لمى قنوت
أثار توقيت وملابسات مقتل الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، ووزير الخارجية، حسين أمير عبد اللهيان، وعدد من المسؤولين تكهنات عديدة، وذلك إثر تحطم مروحيتهم بعد تدشين مشروع سد على نهر آراس الحدودي مع أذربيجان. ورغم أن التقرير الأولي الصادر عن مركز الاتصالات التابع لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة لم يُشر، حتى الآن، إلى أسباب سقوط وتحطم المروحية التي كانت تقلهم، فإنه حاول الحد من التكهنات وأعلن عن ست نتائج توصل إليها، مثل أن المروحية لم تخرج عن مسار الرحلة المحدد، وأن النيران اندلعت فيها بعد اصطدامها بالأرض، وأن قائد المروحية كان على اتصال مع طياري المروحتين الأخريين في الموكب قبل دقيقة ونصف من وقوع الحادث، وأن محادثات برج المراقبة مع طاقم الرحلة لم ترصد أي حالات مشبوهة. لقد عكس التقرير الأولي محاولة نزع الشبهات عن تخريب متعمد أدى إلى تحطم المروحية، وحذرًا إيرانيًا من مغبة تصعيد قد يترتب عليه رد عسكري، في جو إقليمي ودولي يُراد احتواء توسع تداعياته العسكرية بعد الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة والتطهير العرقي في الضفة.
بعد حادثة تحطم المروحية، ركزت بعض الأصوات داخل إيران على رداءة الأحوال الجوية وأثر العقوبات على تحديث أسطولهم الجوي المتهالك، لكن عددًا لا يستهان به من مراقبي التطورات السياسية والعسكرية، أشاروا إلى دور إسرائيل في الحادثة، معززين سرديتهم بالنفوذ الواسع لها في أذربيجان، سياسيًا واقتصاديًا وتكنولوجيًا وعسكريًا، والذي تشكلت ملامحه منذ عام 1992، وتوطدت أواصره عامًا بعد عام. فمنذ عام 2016 ولغاية عام 2020، استحوذت إسرائيل على 69% من واردات الأسلحة الرئيسة لأذربيجان، أي 17% من صادراتها، وتشتري 40% من نفط أذربيجان، وبعد السيطرة العسكرية الأذرية على مدينة شوشا في إقليم “ناغورني قره باغ”، ووقف إطلاق النار بينها وبين وأرمينيا في عام 2020، سمحت أذربيجان لـ”الموساد” بإنشاء محطات إلكترونية في حدودها الجنوبية للتجسس على الأنشطة الإيرانية، بالإضافة إلى اتفاق سابق تم بينهما في 29 من آذار 2012، يمنح إسرائيل حق الوصول إلى القواعد الجوية فيها، وبضمنها قاعدة “سيتالشاي” العسكرية التي تبعد 500 كيلومتر عن الحدود الإيرانية في حال أرادت استهداف المنشآت الإيرانية.
وقد شهدت العلاقات توترًا بين إيران وأذربيجان منذ استقلال الأخيرة عن الاتحاد السوفييتي في عام 1991، وتدهورت العلاقات بينهما دبلوماسيًا، تبادلا خلالها الاتهامات في عدة محطات من الصراع بين أذربيجان وأرمينيا التي تدعمها إيران، وصعّدت من تلك التوترات مناورات عسكرية جرت بين عدة دول إقليمية عقب حرب “كاراباخ” الثانية، منها قيام إيران بتدريبات عسكرية على طول الحدود مع أذربيجان في أيلول 2022، وتفاقم التوتر بينهما بعد المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير خارجية إسرائيل، إيلي كوهين، مع نظيره الأذربيجاني، جيهون بيراموف، في نيسان 2023، تحدثا فيه عن تفاهم البلدين على تشكيل جبهة موحدة ضد إيران.
والسؤال الذي يطرح نفسه، ما الذي دعا رئيس دولة ووزير خارجيتها إلى تدشين سد على نهر آراس الحدودي مع أذربيجان، بدل إرسال وزير الطاقة المسؤول عن تشييد السدود، خاصة أن المنطقة توصف بأنها “رخوة استخباراتيًا”، وتمتلك أذربيجان شراكة استراتيجية مع الاحتلال وتعاونًا استخباراتيًا وثيقًا مع “الموساد”، ناهيك بالسفر خلال ظروف جوية سيئة، وحالة الأسطول الجوي المدني والعسكري الذي سبق وأن قضى بسببه عدد من المسؤولين الإيرانيين، مثل سقوط مروحية أقلت وزير الرياضة السابق، حميد ساجري، وعددًا من مرافقيه في عام 2021، وقضى على إثره مساعد وزير الرياضة السابق، إسماعيل أحمدي، وفي عام 2005، قتل قائد القوات البرية لـ”الحرس الثوري”، أحمد الكاظمي، مع عدد من قادة “الحرس الثوري” إثر تحطم طائرة كانت تقلهم، وغيرها العديد من الحوادث. كما سبق لوزير الصناعة والتجارة الإيراني، في تشرين الأول 2023، أن وصف الطائرات المعطلة في مطار “مهر أباد” بطهران بـ”مقبرة الطائرات”.
وأيًا كانت نتائج التقارير الإيرانية الأخيرة، والرغبة الإيرانية في لملمة الحادث، فإن استحقاقًا قادمًا بعد موت رئيسي، المرشح الأبرز لخلافة المرشد الأعلى آية الله خامنئي البالغ من العمر 85 عامًا، والذي لا يتوقع منه إحداث تغيير كبير في بنية السلطة الثيوقراطية منذ أن تربع على عرشها الخميني، والتي قامت على شلال من الدماء لتثبيت سلطته والتخلص من المعارضين واستبعاد المنافسين في مفاصل الحكم وقمع انتفاضات شعبها، وثورات شعوب أخرى كسوريا، لكنه استحقاق قد يوفر بنية مواتية لصراع بين أجنحة الحكم على الرئاسة وغيرها من مراكز السلطة.