إدارة بايدن تتجاهل مقتل طبيب أمريكي في السجون السورية

مريم كم ألماز تحمل صورة لولدها الطبيب الأمريكي مجد كم ألماز مع بعض أحفاده- 17 من أيار 2024 (أسوشيتد برس)

camera iconمريم كم ألماز تحمل صورة لولدها الطبيب الأمريكي مجد كم ألماز مع بعض أحفاده- 17 من أيار 2024 (أسوشيتد برس)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – نور الحاج

تطلبت معرفة مصير الطبيب الأمريكي ذي الأصول السورية مجد كم الماز سبع سنوات، بعد أن فقد أثره عام 2017، عقب اعتقاله من أحد حواجز التفتيش التابعة للنظام السوري في منطقة المزة بدمشق، في أثناء زيارته إلى سوريا.

وتأكدت وفاة الطبيب كم الماز، وفق ما نقلته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، في 18 من أيار الحالي، وسط توقعات بأنه قتل تحت التعذيب قبل سنوات.

في المقابل، تلتزم الإدارة الأمريكية الصمت إلى اليوم في هذه القضية، وسط دعوات لاتخاذ إجراءات سياسية وقانونية كفتح تحقيق جنائي وكسر حالة الصمت في سبيل تحقيق العدالة.

قطع الشك باليقين

قالت ابنة الطبيب مريم كم الماز، إنه بعد معاناة بين الأمل والمخاوف حول مصير والدها، ومناشدات كثيرة للإدارة الأمريكية للتدخل والمساعدة في استجلاء مصيره، أخبر مسؤولون أمريكيون كبار، منهم أعضاء في مكتب التحقيقات الفيدرالي، خلال اجتماع مع العائلة في واشنطن، قبيل أيام فقط، حدوث الوفاة، استنادًا إلى ما قالوا إنها معلومات استخباراتية وذات مصداقية ودقة عالية.

وبحسب “نيويورك تايمز”، رفضت مريم كم الماز تحديد ما قدمه لها المسؤولون من معلومات بالضبط، لكنها ذكرت أنه بعد الضغط على هؤلاء المسؤولين لأكثر من ساعتين، وما قدموه لها من معلومات للتحقيقات التي جرت، تبددت شكوكها، واقتنعت وعائلتها أن مجد قد مات، وأنه “لم يعد هناك أمل”.

سوريا “صندوق أسود”

وفي مقابلة لمريم، الابنة الصغرى للطبيب كم الماز، مع وكالة “أسوشيتد برس” أكدت أن النظام السوري أنكر طوال تلك السنوات احتجازه، ولم تكن هناك محاكمة، ولا قضية، ولا يوجد شيء ضده.

 

سوريا صندوق أسود، لقد اختطفوا والدي وأخفوه حرفيًا، هذا غير مقبول أبدًا.

مريم كم الماز

ابنة الطبيب مجد كم الماز

 

قبل سنوات، نقل مسؤولون في مكتب التحقيقات الفيدرالي لعائلة الطبيب معلومات ووثائق ترجح وفاة الوالد المختفي قسرًا بعد أسابيع من اعتقاله في 2017، على يد عناصر حاجز الأمن التابع للنظام السوري.

وتشير الوثيقة المكتوبة بالعربية، بحسب مريم، إلى أن والدها نقل إلى المستشفى بسبب قصور في القلب، لكن الأطباء فشلوا في إنعاشه، وتوفي في حزيران من عام 2017، ما يرجح فرضية وفاته بسبب التعذيب وإهمال الرعاية الصحية له.

رفضت العائلة حينها التسليم لهذه المعلومات، فرغم إصابة الطبيب بمرض السكري وحاجته للعلاج المنتظم، فإن صحته بالعموم كانت جيدة، ولم يكن يشتكي من أي أعراض في القلب أو غير ذلك من الأمراض، ما يجعل وفاته بعد أربعة أشهر فقط من اعتقاله تبدو غير معقولة، لتضيف إحدى بناته، “كيف يمكن أن يصاب بسكتة قلبية ويموت إلا إذا فعلوا به شيئًا؟”.

وواصل بعدها المسؤولون الأمريكيون متابعة القضية، وحاولت عائلة كم الماز من جهتها الوصول إلى معلومات عبر وسطاء مع النظام السوري، فكانت الوساطة عن طريق السفير التشيكي حينذاك، بعد أن كانت الولايات المتحدة قطعت العلاقات الدبلوماسية الرسمية مع سوريا.

وقد وصلتهم معلومات حينها تشتبه بشدة في أن يكون كم الماز قد سُجن، على الأقل لبعض الوقت الذي قضاه في سوريا، في منشأة بقاعدة المزة الجوية في دمشق، تحت سيطرة اللواء جميل حسن، المعروفة بظروفها القاسية والتعذيب “الوحشي” الذي يتعرض له المعتقلون، وجلهم دون تهم واضحة، ولا محاكمات.

أين الإدارة الأمريكية؟

خرجت أصوات أمريكية عديدة تدعو إدارة الرئيس، جو بايدن، لكسر صمتها، وإدانة قتل الطبيب مجد كم الماز، بعد اختطافه في2017، وفتح تحقيق جنائي في مقتله، منها العضو الجمهوري في الكونجرس جو ويلسون، الذي وجّه خطابه، في 18 من أيار الحالي، للرئيس بايدن شخصيًا، معربًا عن تخوفه من تكرار المصير نفسه مع معتقل أو مختفٍ أمريكي آخر على يد النظام السوري.

انضم لهذه الدعوات المتحدث الرسمي باسم حملة “أحضروا عائلاتنا إلى الوطن”، جوناثان فرانكس، الذي حث وأعضاء الحملة، المؤلفة من أفراد عائلات المعتقلين والرهائن الأمريكيين، والمغيبين قسرًا خارج أمريكا، الرئيس بايدن وإدارته على التصرف بسرعة، وفعل كل ما هو ممكن لإعادة المعتقلين إلى منازلهم، قبل وفاة رهينة أمريكية أخرى، وفق فرانكس، الذي استغرب صمت الإدارة الأمريكية وعدم تعليقها إلى الآن على مقتل كم الماز.

بدوره، أرجع مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، صمت الإدارة الأمريكية حول حادثة مقتل الطبيب الأمريكي السوري لعدة أسباب، وفق ما ذكره لعنب بلدي، من ناحية عدم امتلاك هذه الإدارة قنوات تواصل مباشرة مع النظام السوري، تتمكن من خلالها من التحقق أو التحقيق في حيثيات هذه الحادثة، أو مثيلاتها مما سبقها.

من ناحية أخرى، يفسر العبد الله سلوك إدارة الرئيس بايدن على أنه لا يولي الملف السوري بمجمله تلك الأهمية أو الأولوية الكبيرة، وعلى سبيل المثال، لم يعين مبعوثًا أمريكيًا خاصًا إلى سوريا.

التفاوض مع النظام

كما هو الوضع في آلاف الأسماء والحالات للمختفين قسرًا من المواطنين أو الأجانب في سجون النظام السوري، لم يعترف أبدًا باحتجاز الطبيب كم الماز، ولم يكن هناك سوى القليل من المعلومات الشحيحة التي جمعها المسؤولون الأمريكيون حول مكان وجوده، ويرفض النظام السوري الإفصاح عما إذا كان المعتقلون أحياء أم أمواتًا، كما ينفي استخدام التعذيب وغيره من الانتهاكات بحقهم.

ويعتقد محمد العبد الله أن واشنطن غير مستعدة لمنح النظام السوري تنازلات، أو أن تتجاوب مع مطالبه الكبيرة، وتسييسه لهذا الملف الإنساني، بل تكتفي بتقديم النصح لرعاياها ومواطنيها بعدم السفر إلى سوريا، كونها غير آمنة، وتحذرهم من احتمالية تعرضهم للاعتقال والتغييب القسري، في ظل الظروف الحالية.

وتتطرق “نيويورك تايمز” إلى تفاصيل محاولات التفاوض الأمريكية مع النظام السوري حول إطلاق سراح الرهائن في 2020، بمن فيهم الدكتور كم الماز، حيث سعى مسؤولون أمريكيون للوصول إلى “اتفاق مقبول” لإطلاق سراحهم، لكن النظام السوري كان يعمد دائمًا لاستخدام المعتقلين كوسيلة ضغط ضمنية في المفاوضات، لتحصيل مكاسب على ملفات سياسية، أو اقتصادية، كرفع العقوبات المفروضة عليه من الولايات المتحدة والغرب، وغير ذلك.

العدالة

تصر عائلة الطبيب كم الماز على النضال من أجل محاسبة النظام السوري المسؤول عن اختفائه، ووفاته لاحقًا، وتخطط لمقاضاته للحصول على تعويضات، وذلك في سبيل السعي لتحقيق العدالة لبقية المختفين والمعتقلين في سجون النظام السوري، وسط مخاوف من تكرار نهاية والدهم مع غيره.

وقال مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة،” محمد العبد الله، إنه ليس بإمكان عائلة الطبيب قانونيًا أن تقيم دعوى جنائية أو جزائية ضد النظام السوري، إذ يجب أن تكون الدعوى موجهة ضد أشخاص محددين ثبتت مسؤوليتهم بمقتله، وإلا فتقدم دعوى مدنية ضد النظام السوري تطالبه من خلالها بالتعويض، وذلك على غرار الدعاوى التي قدمها محامون أمريكيون في دعاوى مشابهة.

ويرى المدير التنفيذي للمنظمة السورية للطوارئ، معاذ مصطفى، أن “لمتابعة محاسبة المسؤولين عن قتل الطبيب مجد كم الماز رمزية كبيرة لتحقيق العدالة، من أجل عائلات هؤلاء ومن أجل المعتقلين، الذين لقوا حتفهم أو ما زالوا في سجون النظام السوري، وربما يواجهون نفس المصير، بسبب الاعتقال “الوحشي” والتعذيب، والظروف اللاإنسانية التي يواجهونها، تحديدًا في ظل غياب المحاسبة “.

وتجاوزت أعداد المعتقلين لدى النظام السوري 136 ألف شخص، من إجمالي عدد المعتقلين في سوريا البالغ عددهم قرابة 156 ألف شخص، وفق تقرير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” الأحدث في آذار الماضي.

مجد كم الماز

مجد مروان كم الماز هو طبيب نفسي أمريكي، من أصول سورية، كان يبلغ من العمر حين اعتقاله 59 عامًا، في 14 من شباط عام 2017، وقد عرف عنه نشاطه الإنساني في عدد من مناطق الكوارث والصراع في العالم.

بدأت قصة مجد بعد أن قرر السفر من لبنان، حيث يدير هناك مؤسسة إنسانية غير ربحية، إلى مدينته دمشق، لزيارة قريب له مريض بالسرطان، وبعد أن طمأن عائلته بوصوله إلى سوريا، جرى اعتقاله من قبل حاجز تابع للنظام السوري في منطقة المزة بدمشق، وبعد ذلك اليوم أكدت عائلته انقطاع أي خبر عنه، وأصبح في عداد المختفين قسرًا.

ويذكر مكتب التحقيقات الفيدرالي أن كم الماز كان يتطلع خلال هذه الرحلة إلى إنشاء عيادة في سوريا، لمساعدة من تضرروا من الحرب، وتعرضوا لصدمات نفسية.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة