عنب بلدي – حسام المحمود
في العاصمة البحرينية، المنامة، عقدت القمة العربية في دورتها الـ33 أعمالها، بمشاركة رئيس النظام السوري، بشار الأسد.
القمة التي أولت كثير اهتمام بالتركيز الموضوعي على القضية الفلسطينية، عكسه بيان القادة العرب الذي أعقبها، تطرقت جزئيًا إلى الوضع في سوريا، دون صخب، لكنها بدت غنية بالرسائل على المستوى السوري في الوقت نفسه.
وكان الرئيس العراقي، عبد اللطيف جمال رشيد، الرئيس الوحيد الذي تطرق في كلمته صراحة إلى الملف السوري، رغم تناول لبناني لقضية اللاجئين.
وخلال كلمته التي ألقاها بالقمة المنعقدة في 16 من أيار الحالي، أعلن الرئيس العراقي استضافة بلاده أعمال القمة المقبلة بدورتها الـ34 لعام 2025، بدلًا من سوريا التي كان يفترض أن تستضيف القمة، وقال، “أود أن أعبر عن شكرنا وامتناننا للجمهورية العربية السورية الشقيقة، لقبولها التنازل عن الدورة العادية الـ34 لعام 2025 لمصلحة العراق، وننتظر بفارغ الصبر الترحيب بالأشقاء في بغداد”.
كما أكد دعم بلاده كل تطور إيجابي يسهم بوقف النزاع الداخلي في سوريا، مع تجديد موقف العراق الداعم للحفاظ على وحدة أراضيها والعمل على تطهيرها من كل ما يهدد الأمن والاستقرار فيها مع إعادة الإعمار وتوفير الحياة الحرة والكريمة للشعب السوري.
وبعد كلمات القادة العرب التي تناولت الأوضاع في غزة، وشددت على ضرورة وقف إطلاق النار، والدعوة للاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، جاء البيان الختامي للقمة، تحت اسم “إعلان البحرين“، ليعيد التذكير بأن الحل في سوريا يمر من بوابة القرار الأممي “2254”.
وإذا كانت قمة المنامة القمة العربية العادية الثانية بحضور الأسد بعد غياب 12 عامًا، لكنها في الوقت نفسه لم تتضمن كلمة للأسد الذي لاذ بالصمت، خلافًا للقمة السابقة، وهي القمة الأولى التي تضمن بيانها تشديدًا على القرار “2254” الذي يعكس بمضمونه السير في مضمار المرحلة الانتقالية في سوريا، خلافًا لإعلان جدة الذي أعقب القمة السابقة في السعودية، والذي اكتفى بالترحيب بعودة سوريا والتشديد على عروبتها والعمل على تعافيها.
لا قمة في دمشق، والحضور السوري بالاسم فقط، واللقاءات الجانبية التي أعقبت القمة لم تكتفِ بعدم تحقيق أي خرق دبلوماسي فقط، بل قلّصت فاعليتها عما قبل، فاقتصرت اللقاءات الجانبية للأسد على هامش القمة، على لقاء مع ملك البحرين، وآخر مع ولي العهد السعودي، وآخر مع الرئيس العراقي، بعدما التقى الرئيس المصري على هامش القمة العربية- الإسلامية بالسعودية في 12 من تشرين الأول 2023، والتقى الرئيس التونسي ونائب رئيس الإمارات على هامش قمة جدة.
القمة في بغداد
الإعلان العراقي عن استضافة القمة العربية المقبلة، وحديث الرئيس العراقي عن “تنازل سوريا”، ترافق مع حديث غير رسمي عن توتر في العلاقات العربية مع النظام السوري، يبرره عدم تحقيق أي تقدم في الطرح العربي لتسوية الصراع في سوريا عبر “المبادرة الأردنية” التي قدمت ما هو مطلوب من النظام وما هو معروض عليه بالمقابل، لتأتي النتائج خلال نحو عام على تقديم المبادرة بما يتعارض كليًا مع ما جاء فيها.
الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، أوضح لعنب بلدي أن ما يريده الأسد من القمة هو كسر عزلته العربية بالكامل، وإظهار أنه انتصر في الحرب، وأن العالم العربي عاد ليتعامل معه كرئيس قوي لسوريا، ما يعني أن فرصة استضافة قمة عربية في دمشق لا تُفوّت بالنسبة له، لكن الانفتاح العربي على الأسد لا يزال محدودًا، ولم يرتقِ بعد إلى مستوى يخرج الأسد من عزلته بالكامل ويفتح باب زيارات جماعية للزعماء العرب إلى دمشق.
وبحسب علوش، فإن الدول العربية أصبحت أكثر حذرًا في اندفاعها تجاه النظام السوري، وتقيس الفوائد المحتملة من هذا الانفتاح بدقة، مع وجود إدراك متزايد بأن تقديم مُحفزات للأسد قد يعطي في النهاية نتائج معاكسة، والولايات المتحدة تضغط أيضًا بشكل متزايد على حلفائها العرب لمنع ذهابهم بعيدًا في إعادة تأهيل الأسد.
وفي ختام أعمال القمة العربية، أكد “إعلان البحرين” على ضرورة إنهاء الأزمة السورية، بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن “2254”، وبما يحفظ أمن سوريا وسيادتها ووحدة أراضيها، ويحقق طموحات شعبها، ويخلصها من “الإرهاب”، ويوفر البيئة الكفيلة بالعودة الكريمة والآمنة والطوعية للاجئين.
الباحث محمود علوش أشار إلى عدم وجود إجماع عربي في الموقف الحالي تجاه النظام، وإلى أن كل دولة تقيس خطواتها وفق مصالحها وطموحاتها في سوريا.
“لا تزال السياسة العربية تجاه سوريا تفتقر إلى رؤية استراتيجية بعيدة المدى ومتماسكة وقادرة على جعل العرب مؤثرين في مسار الصراع بدلًا من كونهم على الهامش”.
محمود علوش
باحث في العلاقات الدولية
وبالنسبة للمشاركة الصامتة للأسد في القمة، اعتبر الباحث حضور الأسد تعزيزًا للتصور بأنه لم يعد منبوذًا بين العرب، لكن المشاركة تعكس في الوقت نفسه المعضلة التي تواجه السياسات العربية، فإذا كان الهدف من الانفتاح على النظام إعادة تأهيله للتكيف مع واقع أنه انتصر في الحرب، فإن ذلك لن يؤدي إلى إنهاء الصراع أو استعادة الدور العربي في سوريا، وإذا كان الهدف تحفيزه للقبول بعملية سياسية، فإن هذا الانفتاح يعزز اعتقاده بأنه انتصر وبأنه لم تعد هناك أي حاجة للقيام بخطوات سياسية طالما أن العالم عاد ليتعامل معه كرئيس، وفق الباحث.
الأسد صامت
مع الإعلان عن توجه الأسد إلى المنامة للمشاركة في القمة العربية، ذكرت صحيفة “الوطن” المقربة من النظام، نقلًا عن مصادر وصفتها بـ”المطلعة”، أن الأسد لن يلقي كلمة في القمة رغم تخصيص ثلاث دقائق على الأكثر لكل بلد للحديث، وبيّنت أن مشاركة الأسد ستركز على البحث والنقاش مع القادة المشاركين في الملفات المطروحة ضمن جدول الأعمال، لا سيما العلاقات العربية- العربية وتطورات الوضع في فلسطين.
كما ذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن الأسد لن يلقي كلمة خلال القمة التي تناقش عددًا من القضايا التي كان حدد مواقف واضحة تجاهها، ومن مختلف القضايا العربية، بما فيها العروبة والقضية الفلسطينية والصراع العربي- الإسرائيلي وإصلاح الجامعة العربية.
وبالتزامن مع القمة، نقلت إذاعة “شام إف إم” المحلية، عن مصادر وصفتها بـ”المتابعة”، أن الأسد ركز خلال مشاركته على أهمية النقاش والبحث في الملفات المدرجة خلال القمة، وليس على إلقاء الكلمات، فلم يلقِ كلمة، وكان ذلك مقررًا منذ دعوة الأسد إلى القمة.
ويتعارض هذا الطرح مع جدول أعمال القمة الذي حدد ترتيب كلمات ممثلي الدول العربية، والذي جرى فعلًا وفق ما كان معدًا مسبقًا، باستثناء تخطي كلمة الأسد والانتقال لما بعدها.
وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة “المدن” أن المعلومات تضاربت حول الأسباب، بين رفض الأسد الحديث طالما أن المدة الممنوحة ثلاث دقائق فقط، وبين وجود خلافات عديدة مستمرة، وبين رغبة الأسد بعدم تكرار تجربة العام الماضي، في إلقاء محاضرة بالرؤساء العرب، كما أنه سيكون أمام اعتبار مراعاة موقفه عربيًا، المتمثل بتحييد نفسه عما يحصل في غزة.
وتعتبر قمة المنامة القمة العربية الثانية بدورتها العادية بمشاركة الأسد منذ 2010 (شارك حينها بقمة سرت في ليبيا)، بعد مشاركته في القمة التي انعقدت بمدينة جدة السعودية في 19 من أيار 2023.
كما أنها القمة الثالثة للأسد منذ 2010، بعد القمة العربية- الإسلامية في 11 من تشرين الثاني 2023، وكان موضوعها تطورات الأوضاع في قطاع غزة، وجرى فيها دمج للقمتين، العربية والإسلامية، بتنسيق مع الجامعة العربية من جهة، ومنظمة التعاون الإسلامي من جهة أخرى.
واجتمع الأسد حينها لأول مرة منذ اندلاع الثورة في سوريا عام 2011، في قاعة واحدة، مع رؤساء وقادة دول تتبادل مع نظامه الخصومة السياسية.