أدوار سياسية واقتصادية وعسكرية.. ما أبرز محطات إبراهيم رئيسي في سوريا
أعلنت الرئاسة الإيرانية، صباح الاثنين 20 من أيار، مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي ومسؤولين مرافقين له، إثر تحطم المروحية التي كانت تقلهم في محافظة أذربيجان الشرقية.
تسلّم رئيسي الحكم في آب 2021، بعد فوزه في الانتخابات بنسبة 63%، ليعود المحافظون الإيرانيون إلى السلطة بعد ثماني سنوات من حكم الإصلاحيين بقيادة حسن روحاني، وكان لرئيسي خلال حوالي 3 سنوات من الحكم دورًا فاعلًا في الملف السوري، على المستوى السياسي والعسكري والاقتصادي.
حوّل سوريا إلى ساحة حرب دولية
شهدت فترة حكم رئيسي تصاعد التوتر العسكري في سوريا، التي تحولت إلى ساحة حرب دولية، حيث أدى تزايد النشاط العسكري الإيراني في المناطق السورية إلى تصعيد إسرائيل استهدافاتها لمواقع عسكرية داخل سوريا.
القصف الإسرائيلي لمواقع عسكرية إيرانية داخل سوريا، تحوّل في بعض الفترات إلى استهداف شبه يومي، وكان معظمه يطال مطاري “حلب” و”دمشق” اللذين خرجا عن الخدمة عشرات المرات.
التصعيد الإسرائيلي بلغ ذروته حين قصفت تل أبيب مقر القنصلية الإيرانية في حي المزة بدمشق في 1 من نيسان الماضي، ما تسبب في مقتل 3 ضباط إيرانيين، أبرزهم اللواء محمد رضا زاهدي.
إيران ردّت على استهداف قنصليتها بإطلاق عشرات الصواريخ على مواقع داخل إسرائيل، لتعاود الأخيرة الردّ بقصف مواقع عسكرية في إيران وسوريا.
رئيسي نقل الصراع العسكري بين بلاده والولايات المتحدة الأمريكية إلى سوريا، ففي شباط الماضي، قصفت ميليشيات إيرانية بعدد من الصواريخ قاعدة التحالف الدولي في حقل “العمر” النفطي بريف دير الزور الشرقي، ردًا على قصف واشنطن مواقع عسكرية إيرانية في العراق وسوريا.
إبراهيم رئيسي استغل كذلك كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا في شباط عام 2023، لنقل أسلحة إلى سوريا.
وذكر تقرير لشبكة “CNN” الأمريكية أنه تحت ستار شحنات مساعدات الزلزال إلى سوريا، رصدت إسرائيل تحركات كبيرة لمعدات عسكرية من إيران إلى سوريا، وأن معظم تلك الأسلحة سُلمت إلى مطار حلب، ما جعل إسرائيل تشن ضربات جوية ضد تلك الشحنات بعد حصولها على معلومات مخابراتية دقيقة.
مساعٍ لتحصيل فاتورة الحرب
رئيسي كان أول رئيس إيراني يزور سوريا منذ بدء الثورة السورية، حيث اصطحب معه حينها وزراء الخارجية والنفط والدفاع والاتصالات والطرق وبناء المدن، والتقى مع بشار الأسد بدمشق في أيار 2023.
رئيسي استغل زيارته إلى سوريا ووقع حينها مع الأسد 15 اتفاقية تعاون بين البلدين، في مجالات الزراعة والنفط والنقل والمناطق الحرة والاتصالات وفق ما ذكرته وكالة “مهر” للأنباء، حيث تعد إيران تلك الاتفاقيات بمثابة مكافأة لها على دعمها العسكري للنظام السوري خلال الحرب في سوريا.
وقال الباحث في مركز الحوار السوري الدكتور أحمد قربي، إنه “عند وصول إبراهيم رئيسي إلى الرئاسة الإيرانية، كانت سوريا دخلت مرحلة الجمود على الجبهات، وانتهت العمليات العسكرية الكبرى، وبالتالي لم يكن له دور كبير في الجانب العسكري، لذا حاول رئيسي التركيز على الجانب الاقتصادي والذي تمثل في دورين، الأول محاولته مساندة النظام اقتصاديًا ومنع انهياره، كون الأخير كان يعاني من وضع اقتصادي هش، إلى جانب الدمار في البنية التحتية وأزمات الوقود بعد سنوات من المعارك”.
وأضاف قربي لعنب بلدي، “أما الدور الثاني الذي قام به رئيسي، فهو محاولة تحصيل فاتورة الحرب التي أنفقتها إيران نتيجة مساندتها العسكرية لنظام الأسد لسنوات، لذا لاحظنا أن هدفه كان عند زيارته الأولى إلى سوريا، هو توقيع اتفاقيات اقتصادية طويلة الأمد، تساهم في تثبيت نفوذ إيران في سوريا، وتدر عليها الأموال”.
مفتاح للتقارب والتطبيع
سعى رئيسي خلال لقائه مع الأسد في دمشق إلى الوساطة من أجل تحقيق تقارب بين تركيا وسوريا، وقال وزير الخارجية الإيراني السابق، حسين أمير عبد اللهيان، “نرحب ببدء التقارب بين دمشق وأنقرة، والجهود التي بدأتها إيران لتحقيق هذا التقارب بدأت تؤتي ثمارها هذه الأيام”، بحسب ما ذكرت وكالة “تسنيم“.
الأسد بدوره زار إيران في عهد رئيسي مرة واحدة في أيار 2022، وأفادت صحيفة “الاستقلال“، أن طهران استدعت رئيس النظام السوري لمطالبته بتعزيز الدور الإيراني أمنيًا واقتصاديًا في سوريا، مستغلة انشغال روسيا في حرب أوكرانيا.
أسهم رئيسي في إعادة العلاقات بين طهران والرياض، والتي كانت بوابة لتطبيع السعودية علاقاتها مع الأسد الذي يعد الحليف الأبرز لإيران.
وأعلنت الخارجية السعودية، في آذار 2023، استئناف العلاقات مع النظام السوري، مشيرة إلى أن العمل سيجري خلال الفترة المقبلة على إعادة فتح قنصليتي البلدين بعد إغلاق زاد على العشر سنوات، إثر القطيعة الطويلة بين الحكومتين.
بدوره أفاد مصدر مقرب لدمشق لوكالة “رويترز“، أن الاتصالات بين الرياض ودمشق اكتسبت زخمًا بعد اتفاق تاريخي لإعادة العلاقات بين السعودية وإيران.
وقال المحلل السياسي المتخصص بالشأن الإيراني مصطفى النعيمي، لعنب بلدي، إن “رئيسي لم يكن لديه ثقل بشكل مباشر في الملف السوري، لكن كان لديه فريق عمل يضم خبراء عسكريين، إضافة إلى إدارته الملف السوري سياسيًا عبر وزير خارجيته عبد اللهيان الذي كانت لديه تحركات مكوكية في المنطقة العربية، لتجاوز الكثير من الأزمات من خلال تفعيل دور الأذرع الولائية متعددة الجنسيات العاملة في المنطقة العربية بما فيها سوريا، واستثمار جهودها للضغط على المنظومة الدولية من أجل تحقيق أعلى المكتسبات، ومنع نقل المعركة من الساحات العربية إلى داخل ايران”.
توتر بين دمشق وطهران
العلاقة بين الأسد ورئيسي توترت في الأشهر الماضية، ولا سيما بعد هجوم القنصلية، وذكرت صحيفة “الشرق الأوسط” في 6 من أيار الحالي، أن إيران تشتبه في استعداد بشار الأسد، لعقد صفقة محتملة مع الغرب ضدها.
وأضافت الصحيفة أن إيران شعرت بهذا التقارب بين الغرب والأسد، بسبب اتخاذ الأخير موقفًا معتدلًا نسبيًا بشأن الصراع في قطاع غزة، مشيرة إلى أن مؤشرات وجود صدع بين طهران ودمشق، ظهرت بعد قصف إسرائيل القنصلية الإيرانية بدمشق مطلع نيسان الماضي.
صحيفة “الجريدة” الكويتية نشرت تقريرًا نقلًا عن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، يفيد أن الأجهزة الأمنية الإيرانية رفعت تقريرًا للمجلس بشأن احتمال ضلوع النظام السوري في تسريب معلومات لإسرائيل، ساهمت في اغتيال كبار القادة الإيرانيين في سوريا.
وذكرت الصحيفة حينها أنه من المحتمل أن يكون الأسد على علم بهذا الأمر، أو أن يكون الخرق على مستوى القيادة الروسية في سوريا بالتعاون مع المخابرات السورية، وفي هذه الحالة أيضًا فإنه من المرجح أن يكون تسريب المعلومات لإسرائيل كان بعلم الأسد.
التوتر بين طهران ودمشق انعكس كذلك على الجانب الاقتصادي خلال فترة حكم رئيسي، إذ بدأت إيران مؤخرًا بالضغط لاسترداد ديونها لسوريا البالغة 50 مليار دولار أمريكي عبر الحصول على مشاريع استثمارية، خاصة بعد توقيع الطرفين “مذكرة تفاهم للتعاون الاستراتيجي” أثناء زيارة إبراهيم رئيسي إلى سوريا، وفق ما نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن مصادر وصفتها بالمتابعة في دمشق.
ماذا بعد مقتل رئيسي؟
مصرع الرئيس الإيراني طرح تساؤلات حول مستقبل إيران ومدى تأثير ذلك على تعاطيها مع الملف السوري، وفي هذا الإطار قال الدكتور أحمد قربي، إن “رئيسي أساسًا لم يأتِ باستراتيجية جديدة عند استلامه الحكم قبل 3 سنوات، بل كان يستكمل نهج سلفه روحاني، كون السياسات العليا في إيران لا توضع من قبل الرؤساء أو مؤسسات الحكم التنفيذية والتشريعية، بل من قبل المرشد الأعلى خامنئي، وبالتالي استراتيجية طهران القائمة على تصدير الثورة الإيرانية إلى دول الجوار، لن تتغير بقدوم أو رحيل أشخاص كبار، والدليل أن نهج إيران استمر بعد مقتل قاسم سليماني، ولم تختلف أدوار الحرس الثوري وميليشياته في سوريا”.
في السياق ذاته، أفاد مصطفى النعيمي أن “مقتل رئيسي ومرافقيه، قد يمثل انتكاسة كبيرة بالنسبة لمشروع إيران كأقل تقدير في هذه المرحلة وربما لسنوات، وستعمل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي على استثمار هذا الموقف، من خلال فرض مزيد من العقوبات بحق إيران، في حال عدم امتثالها للمنظومة الدولية، بما يخص برنامجها النووي والباليستي والمسيرات والانتهاكات التي مورست في المنطقة العربية”.
وأضاف النعيمي، “مقتل رئيسي والاضطرابات التي قد تحصل في إيران، سيجعل المناخ الدولي مناسبًا جدًا لتوجيه مزيد من حزم العقوبات والضربات في آن واحد ضد طهران، إضافة إلى الحرب السيبرانية، وكذلك احتمال شن تل أبيب اغتيالات داخل العمق الإيراني، وليس فقط في منطقة الشرق الأوسط، وهذا يعتبر تغيرًا في قواعد الاشتباك السابقة”.
إبراهيم رئيسي من مواليد 1960 في مدينة مشهد، ورجل دين وسياسي محافظ، التحق بالقضاء عام 1980، وعمل مدّعيًا عامًا حتى عام 1994، كما تولى منصب مدير مؤسسة “آستان قدس رضوى” عام 2016، وهي مؤسسة دينية بالغة النفوذ والأهمية، الأمر الذي اعتبرته أوساط إيرانية تمهيدًا وإعدادًا لخلافة خامنئي، وفي آب 2021 فاز رئيسي بالانتخابات للرئاسة الإيرانية بنسبة 63% من أصوات الناخبين.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :