تقليص الإنفاق وراء دمج مؤسسات إنتاجية في سوريا
يندرج توجه حكومة النظام السوري نحو دمج المؤسسات الإنتاجية ضمن حزمة تدابير تهدف إلى تقليص الإنفاق الحكومي، خاصة أن غالبية تلك المؤسسات خاسرة ومتوقفة عن العمل منذ أكثر من عقد.
وتعد موافقة مجلس الشعب على مشروع قانون إحداث “الشركة العامة للصناعات الغذائية” لتحل مكان “المؤسسة العامة للصناعات الغذائية”، و”المؤسسة العامة للسكر”، في 19 من أيار، أحدث مثال على ذلك.
ونص مشروع القانون، على أن تكون الشركة المحدثة (مقرها حماة) محل المؤسسة “العامة للصناعات الغذائية” والشركات التابعة لها و”المؤسسة العامة للسكر” والشركات والمعامل التابعة لها في كل ما لها من حقوق وما عليها من التزامات، ويحل اسمها محل اسم المؤسستين المذكورتين أينما وردا في القوانين النافذة.
والهدف من إحداث الشركة، وفق ما نقلت صحيفة “تشرين” الحكومية، تلبية احتياجات السوق المحلية من المنتجات الغذائية وتعزيز مقومات الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي وتعزيز الحصة السوقية للشركة، وزيادة تنافسية منتجاتها من حيث الجودة والأسعار وتحسين الأداء في إدارة الإنتاج وإعادة هندسة الأنشطة وتوطينها بما يعزز الإنتاجية.
إضافة إلى خلق فرص تنمية جديدة في الصناعات الغذائية المختلفة، والسعي لاستثمار الإنتاج الزراعي والحيواني المتوفر محليًا، وإدخاله بعمليات التصنيع الزراعية الغذائية، بما يسهم في زيادة القيمة المضافة.
وقال وزير الصناعة، عبد القادر جوخدار، إن مشروع القانون جاء كون المؤسسة العامة للصناعات الغذائية والمؤسسة العامة للسكر تتكاملان في نشاطهما ضمن ذات القطاع وتقعان على سلسلة توريد واحدة بدءًا من شراء المحاصيل الزراعية ثم تصنيعها وصولًا بها إلى السوق.
وسبق أن دمجت المؤسسة العامة للصناعات النسيجية والمؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان في مؤسسة تحمل اسم “الشركة العامة للصناعات النسيجية” في منتصف آذار الماضي.
وفسر قانون الدمج حينها الخطوة بأنها تأتي ضمن “إعادة الهيكلة وتطوير البنى الإدارية لمؤسسات الدولة”.
وأضاف أن الشركة العامة الناشئة من شأنها رفع كفاءة وجودة المواد الأولية والإنتاج النهائي من خلال تطوير الأصناف الحالية ورفع القدرة على إنتاج أصناف ومنتجات جديدة.
مؤسسات خاسرة ومتوقفة
ولا يمكن إخفاء الهدف الحقيقي من اختصار المؤسسات عبر التمويه بالحديث عن التنافسية وتحسين الإنتاج، كما يرى وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة، عبد الحكيم المصري، معتبرًا أن “الهدف الرئيسي من كل ذلك، هو تقليل النفقات الحكومية التي تُصرف على مؤسسات متوقفة أساسًا”.
وأكد المصري، لعنب بلدي، أن فكرة دمج المؤسسات كانت موجودة سابقًا، غير أن حسابات منعت النظام من التوسع في تنفيذ الفكرة، منها التشابكات المالية الكبيرة بين المؤسسات، وحاجة النظام إلى إحداث مناصب لدائرته الضيقة.
“كانت أوضاع النظام الاقتصادية جيدة، والنظام يتغاضى الفساد الوظيفي والنهب الحكومي، ولا يزال”، بحسب المصري، غير أن “الحال اختلف نتيجة العجز التراكمي”.
واليوم صار دمج المؤسسات “حاجة ملحة”، وفق تعبير الوزير المصري، بسبب الخسائر الكبيرة مقابل إفلاس الخزينة، وعدم مزاولة هذه الشركات للحد الأدنى من العمل، علاوة على نقص اليد العاملة، نتيجة التسرب الوظيفي، إذ لم تعد الرواتب قادرة على تغطية أبسط النفقات، مثل المواصلات.
حديث المصري عن خسائر كبيرة، تدعمه الأرقام الرسمية على قلتها، ففي العام 2017 قدرت “المؤسسة العامة للسكر” الخسائر المباشرة لمعامل السكر في دير الزور والرقة وحلب والغاب خلال فترة الحرب، بنحو 6.5 مليار ليرة سورية.
والحال ذاته، ينطبق على “المؤسسة العامة للصناعات الغذائية”، التي أكدت إدارتها في العام 2018، خسائر الشركة بحوالي 590 مليون ليرة، خلال العام 2018 فقط، وعزت ذلك إلى عدم توافر المواد الأولية.
إيرادات مالية ناشئة
في المقابل، ثمة من يضع القرارات الاقتصادية في خدمة توجه النظام نحو “إعادة تشكيل وترتيب المشهد الاقتصادي”، بالاعتماد على الإيرادات المالية المتبقية، والإيرادات الناشئة بعد اندلاع الثورة، مثل الضرائب الكبيرة، ورسوم جوازات السفر، وعائدات تجارة الحرب.
في هذا الاتجاه، ترى دراسة صادرة عن مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” في كانون الثاني 2023، أنه في ظل ما يشهده الاقتصاد السوري من انهيارات متواصلة، فإن الوضع قابل للانفجار في أي لحظة، ومع تراجع دور الدولة وخدماتها، يجد النظام نفسه مضطرًا للمضي قدمًا لتوطيد سلطته، وتقوية هياكله الخاصة.
وأضافت الدراسة أنه “بخلاف الاقتصاد الإنتاجي المتعثر، ازدهرت أنشطة اقتصاد الحرب كالتهريب وتجارة المخدرات، حيث أشارت عدة تقارير إلى تورط هياكل أمنية وشخصيات قيادية في النظام إلى جانب شركاء آخرين، ما يتيح للنظام موارد للتعاطي مع استحقاقاته للبقاء في السلطة”.
تعليقًا على ذلك، يقلل وزير الاقتصاد في “المؤقتة”، عبد الحكيم المصري، من حظوظ نجاح محاولات النظام الهادفة إلى ترتيب “الحالة الاقتصادية”، نتيجة الخلل البنيوي في منظومته الاقتصادية، فضلًا عن العجز المالي الكبير.
وبالعودة إلى دمج الشركات الحكومية، لا يستبعد الوزير أن يكون من بين الأهداف بيع بعض أصول الشركات، بحجة انتهاء العمل بها بعد دمجها بمؤسسات ناشئة، مختتمًا بقوله، “لن تمانع إيران من الاستحواذ عليها، مقابل استرداد بعض ديونها المتراكمة”.
وكان وزير المالية في حكومة النظام السوري، كنان ياغي، قال في 22 من أيار الحالي، إن خسائر الاقتصاد السوري خلال 13 عامًا من الحرب بلغت 300 مليار دولا أمريكي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :