في كتابه “وعاظ السلاطين”، يتناول عالم الاجتماع العراقي الكبير، علي الوردي، مرحلة حسّاسة من تاريخ العرب والمسلمين، وهي مرحلة الخلافات السياسية والاقتتال الداخلي عقب مقتل الخليفة عثمان بن عفان. بالإضافة إلى تناوله مفهوم “الوعظ والخطابة”، كأحد أبرز عناصر الخطاب الديني منذ ذلك الوقت وإلى اليوم.
ما يجمع بين الموضوعين في رأي الوردي هو استخدام الثاني لخدمة الأول، أي اعتماد الوعظ كأسلوب لإلهاء المسلمين وإفساد شخصياتهم، بحيث ينشغلون بمشاكل وهمية يخدعهم بها الوعظ خدمةً للسلطان كي لا يلتفت له أحد.
يبدأ الكتاب بثلاث فصول عن مشكلة الوعظ وما تخلّفه من صراع نفسي وازدواج في شخصية المسلم، حيث تلوم المنابر من يسرق لقمة عيشه مثلًا وتصبّ عليه جام غضب الله، وفي نهاية الخطبة يُدعى للخليفة بالخير والبركة والجنان الخالدات، وهو من سرق البلاد كلّها واغتصب خيراتها.
يشرع الكتاب بعد ذلك بالحديث عن الخلافات السياسية في عهد الصحابة، وكيف كانت المحصلّة النهائية لها تحويل الحكم الإسلامي لنظام فتح وطغيان وجمع للثروات بعد أن كان تمردًا على ذلك كلّه، والدور الذي لعبه وعاظ السلاطين في تمجيد الحكّام من المستبدين والجبابرة، وتسليط سيوف وعظهم على عوام الناس والمساكين، ممن قد تضطرهم ظروف الفقر لبعض التجاوزات.
وتكون مهمة الواعظ إشعار المسلمين بعظم ابتعادهم عن دين الله وما يتوجبه ذلك من غضب الله عليهم، فيدعوهم للتوبة الدائمة والاستغفار، وهكذا حتى تحتقر الجماهير نفسها ولا تشعر بأحقيتها لحياة أفضل، ومن ثم لا تفكّر بالتمرّد على السلطان أو منهجه.
يُختم الكتاب بفصل عن “قضية السنة والشيعة”، موضحًا الصراع المفتعل بينهما والأطراف التي استفادت من إذكاءه على مرّ التاريخ.