بدعم من برنامج تموله الخارجية الأمريكية
منظمات تطلق مشروعًا لفض النزاعات العشائرية في دير الزور
عنب بلدي – دير الزور
أطلقت ثماني منظمات محلية، مطلع أيار الحالي، مشروعًا لتشكيل لجان متخصصة بفض النزاعات العشائرية، ونشر الوعي في ريف دير الزور، بهدف الحد من الاقتتالات العشائرية التي تنشب في المنطقة بين الحين والآخر.
وتركز هذه المنظمات في مشروعها على “تعزيز السلم الأهلي والمساهمة في استقرار ونمو المنطقة”، وفق ما قاله قائمون على المشروع لعنب بلدي.
وتعتقد المنظمات التي أطلقت المشروع أن النزاعات العشائرية التي تتكرر في دير الزور بين الحين والآخر تعكس صورة سلبية عن المنطقة، ما دفعها لإطلاق خطتها التي تقوم على خطوات بدءًا من تحديد المشكلة وصولًا إلى حلها.
المدير التنفيذي لمنظمة “عطاء للإغاثة والتنمية”، تمام محمد الخضر، قال لعنب بلدي، إن المشروع انطلق من أهمية ترسيخ ثقافة الصلح بين الأفراد وضرورة غرسها في النفوس والتحلي بها.
وأضاف أن ثماني منظمات تتلقى الدعم من برنامج “وئام” الممول من الخارجية الأمريكية تشارك في المشروع هي: “عطاء للتنمية”، “عودة”، “سامة”، “ديرنا”، “فراتنا”، “طيف”، “معًا لأجل دير الزور”، “الهندسية للخدمات”.
وتعمل هذه المنظمات على نطاق جغرافي واسع في جميع قرى وبلدات دير الزور، بهدف تعزيز السلم الأهلي ونشر الوعي، وتهدف أيضًا لتخفيف التوترات والنزاعات الأهلية في المنطقة.
وضاح العشيش، موظف في منظمة “عودة” ويعمل في مشروع “فض النزاعات”، قال لعنب بلدي، إن الهدف الرئيس من المشروع هو تخفيف النزاعات والخلافات في دير الزور، خصوصًا بعد تناميها مؤخرًا.
وأضاف أن المشروع مبني على إنشاء لجان للصلح موزعة على عدة مناطق، تشرف على التحكيم في الخلافات باستخدام مجموعة متنوعة من القوانين، بما في ذلك القوانين المدنية، وأحيانًا الشرعية الإسلامية، والعرف العشائري، وذلك بحسب طبيعة كل قضية.
وتعقد اجتماعات أسبوعية وشهرية بين العاملين في المشروع وأعضاء اللجان لمناقشة أحداث المنطقة، والنظر في الخلافات الحالية وطرق حلها.
لا قدرة على المحاسبة
يدفع الواقع المعيشي المتردي في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” شرقي دير الزور المدنيين للجان الصلح والوجهاء، بسبب عدم قدرتهم على تحمل تكاليف المحامين في المحاكم، إلى جانب عدم ثقتهم بإنصاف القضاء المحلي، وفق ما قاله بعضهم لعنب بلدي.
مختار قرية جديد عكيدات، عبود الجدعان، قال لعنب بلدي، إن السكان لا يستطيعون تأمين أجور مرافعات المحامين في “محكمة الكسرة” شرقي دير الزور، إلى جانب أجور التنقل من وإلى المحكمة.
وأضاف أن تكلفة سيارة الأجرة من بلدة جديد عكيدات إلى المحكمة قد تتخطى الـ300 ألف ليرة سورية، ما يدفع الناس لاختصار بعض التكاليف المادية، والتوجه إلى اللجان والوجهاء، بغية التوصل لحلول توافقية بين أطراف النزاع.
ووفق المختار، لا يمكن تعميم التجربة على جميع سكان المنطقة، إذ أشار إلى أن البعض يفضلون التوجه للمحاكم بناء على حجم القضية وأطرافها.
صالح العلي، هو مزارع من أبناء ريف دير الزور الشرقي، وممن جربوا اللجوء سابقًا للجان التحكيم، قال لعنب بلدي، إن عمل اللجان لم يأتِ بأي فائدة لسكان المنطقة حتى الآن، خصوصًا أنها لا تتمتع بسلطة لمحاسبة المدان.
وأضاف أن الكثير من المشكلات تحتاج إلى سلطة تقضي وتنفذ الأحكام فيها، وهو ما يجعل من المستحيل أن تكون اللجان بديلة عن القضاء.
وتعتقد رهف الأحمد، وهي من سكان المنطقة أيضًا، أن عمل اللجان بالنسبة للقضايا البسيطة “جيد”، ولكن هناك أمور تحتاج إلى تدخل القضاء، مثل قضايا القتل وإشهار السلاح في المشكلات العشائرية التي زادت حدتها في الآونة الأخيرة.
فكرة قديمة
في قرى ريف دير الزور الشرقي، حيث تسيطر “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، يتولى بعض الأشخاص مهمة الإصلاح بين أهالي المنطقة، والتدخل في حل المشكلات بغض النظر عن حجمها، لكن هؤلاء الأشخاص يكلّفون من قبل “الإدارة الذاتية”.
مختار قرية جديد عكيدات، عبود الجدعان، وهو أحد وجهاء عشيرة “البكير”، ذكر لعنب بلدي أن المنطقة تضم لجانًا مشكّلة من وجهاء المنطقة ممن يتمتعون بسمعة جيدة ويحظون بشعبية لقيادة هذه اللجان.
وتشكل هذه اللجان منذ خمس سنوات عن طريق المجلس المدني التابع لـ”الإدارة الذاتية”، ويتضمن مجموعة متخصصة بالقضايا العشائرية، ولجنة تتابع القضايا والشؤون المتعلقة بالمرأة، وفق المختار.
ويتكون أعضاء اللجنة من سكان القرية وأحد الوجهاء وشخصيات فاعلة ومقبولة بين الأهالي، والتي تتمتع بالقدرة على إيجاد حلول دائمة للمشكلات.
وتتدخل هذه اللجان في بعض الأحيان على الصعيد المالي للمساعدة في حل المشكلات المتعلقة بالنزاعات المالية، وتسعى لتقديم الصلح بين المتخاصمين، نظرًا إلى عدم وجود نظام قضائي ينصفهم، وفق المختار.
ويعتقد بعض سكان المنطقة ممن حاولوا الاستعانة بهذه اللجان في قضاياهم أن تلك التي شكلها “مجلس دير الزور المدني” ليس لها أي تأثير فعلي على أرض الواقع.
وتضم اللجان نفسها وجهاء عشائر يعينهم مكتب العلاقات في “المجلس” لحل المشكلات، لكن راما هزاع التي تقدمت بشكوى متعلقة بإرث عائلتها، قالت لعنب بلدي، إن اللجان لا تملك ما تقدمه لأبناء المنطقة، إذ قالت إنها راجعت “مكتب الصلح” في البصيرة شرقي دير الزور أكثر من خمس مرات، وأُبلغت أن تذهب لدور القضاء كون مشكلتها عائلية.
من جانبه، محمد الغضيب، يتبنى وجهة النظر نفسها تجاه لـ”لجان الصلح” التابعة للمجلس المدني، إذ قال لعنب بلدي، إنه تعرض لحادث سير مع سيارة عسكرية تابعة لـ”قسد”، وطالب من لجنة الصلح التدخل بغية الحصول على تعويض عن أضرار أصابته ولم يتمكن من تحصيل أي من حقوقه.
وأضاف أنه أجرى جراحة في القدم كلفته 1500 دولار أمريكي، كما أن دراجته النارية تحطمت، ثم رفض مركز “الأمن الداخلي” (أسايش) شكوى تقدم بها بحجة أن السيارة كانت بمهمة عسكرية لملاحقة أحد المطلوبين.
خلافات تتكرر
تشكل القبائل العربية أغلبية التعداد السكاني شرقي وشمال شرقي سوريا، وتنتشر على طول نهر “الفرات”، وفي الجزيرة السورية ومدن ومناطق أخرى من سوريا، لكن على الرغم من هذا الانتشار، فإنها لا تنضوي تحت تنظيم عسكري أو زعامة واحدة، وتتكرر الخلافات العشائرية أو العائلية في المنطقة التي تحولت في الكثير من الأحيان لمواجهات مسلحة.
وتُعتبر الخلافات وقضايا الثأر وغيرها مقومات تؤدي إلى الاقتتال العشائري الذي ينشب في مناطق وجود القبائل العربية، خصوصًا في المنطقة الشرقية من سوريا.
وفي نهاية نيسان الماضي، نشب اقتتال عشائري في بلدة الشحيل شرقي دير الزور، أسفر عن مقتل أحد أبناء البلدة، أطلق خلالها أبناء البلدة مناشدات لوجهاء المنطقة للتدخل وإيقاف الاقتتال، وفق ما نقلته “وكالة باز نيوز” المتخصصة بتغطية أخبار المحافظة.
سبق ذلك اقتتال عشائري آخر في بلدة أبو حمام شرقي دير الزور، أسفر عن إصابة سبعة أشخاص بجروح متفاوتة، وفق ما أفاد به مراسل عنب بلدي في المنطقة حينها.
وفي منتصف 2022، نشب اقتتال عشائري في بلدة الحصان غربي دير الزور استمر ليومين، وتحدثت وسائل إعلام محلية حينها عن سقوط قتلى وجرحى.
وقبلها ببضعة أشهر، جرى اقتتال استمر ليومين في بلدة غرانيج شرقي دير الزور بين اثنتين من كبرى عوائل المنطقة، أسفر عن قتلى وجرحى من الطرفين.
وتتبع “قسد” في أغلب الاقتتالات العشائرية سياسة النأي بالنفس، ولا تتدخل في الكثير منها، بينما تخرج في مناسبات أخرى لتشن حملات أمنية بهدف إيقاف الاقتتالات، وتصادر أسلحة يملكها أفراد العشائر المقتتلة.
اقرأ أيضًا: اقتتال العشائر في المنطقة الشرقية.. آثار اجتماعية وسياسية
شارك في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي في دير الزور عبادة الشيخ
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :