شعارات عسكرية وعقائدية تترك أثرها لدى أجيال من السوريين
عنب بلدي – يامن المغربي
“جاثيًا، مشية البطة، 100 ضغط، رتلًا ترادف”، مصطلحات يحفظها السوريون ممن عاشوا مراحل من حياتهم في مدارسها، وانخرطوا دون إرادة في منظماتها المؤدلجة، واستمرت تلك المظاهر والشعارات حتى ما بعد المظاهرات الشعبية التي طالبت برحيل النظام السوري في 2011، مع تغيير في شكل العبارات أو الشعارات، بينما تخلص منها الجيل الجديد من الأطفال من أبناء اللاجئين أو النازحين إلى خارج مناطق سيطرة النظام، مع فارق وجود قوى سيطرة أخرى، داخل سوريا، بدأت تفرض أيديولوجياتها القومية أو الدينية على الجيل.
هذه المصطلحات التي حُفرت بذاكرة السوريين، ويستخدمها الكثيرون اليوم للتندر أو السخرية وكذلك المزاح، تعكس في داخلها سلوكًا وثقافة مختلفة، وتشير في مواضع أخرى إلى سلوك يطبع بعض الأشخاص، وتشير أيضًا إلى مدى تجذّر المصطلحات العسكرية في اللغة اليومية للسوريين وتأثيرها على ثقافتهم أيضًا.
ولعبت المؤسسة العسكرية في سوريا، منذ إعلان استقلالها عن فرنسا في 1946، دورًا كبيرًا في الحياة السياسية والاجتماعية السورية، سواء من ناحية الانقلابات التي نفذها العسكر للاستيلاء على السلطة، أو من خلال تدخلهم المباشر في العمل السياسي إلى جانب المدنيين.
ومع وصوله إلى السلطة في سوريا عام 1971، بعد انقلاب عسكري نفذه تحت مسمى “الحركة التصحيحية” في 1970، كرّس حافظ الأسد الطابع العسكري في جميع مفاصل الحياة العامة للبلاد، سواء عبر الخدمة الإلزامية العسكرية ومدتها الزمنية، أو الصلاحيات الممنوحة للجيش، وكذلك من خلال ألوان اللباس المدرسي الموحد، الأشبه باللباس العسكري، ويضاف إلى ذلك كله، المنظمات “المدنية” التي تحمل طابعًا عسكريًا، كمنظمتي “الطلائع” و”شبيبة الثورة”.
شعارات عالقة في الذهن
اصطبغت جدران المدارس في سوريا بألوان باهتة، وأسوار عالية، ويذكر السوريون الشعارات التي رددوها في “الطابور الصباحي” طيلة دراستهم لـ12 عامًا ضمن المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، بما في ذلك “تسقط حركة الإخوان المسلمين العميلة”، أو ترديد نشيد “حزب البعث” (يا شباب العرب هيا)، و”رتلًا ترادف”، بالإضافة إلى مواد التربية العسكرية (الفتوة)، وهو ما يعني بشكل مباشر عسكرة للمجتمع.
لباس ومدارس بطابع عسكري
في حين كانت ألوان المدارس وأبنيتها باهتة، كانت الملابس المدرسية حتى مطلع 2003 تتكون من اللونين الرملي (البيج) للابتدائية، والأخضر العسكري للمرحلتين الإعدادية والثانوية، قبل أن يصدر بشار الأسد قرارًا بإزالة المادة العسكرية وتغيير اللباس المدرسي.
المختصة النفسية سلوى عرابي، أوضحت في حديث لعنب بلدي، وجود تطابق وتداخل بين اللغة التي يستخدمها الإنسان، والألفاظ، وبين حياته الاجتماعية التي يعيشها والثقافة التي تغلب على المجتمع.
وقالت إنه في سوريا وعلى اختلاف المدن، هناك ثقافة شائعة وعامة تطفو على سطحها ثقافة قاسية في بعض الأحيان، كنتيجة لتحركات النظام السوري في هذا الصدد.
وأضافت يمكن مشاهدة هذا الأمر في الشوارع حيث انتشار المظاهر العسكرية، وفي ملصقات الجدران، حتى المدارس يغلب عليها هذا الطابع من خلال ألوان الجدران واللباس المدرسي الشبيه بالعسكري، هذا كله يطبع سلوك الإنسان بشيء من العنف والعدائية والطابع العسكري.
وتحمل المصطلحات المستخدمة شكل القوة والعنف وتصل إلى حد الإجبار والقهر، ودائمًا ما تتأثر مصطلحات الإنسان بالجو العام وما يشعر به، والمواطن السوري يعيش هذا النوع من الكبت وتمارَس عليه أنماط العنف والسيطرة، وبالتالي من الطبيعي أن تطبع لغته بهذا الأمر، وفق عرابي.
وخلال سنوات طويلة، طبع النظام السوري المجتمع ومؤسسات الدولة بالطابع العسكري، ولم يكن ضروريًا أن يشعر السوريون أنهم أمام حكم عسكري بمجرد الوجود ضمن مبانٍ عسكرية لإجراء معاملات روتينية، بل يمتد الأمر إلى المؤسسات الحكومية المدنية، سواء على الجدران التي تحيي الجيش، وصور الأسد بالبدلة العسكرية، وغيرها من التفاصيل.
التأثير على السلوك
يمتد تأثير المصطلحات التي يستخدمها الإنسان إلى ما هو أبعد من مجرد نطقها، ليصل إلى شكل ثقافة عامة أيضًا، تتأثر وتؤثر في الفرد ومحيطه كذلك.
ووفق دراسة نشرها “المركز الديمقراطي العربي” في 2017، فإن اللغة هي انعكاس للثقافة التي يصنعها ويستعملها الناس في المجتمع، وتؤثر في طريقة استخدامها.
في حين أشار بحث بعنوان “اللغة في تنمية السمات الشخصية للفرد”، نتجت عن المؤتمر الدولي الثالث للغة العربية، إلى أن العوامل المتعلقة ببيئة الفرد تلعب دورًا كبيرًا في اكتسابه للغته ومصطلحاته، وهو ما سيؤثر بالتالي على سلوكه نفسه، بالإضافة إلى ارتباطها بعلم النفس.
وبقدر ما يتأثر الإنسان بالمحيط والتجارب، تتأثر شخصيته كذلك بالمصطلحات التي يستخدمها في حياته اليومية، ويصل التأثير إلى السلوك، الذي يعرّف بأنه سيرة الإنسان وتصرفاته، والسلوك في علم النفس هو الاستجابة الكلية التي يبديها الكائن الحي إزاء أي موقف يواجهه.
ويمكن من خلال التعريف السابق للسلوك، معرفة مدى تأثير اللغة على سلوك الإنسان، إذ تصبغ العلاقة بينهما، أي اللغة والسلوك، علاقة تأثير متبادل، وكلاهما يتأثر بجملة من العوامل المرتبطة بالأسرة والحياة اليومية في المدارس والشوارع ومؤسسات العمل.
يتجاوز دور اللغة في حياة الإنسان عملية التواصل، إذ إن اللغة المكوّنة من جمل ومفردات تعبّر عن مجموعة من خصائص الشخص نفسه، والتي تعكس بدورها طريقة تفكيره ومشاعره وشخصيته، كما تتأثر لغته بالمحيط الاجتماعي والثقافي، وتجاربه التي خاضها خلال سنوات حياته.
وفق المختصة النفسية سلوى عرابي، تؤثر الألفاظ، التي تتسم بشيء من العدائية والعنف على الإنسان، وتصبح هناك عملية تبادل وتطابق بين سلوك الإنسان ولغته، وبالتالي عندما يستخدم لغة عسكرية فكذلك سيحمل سلوكه ذات الطابع، والأمر يتكرر مع المصطلحات العنيفة أو اللطيفة أو القاسية التي يستخدمها.
تؤدي هذه المشاهد اليومية إلى تحويل سلوك الإنسان، وبالتالي لغته، إلى هذه الصورة والطابع العسكري، وهو ما يزرع نوعًا من الخوف والقلق، وفق عرابي، ويمتد لاحقًا ليتحول إلى ثقافة مجتمعية تؤثر على سلوك الأفراد.
آثار أخرى للعسكرة
خلال السنوات التي تلت اندلاع الثورة، اشتدت ظاهرة الاستقطاب، وترك الطابع العسكري أثره على الحياة العامة وحتى على الدراما والفن، كما أثرت ظواهر أخرى مثل انتشار المخدرات على اللغة والذوق العام.
ويمكن رصد مشاهد العسكرة والعنف في الدراما، وكذلك في بعض الأغاني التي صارت تشبه الحبيبة بالسلاح، كأغنية “الطلقة الروسية”، والتغني بالحبيب العسكري في أغنية “عسكوري”، وأغانٍ أخرى مثل “حرب الحب” و”يا ريتني عسكري”.
ووفق دراسة نشرها معهد “كارنيغي للشرق الأوسط“، في 2016، غيّر النظام السوري بعد معاركه مع إسرائيل في لبنان عام 1982، الدور الأساسي للجيش، وتحوّل إلى دور رمزي، وأصبح التجنيد الإلزامي العام أداة فعالة لإدارة المجتمع السوري.
وبدأ التجنيد الإلزامي في سوريا منذ عام 1947، مع صدور القانون رقم “356“، ومدته 18 شهرًا، وفي 1956 ارتفعت لتصبح 24 شهرًا.
بعد هزيمة 1967، ارتفعت مدة الخدمة الإلزامية، وتحديدًا في عام 1968 لتصبح 30 شهرًا، ومع وصول بشار الأسد إلى سدة الحكم في سوريا، أصدر قرارًا في 2005 بتخفيض المدة لتعود لـ24 شهرًا.
وفي آذار 2011، أصدر تعديلًا جديدًا لتعود المدة إلى 18 شهرًا.
لكن عمليات التسريح شهدت تجميدًا مع اندلاع العمليات العسكرية في سوريا بعد عام 2011، قبل أن يبدأ بعمليات تسريح محددة للمجندين مع تراجع وتيرة العمليات العسكرية على الأرض والتركيز على الغارات الجوية بمشاركة روسية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :