“نفذت ما طلب مني وخرجت من مخيم (الواحة) لأبقى مشردًا مع عائلتي المكونة من 15 شخصًا في غرفة ضمن معمل أحجار منحت لنا لأيام فقط”، بهذه الكلمات وصف اللاجئ السوري محمد، الذي كان يقيم في المخيم منذ عام 2012 وضع عائلته بعد هدم قوات الأمن اللبناني خيمته، في 20 من أيار الحالي.
الرجل البالغ من الستينيات وضعه المالي “تحت الصفر”، كما وصفه خلال حديثه لعنب بلدي، فهو لا يعمل منذ أكثر من عام، وذلك بعدما أنهى صاحب المشتل الزراعي الذي كان يعمل فيه برفقة 15 سوريًا عملهم جميعًا.
الوجود السوري في لبنان ازداد تعقيدًا خلال الأشهر الأخيرة، بعد دعوة وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، بسام مولوي، إلى الحد من وجودهم في لبنان، مؤكدًا ضرورة التشدد في تطبيق القوانين اللبنانية على اللاجئين السوريين.
وأكد الوزير أن موضوع الوجود السوري بهذه الطريقة “غير مقبول” ولا يتحمله لبنان.
وخلال اجتماع استثنائي لمجلس الأمن المركزي اللبناني، قال مولوي إن نسبة الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية بلغت 35% تقريبًا، وفق ما نقلته وسائل إعلام لبنانية، منها قناة “MTV“، وينبغي الحد منه بطريقة واضحة، وأن لبنان لن يقبل ببقاء السوريين على أراضيه مقابل مكاسب مالية.
وفي 20 من أيار، هدمت السلطات اللبنانية مخيم “الواحة”، الذي يضم أكثر من 1500 لاجئ سوري، الواقع في منطقة الكورة في محافظة الشمال، وذلك بعد إنذار منحته للأهالي بالإخلاء.
إنذار مسبق
أنذرت السلطات اللبنانية العائلات لإخلاء المخيم، في 13 من أيار، وذلك لتنفيذ عملية الهدم.
لكن محمد، الستيني الذي غادر المخيم، بقي مع عائلته دون مأوى أو سكن دائم، فالغرفة الواقعة داخل المعمل في مدينة طرابلس لا تتسع لجميع أفراد العائلة، وتعود لأقاربه السوريين الذي نبهوا العائلة لإيجاد الحل بأقرب فرصة.
وتسبب انقطاع محمد عن العمل بعدم قدرته على تجديد أوراقه الرسمية، ما تسبب بالتضييق على حركة العائلة، خاصة مع بدء الحملة الأخيرة ضد السوريين وانتشار قوات الأمن اللبناني للتدقيق على أوراق المارة.
واعتبر عضو تكتل “الجمهورية القوية” (أكبر كتلة في مجلس النواب اللبناني) في لبنان، فادي كرم، أن “السوري في المخيمات أصبح ذخيرة للعصابات بكل أنواعها”، مؤكدًا استمرار لبنان بإزالة كل التجمعات “غير القانونية” في منطقة الكورة وترحيل السوريين وفقًا لـ”القانون وليس بمنطق عنصري أو طائفي”.
وأضاف فادي كرم، في تصريح نقلته الوكالة الوطنية للإعلام (اللبنانية الرسمية)، في 21 من أيار، أن لبنان بدأ من مخيم “الواحة” لأنه “الأخطر” في المنطقة، في حين سيعلن عن المخيمات الأخرى التي ستهدم قريبًا.
بإشراف حكومي
نقلت الوكالة تفاصيل عن هدم المخيم، إذ قالت إن محافظ الشمال رمزي نهرا، أشرف على العملية، وأكد المحافظ استمرار تنفيذ تعاميم وزير الداخلية والبلديات في الكورة وبالترون وزغرتا وطرابلس وكل المناطق الشمالية، طالبًا من البلديات اتخاذ القرارات بهذا الخصوص.
وأفاد أمن الدولة اللبناني، في بيان نشر في 20 من أيار، أن بلدة كوبّا في شمال لبنان باتت خالية من السوريين بعد توجيه أوامر للموجودين بالإخلاء، ما أدى إلى “تجاوب بنسبة 100% دون وقوع أي حادث”، في الوقت الذي لا تزال الحملة الأمنية مستمرة، وفق ما نقلت الوكالة الوطنية للإعلام.
مطلب أممي
وطالب ممثل مكتب المفوضية السامية للاجئين في لبنان، إيفو فرايسن، التدخل لوقف ما وصفه بعمليات الإخلاء الجماعية بحق اللاجئين السوريين، متهمًا السلطات اللبنانية بتنفيذها قسريًا، وفق ما نقلته صحيفة “الشرق الأوسط” عن مصادر في وزارة الداخلية (لم تسمها).
واستنكر رئيس حزب “القوات اللبنانية”، سمير جعجع، في بيان، ممثل مكتب “المفوضية السامية للاجئين” في لبنان لوزير الداخلية، واتهمه بتجاوز حدوده وعدم احترام سيادة لبنان وسيادة قراره.
كما طالب المنسق العام للحملة الأمنية لإعادة النازحين السوريين، مارون خولي، وزير الداخلية، باتخاذ كافة الإجراءات القانونية بحق الممثل، بعد “تجاوزه الحدود القانونية ومنها توزيع بطاقات اللجوء بشكل “غير قانوني”، والتعامل مع المهاجرين “غير الشرعيين” كما لو كانوا لاجئين، وفق الوكالة.
الحملة الأمنية
مقتل المنسق في حزب “القوات اللبنانية”، باسكال سليمان، في 8 من نيسان الماضي، رفع وتيرة المطالب بترحيل السوريين، إذ اتهمت السلطات اللبنانية سوريين بالتورط بها.
ونشر الجيش اللبناني بيانًا قال فيه إنه ألقى القبض على معظم أفراد “عصابة سورية” متهمة بقتل سليمان، وذلك بعد أن قامت بخطفه ونقل جثته إلى سوريا، بغرض سرقة سيارته.
وفي 14 من أيار، استأنفت السلطات اللبنانية تنظيم ما وصفتها بـ”العودة الطوعية” لنحو 330 لاجئًا سوريًا عبر معبرين حدوديين في عرسال وبلدة القاع، بعد توقف لنحو عام ونصف العام، بحسب “الوكالة الوطنية للإعلام“.
ومن المتوقع تسيير قوافل أخرى عددها الأولي 2500 لاجئ سوري، وفق لوائح جديدة قُدمت للأمن العام اللبناني وسترسل لمكتب الأمن الوطني السوري لمتابعتها.
وبإطار الحملة الأمنية، أغلقت شعبة الأمن القومي في جبل لبنان 270 محلًا ومؤسسة يستثمرها ويديرها سوريون.
منظمات حقوقية
الأحداث الحاصلة بحق السوريين في لبنان دعت المنظمات الحقوقية للتدخل، إذ قالت سبع منظمات حقوقية بيان مشترك، في 16 من أيار، إنه ينبغي على لبنان أن يوقف فورًا عمليات الترحيل القسري للاجئين السوريين، وأن يتراجع عن مجموعة من الإجراءات الصارمة وغير المسبوقة التي أعلن عنها في 8 من أيار.
كما طلبت المنظمات من الدول المانحة حث لبنان على التمسك بمبدأ “عدم الإعادة القسرية” وضمان عدم استخدام أي مساعدة مقدمة لتسهيل عمليات الترحيل “التعسفية”.
اشترك في البيان منظمة “العفو الدولية” و”المركز اللبناني لحقوق الإنسان” و”الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان” و”الشبكة السورية لحقوق الإنسان” (SNHR) و”منظمة اللاجئين الدولية” (RI) و”منظمة باكس الدولية” (PAX) و”منظمة 11.11.11“.
وخلال عام 2023، وفق مركز “وصول” لحقوق الإنسان، 1080 حالة اعتقال “تعسفي” في سوريا، من ضمنهم 763 رحلوا “قسريًا” إلى سوريا، بينما صعب الوصول إلى 120 شخصًا فور دخولهم إلى الأراضي السوري.
ويبلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى مفوضية “الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” في لبنان نحو 780 ألفًا.