جريدة عنب بلدي – العدد 54 – الأحد – 3-3-201
إذ أنه ومع خروج الآلاف من السكان من بيوتهم في المناطق المتوترة التي تشهد اشتباكات أو قصفًا أو حملات عسكرية لقوات النظام، فقد ازداد الضغط على الأفران في المناطق «الأقل» سخونة أو الهادئة نسبيًا. وكان اللافت الإجراءات الحكومية «الارتجالية» للتعامل مع هذا الوضع، حيث تم إعطاء موافقات استثنائية لشرائح معينة من المجتمع للحصول على الخبز، في حين ينبغي على الآخرين الوقوف على الدور لساعات للحصول على الخبز، الأمر الذي يمكن وصفه بمعاملة «طبقية» لأبناء المجتمع تقوم لدرجة كبيرة على أساس الولاء للنظام والوقوف إلى جانبه. فالموافقات الاستثنائية شملت بالدرجة الأولى العسكريين والموظفين، والعسكريون هم الذين يحمون النظام ويدافعون عنه في مواجهة أبناء بلدهم، أما الموظفون – كثير ممن تبقى منهم- فهم محسوبون على النظام ويعطونه بعض الشرعية التي فقدها، ولذلك فقد كافأهم بمنحهم تلك الموافقات الاستثنائية وجعل لهم أدوارًا خاصة على الأفران كي لا ينتظروا طويلًا.
وجاء القرار الحكومي الجديد لوزير التجارة الداخلية – في 23 شباط 2013- بوقف الموافقات الاستثنائية للموظفين وذلك على خلفية اكتشاف حالات فساد عبر التصرف بجزء من الكميات المسلمة لمعتمدي الجهات العامة ببيعها في السوق السوداء بأسعار خيالية، كما ورد في حيثيات القرار، كمحاولة «يائسة» لتحميل مسؤولية الأزمة للموظف الذين يحصل على ربطة أو ربطتين وربما باعهما ليغطي بقية مصاريفه من خلال «السعر الخيالي» الذي يحصل عليه. إلا أن هذا القرار قد أغفل جزءًا مهمًا وأساسيًا من المشكلة وهو كميات الطحين المخصصة للأفران، إضافة إلى الدور الاستثنائي الآخر الذي يبدو أن لا أحد يجرؤ على الاقتراب منه.
فانتقال المواطنين من منطقة سكنهم وإقامتهم إلى مناطق أخرى كان يستوجب نقل مخصصات الطحين – والمواد الأخرى كالمازوت والغاز- إلى مناطق نزوحهم وهو الأمر الذي لم يتم، رغم عدة محاولات من قبل بعض الأشخاص – كأعضاء المجالس البلدية والمخاتير- مع المسؤولين في وزارة التجارة الداخلية لنقل مخصصات الأفران في المناطق المتوترة كدارياوالمعضمية وغيرها وتوزيعها على الأفران في مناطق النزوح مثل جديدة عرطوزوصحنايا والكسوة وغيرها، إلا أن كل تلك المحاولات قوبلت بوعود لم يتحقق منها شيء حتى الآن.
إن نقل المخصصات إلى مناطق النزوح أمر كفيل بتخفيف حدة أزمة الخبز لحد كبير وبشكل أكثر فعالية من وقف «دور الموظفين» الذي لن تعود له حاجة بعد ذلك. إلا أنه يبدو أن هناك قرارًا أو توجهًا للإبقاء على أزمة الخبز وعدم حلها… لأنه لو كانت هناك الإرادة بحل الأزمة لدى الإدارة الاقتصادية في الحكومة لكان ذلك ممكنًا من خلال نقل المخصصات أو من خلال إلغاء الموافقة الاستثنائية الثانية الممنوحة للعسكريين الذين تراهم يقفون أمام معظم الأفران فيحصلون على عشرات الربطات ليبيعوها بالسعر الذي يريدون دون حسيب أو رقيب، في حين يضطر سواهم من المواطنين للوقوف في الدور لساعات، وإذا ما قرر أحدهم بيع ربطة الخبز التي حصل عليها فإنه يصبح من «المفسدين» في الأرض ومن تجار الأزمات.