اللاذقية – ليندا علي
يضع كثيرون من أبناء اللاذقية أيديهم على قلوبهم، قلقين من تطبيق قرار صدر مؤخرًا عن محافظة اللاذقية، ويقضي بمنع عمل الدراجات النارية داخل المدينة، من الساعة 10 مساء وحتى السابعة صباحًا.
ورغم القرار، لا تزال ضوضاء أصوات الدراجات تملأ معظم أحياء المدينة، من الصليبة حتى الزراعة مرورًا بالدعتور والمشروع الثامن وغيرها من أحياء المدينة.
تشكل الدراجات النارية فرصة عمل لكثير من أهالي المدينة، أو وسيلة نقل جيدة رخيصة الثمن بظل ارتفاع أجور “التكاسي”، ولا سبيل للتخلي عنها، فالحاجة إليها أكبر بكثير من ضجيج أو إزعاج تسببه.
“أبو محمد”، نازح من مدينة حلب يعيش في حي الصليبة، قال إن دراجته النارية سبيل رزقه الوحيد الذي يعتمد عليه وعائلته المؤلفة من ثلاثة بنات ويافع وزوجة.
يبدأ نهار “أبو محمد” منذ السابعة صباحًا، حين تحضر زوجته القهوة والمياه الساخنة اللازمة لإعداد مختلف المشروبات، والتي يحملها عبر دراجته النارية إلى إحدى زوايا المدينة، محولًا دراجته إلى “بسطة” لبيع المشروبات.
ينتهي عمل “أبو محمد” بحلول الظهيرة تقريبًا عند الساعة الرابعة عصرًا، ويرتاح قليلًا ليبدأ دوامه المسائي، حيث يختار إحدى الزوايا التي يكثر فيها الناس، إما في حديقة أو على الكورنيش الجنوبي، ويستمر بعمله هذا حتى بعد منتصف الليل، بحسب الزبائن ونفاد الكميات، وغالبًا فإنه يبقى إلى ما بعد الثانية ليلًا في فصل الصيف.
قرار المحافظة هدد لقمة عيش الرجل الخمسيني، وقرر المغامرة والذهاب إلى عمله كالمعتاد، مؤكدًا أن أحدًا لم يوقفه أو يعترض طريقه، ليدرك أن القرار في الغالب لن ينفذ ويأمل ألا ينفذ أبدًا.
ومثل “أبو محمد” الكثير من الشباب والرجال، الذين تنتشر دراجاتهم النارية على طول الكورنيش وبالقرب من الحدائق العامة مثل “البانوراما”، يبيعون المشروبات أو يستخدمون الدراجات النارية لجر عربات الفول والذرة.
وسيلة نقل
القرار الذي يتمنى كثير من أهالي المدينة وضواحيها عدم تنفيذه، سينعكس وبالًا على الشباب الذين يعملون بالمقاهي أو مطاعم الوجبات السريعة وسط المدينة بينما يقيمون في الضواحي البعيدة، مثل الضاحية وسقوبين والدعتور، وغالبًا ما يبدأ دوامهم عند الخامسة عصرًا ولا ينتهي قبل الـ12 بعد منتصف الليل.
علي (28 عامًا)، يعمل نادلًا في مقهى وسط اللاذقية، ويقيم في الضاحية عند مدخل المدينة، وفي معظم الأحيان ينتهي عمله بعد الساعة الـ12 ليلًا، حيث لا توجد وسائل نقل، ما يضطره إلى استخدام دراجته النارية كما قال، وأضاف أنه سيضطر إلى ترك عمله الذي عثر عليه بعد بحث مضنٍ في حال تم تطبيق القرار وتفعيله.
كما تنتشر الدراجات النارية بكثافة بالقرب من “كراج البولمان”، و”كراج” قرب مدخل المدينة، وتعتبر وسيلة نقل جيدة للمسافرين الرجال الذين تتقطع بهم السبل في إيجاد “باص” نقل عام بعد الساعة التاسعة مساء، ويلجؤون للدراجات النارية لقلة أجورها مقارنة بأجور “التكاسي”، فهي تعادل نحو 25% من أجرة “التاكسي” تقريبًا.
على سبيل المثال، يتقاضى سائق الدراجة النارية من “الكراج” في مدخل المدينة إلى حي الدعتور مبلغ 10 آلاف ليرة سورية، بينما تبلغ أجرة “التاكسي” لذات المسافة 25 ألف ليرة بعد المفاصلة، إذ غالبًا ما يطلب السائق 30 ألفًا، وكثير منهم لا يقبلون بأقل من ذلك.
طلبات التوصيل
بسبب ندرة فرص العمل والحاجة إليه، لجأ كثير من أصحاب الدراجات النارية لاستغلال امتلاكهم لها وتحويلها إلى مصدر دخل، ونقل الطلبات إلى المنازل خصوصًا في الليل.
مها (35 عامًا)، وهي موظفة في القطاع العام، تعيش في حي مشروع البعث، قالت إنها لا تجرؤ على الخروج من منزلها بعد الساعة التاسعة مساء إن لم يكن برفقتها أحد من أهلها، فزوجها مغترب وأطفالها لا يزالون صغارًا، وكانت قد اتفقت مع زوج زميلتها في العمل لإحضار طلبات المنزل في أي وقت مقابل أجر قدره 8000 ليرة.
مها التي شكل القرار صدمة بالنسبة لها، أخبرها زوج صديقتها أن من المستحيل تنفيذه، “فالقصة فيها قطع أرزاق وبدها تعملن بلبلة كبيرة”، مشيرة إلى أنها مثلًا كانت تطلب وجبات طعام عبر أحد التطبيقات الذي يتقاضى مبلغ 20 ألف ليرة عن الطلب، بينما تستطيع الحصول على الطلب ذاته بمبلغ 8000 ليرة.
وتنتشر في اللاذقية عدة شركات توصيل تستخدم الدراجات النارية، وأجرينا اتصالًا مع إحداها، في 10 من أيار الحالي، بعد يومين من صدور القرار، وطلبنا طعامًا من أحد المطاعم داخل المدينة، ليتم الطلب كالمعتاد، وحين سألنا عن ماهية القرار، أخبرنا قسم خدمة العملاء أنه لا توجد تحديثات جديدة والأمور تجري كالمعتاد، وبالفعل وصل الطلب على دراجة نارية كالمعتاد.
ورغم أهميتها البالغة في حياة كثير من أهالي مدينة اللاذقية، فإن الدراجات النارية تشكل مصدر قلق كبيرًا بالنسبة لكثير من الشابات والنساء، اللواتي يتعرضن للتحرش أو السلب من قبل بعض أصحاب تلك الدراجات، الذين يستغلون الظلام الدامس نتيجة التقنين، ما يثير الهلع والرعب بين الناس أحيانًا.