القمة العربية بين المنامة وطهران
إبراهيم العلوش
عُقدت القمة العربية في البحرين خلال الأسبوع الماضي، وحضرها بشار الأسد كممثل صامت عن سوريا، فقمة المنامة لم تجد أن الأسد جاء بخطوات وديّة تجاه العالم العربي أو للتخفيف من الهيمنة الإيرانية على دمشق.
في قصر “الصخير” الباذخ عقدت القمة العربية اجتماعاتها في البحرين، الدولة التي تعتبر مسار اللؤلؤ، وموقعًا لحضارة دلمون العريقة، وممرًا للثقافات المتنوعة. ولكن إيران تحلم كل يوم بالسيطرة عليها، وقد كانت العقود القليلة الماضية سجلًا لأعمال الشغب والتمرد التي تديرها خلاياها السرية في المنامة، وقد تنازلت السلطات البحرينية للمعارضة، وتوصلت إلى دمج أجزاء كبيرة منها في بنية الدولة رغم الخلافات المذهبية التي تؤججها إيران في الدولة الصغيرة المطلة على الخليج العربي.
ورغم كل ذلك فقد كانت دولة البحرين مميزة في التحرر الاجتماعي والثقافي بالنسبة لدول الخليج، وانتشرت فيها الأفكار السياسية الرائدة في العالم العربي، وكان لنخبها التي تعلمت في القاهرة ودمشق وبيروت وفي الغرب صوت مميز في القضايا القومية والسياسية منذ الستينات من القرن الماضي.
هيمن موضوع غزة والحرب الوحشية ضد الفلسطينيين، ولمع نجم الملك الأردني، عبد الله الثاني، في القمة دفاعًا عن غزة وضد تهجير شعبها، وكذلك وهو يدافع عن حدود بلاده ويندد بمقتل جنوده على الحدود السورية التي تنتهكها الميليشيات الموالية لإيران، وتستعملها لنشر المخدرات، وتهريب الأسلحة في محاولة منها لنشر الفوضى في الأردن، وصناعة ما يشبه “حزب الله” اللبناني، الذي أثبت نجاحًا كبيرًا في خدمة المصالح الإيرانية بالعالم العربي.
وكانت الاتهامات موجهة مباشرة إلى بشار الأسد، الذي لاذ بالصمت، ولم يدافع عن سلوك نظامه الذي أعطى الإيرانيين السيطرة المطلقة في بلاده، وصاروا خطرًا على البلاد العربية المجاورة، على عكس قمة الرياض السابقة التي كانت مليئة بالوعود والخطابات ومحاولة الإسراع بتدوير نظام الأسد وإعادة تأهيله ضمن الجامعة العربية.
حاول الأسد خلال العام الماضي ابتزاز الدول العربية عبر المطالبة بدفع مبالغ من أجل وقف تجارة “الكبتاجون”، التي تدّر على رجالات نظامه المليارات، ولما لم تستجب الدول للوعود صعّد الإيرانيون وانتقلوا إلى تهريب الأسلحة إلى الأردن بحجة دعم المقاومة الفلسطينية، ورغم نفي “الإخوان المسلمين” (في الأردن) لتهمة التواطؤ مع الإيرانيين في هذا المشروع، فإن الأسلحة قد وصلت، بحسب جهات متعددة، إلى خلايا متطرفة من “الإخوان” وعلى علاقة بصالح العاروري الموالي لإيران، الذي تم اغتياله في بيروت وهو بحماية “حزب الله” بداية هذا العام.
الجهات الإيرانية تنفي علاقتها بمثل هذه الأعمال، ولكنها تعترف بأنها تهرّب السلاح إلى خلايا المقاومة في الأردن من أجل نقله إلى الضفة الغربية، كميات أسلحة وجدت لدى خلايا معادية للدولة الأردنية، وأعلن الأردن عن كشف الخلايا المسلحة من قبل إيران قبيل أيام من انعقاد القمة، رغم أن الحادثة تعود إلى آذار الماضي.
جهات إيرانية أخرى تقول إن قاسم سليماني هو من أنشأ خلايا موالية لإيران في الأردن، ردًا على غرفة “الموك” التي كانت تحرك عمليات عسكرية في سوريا، وتم دعم هذا الزعم بتصريحات الميليشيات العراقية التي تنفخ في نار الاحتجاجات السلمية بالأردن ضد الاجتياح الإسرائيلي في غزة، لتحولها إلى تنظيمات مسلحة على شاكلة ميليشيات “الحوثي” في اليمن و”حزب الله” في لبنان والميليشيات الإيرانية والعراقية.
الغضب الأردني على سوريا هو ما ميز القمة العربية في المنامة، وجمد أنشطة بشار الأسد الإعلامية والسياسية فيها، فالأردن كان المحرك الأساسي لإعادة نظام الأسد إلى القمة العربية، وقدم المبادرات المتعددة عبر فتح الحدود والمشاركة بتصفية خلايا “الجيش الحر” في درعا، ومغازلة النظام على أمل الوقف المباشر لتهريب “الكبتاجون” والمخدرات إلى الأردن والعبور بها إلى السعودية، التي استضافته في قمة الرياض خشية استفحال الأمر وازدياد دخول المخدرات إليها.
الخراب في الأردن مصلحة إيرانية، إذ إن الدولة الفاشلة هي الهدف الإيراني والمناسبة للتحرك فيها، وهذا ما حصل في لبنان وسوريا واليمن والعراق، فخراب الأردن فتح جديد للإيرانيين إن حصل يومًا ما، سيجعل عاصمة جديدة تنضم إلى الدول العربية التي تفتخر طهران بالتحكم بها.
ومن جهة أخرى، فإن إسرائيل ترحب بهذا التخريب السوري- الإيراني في عمان، رغم معاهدة السلام التي وقعتها مع الأردن، لأن وجود دولة فاشلة على حدودها سيجعل اليمين المتطرف فيها أكثر جرأة على ترحيل من يشاء من سكان الضفة الغربية وغزة، في محاولة لإزاحة المطالب الفلسطينية وإنشاء دولة لهم في الأردن، كما هو مخطط لذلك منذ عقود طويلة.
رغم لقاء الأسد البروتوكولي مع ولي العهد السعودي، فإن القمة أعادت التأكيد على حل المسالة السورية بالاعتماد على القرار “2254”، الذي يتضمن الانتقال السياسي في سوريا، وهذا ما يعتبر نكبة لدبلوماسية النظام التي تحاول التملص من القرار الدولي الذي أسهمت روسيا والصين مع الدول الغربية بإصداره، ما يحتم مجيء ساعة رحيل هذا النظام ومحاسبة مسؤوليه على الجرائم التي ارتكبوها مهما تأخر الزمن!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :