاستيراد.
الجفاف يضرب استقرار الإنتاج
قبل الحرب كانت المساحات المزروعة في سوريا بالقمح تقدر بحوالي 1.7 مليون هكتار، ويقدر الإنتاج بحوالي 3.5 مليون طن، لكن مواسم الجفاف التي ضربت سوريا بين أعوام 2004 و2007 دفعت بالمزارعين لهجرة الأراضي ووصل الإنتاج لمستوى قريب من مليون طن في 2008.
مع بداية العام الحالي اعتبرت وزارة الزراعة في حكومة النظام أن “الحالة العامة للمحاصيل الشتوية للموسم الحالي جيدة ومبشرة”.
وأشار عبد المعين قضماني مدير الإنتاج النباتي إلى أن الوزارة، وبالتعاون مع الجهات المعنية كالمصرف الزراعي ومؤسسة إكثار البذار، تقوم بتأمين مستلزمات الإنتاج والمحروقات للفلاحين وتتم معالجة أي خلل أو تقصير فورًا، وأن محصول القمح يترأس المحاصيل الزراعية بالنسبة للحبوب وقد بلغت المساحة المخططة لزراعته 171.365 هكتارًا للمروي والبعل.
ولفت إلى أن المساحة المنفذة لغاية 29 شباط الماضي بلغت 114.778 هكتارًا بنسبة تنفيذ وصلت إلى 67%، كما بلغت المساحة المخططة للشعير 1.500.902 هكتار نفذ منها 1.163.590 هكتارًا بنسبة وصلت إلى 78%.
الاستيراد حل النظام الوحيد
المتتبع لمسيرة المناقصات التي دأبت مؤسسة الحبوب التابعة للنظام منذ العام 2011، يرصد تحولها من التصدير إلى الاستيراد، ففي العام 2011 وبعد انطلاق الثورة بشهر أعلنت المؤسسة عن مناقصة لشراء 27 ألف طن قمح من أجل تأمين الطحين، ومع نهاية العام نفسه طرحت مناقصة أخرى لشراء 100 ألف طن، وبعد عام تقريبًا عادت لتطلب المؤسسة عبر مناقصة دولية 100 ألف طن، وخلال العام 2015 طرحت مناقصتين لشراء 350 ألف طن.
وتعد المناقصة التي طرحتها المؤسسة خلال آذار الجاري الأولى لهذا العام من أجل استجرار 150 ألف طن.
وحين أعلن النظام عن أول مناقصة لاستيراد القمح خلال العام 2011 (شهر نيسان)، كان سعر القمح الأمريكي على ظهر السفينة 336 دولارًا للطن، وانخفض مع نهاية العام إلى 289 دولار، وفي آب 2012 بلغ سعر الطن 349 دولارًا، وفي آذار 2015 انخفض سعر إلى 202 دولار. واستمر بالانخفاض في كانون الأول من نفس العام إلى 163 دولار، ثم ارتفع أخيرًا في آذار إلى 196 دولار للطن أيضًا، وبلغ سعر “البشل” (وحدة قياس القمح) حوالي 5.34 دولار.
وخلال سنوات الثورة، أعلنت مؤسسة الحبوب عن حوالي ست مناقصات لاستيراد القمح، آخرها في آذار الجاري.
ويفسر خبراء اقتصاديون سعي مؤسسة الحبوب للإعلان عن مستوردات القمح خلال العام 2016 بأنها خطوة هدفها الاستفادة من تراجع أسعار القمح عالميًا، وبالتالي سد النقص، مستفيدًا من وفرة المعروض وتراجع أسعار الغذاء حول العالم.
انفوغرافيك
14 نيسان 2011
طرحت حكومة النظام السوري مناقصة لشراء 27 ألف طن من القمح اللين، شريطة شحن الكمية بعد 20 يومًا من فتح خطاب الضمان إلى مرافئ سوريا.
31 تشرين الأول 2011
طرحت حكومة النظام مناقصة عالمية لشراء 100 ألف طن من القمح، وأشار تجار أوروبيون إلى أن الموعد النهائي لتقديم العطاءات هو 14 تشرين الثاني، وكانت سوريا رفضت كل العروض ولم تشتر أي كمية في مناقصة عالمية لاستيراد 100 ألف طن من القمح اللين، أغلقت في 24 تشرين الأول.
29 آب 2012
طرحت مؤسسة الحبوب مناقصة عالمية جديدة لشراء واستيراد 100 ألف طن من قمح الطحين اللين، وتقدم العطاءات لغاية 10 أيلول، شريطة شحن الكمية في غضون شهرين من فتح خطاب الاتئمان.
19 آذار 2015
طرحت المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب مناقصة عالمية لشراء واستيراد 150 ألف طن من القمح اللين.
15 كانون الأول 2015
قال تجار أوروبيون إن المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب الحكومية، طرحت مناقصة عالمية لشراء واستيراد 200 ألف طن من القمح اللين، لاستخدامه في صناعة الخبز.
7 آذار 2016
أعلنت المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب طرح مناقصة لشراء واستيراد 200 ألف طن من القمح اللين اللازم لصناعة الخبز، مع استخدام خط ائتمان إيراني في الدفع.
15 آذار 2016
قالت المؤسسة العامة للتجارة الخارجية إنها قلصت الكمية المطلوبة في مناقصة عالمية لشراء قمح الطحين باستخدام خط ائتمان من إيران لدفع ثمن الواردات إلى 150 ألف طن من 200 ألف.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :