في كتابه “التطور الراهن للعالم”، يطرح المؤرخ وعالم النفس غوستاف لوبون قضايا من زاوية علم الاجتماع السياسي، حول ثلاث مسائل أساسية، بدءًا من الثورة العلمية وعجزها عن إحداث أي تغيير جذري في البنى الذهنية للشعوب، واحتدام الصراع بين النخب وعامة الشعب، ومآلات الحرب المقبلة والسبل الممكنة لتجنبها.
ولم يكن غوستاف لوبون يعرف المستقبل عندما خلص في كتابه إلى أن الحروب المقبلة لن تكون حكرًا على السلاح، بل ستشكل الحروب الاقتصادية جزءًا أشد قسوة من تلك العسكرية.
صدر كتاب لوبون باللغة العربية عن دار “الرافدين” للنشر في بيروت منذ فترة ليست ببعيدة، وقدم فيه المؤرخ الفرنسي رؤيته لمستقبل الحروب بين عامي 1841 و1931، وترجمه باسل الزين إلى اللغة العربية.
يذهب لوبون في كتابه إلى أبعد من ميادين الخنادق والتكتيكات العسكرية كأساس للحرب، إذ ينظر إلى أن الحروب الاقتصادية أشد قسوة وضراوة.
ويعترف الكاتب أنه لو اكتفت ألمانيا في خضم الحرب العالمية الأولى بشن حرب اقتصادية من دون اللجوء إلى حرب عسكرية، لكانت هي المنتصرة اليوم، ولمني الحلفاء بهزيمة نكراء.
وارتكازًا على فكرته السابقة، يعتقد الكاتب أنه إذا كان مستقبل الحروب يتوقف حصرًا على القوة الاقتصادية، فهذا يعني أن التحالفات لن تبقى على حالها، فحلفاء اليوم هم أعداء الغد، والعكس بالعكس.
ومن هذا المنطلق، يطرح الكت اب فهم كاتبه لسعي بريطانيا سابقًا للهيمنة على العالم اقتصاديًا، فالحقيقة الت الولايات المتحدة الأمريكيةي كان يراها لوبون أن المستقبل يقبع بيد الدول المقتدرة اقتصاديًا على المواءمة بين متطلبات النظام الرأسمالي وأحكام النظام الاشتراكي.
وعند حدود المواءمة التي رآها لوبون، برز دور الولايات المتحدة الأمريكية بوصفها دولة مقتدرة، استطاعت أن تحقق التوازن المنشود.
وبين القوى التي اعتقد لوبون أنها تقود العالم اقتصاديًا وأمنيًا، الدول الأوروبية وأبرزها فرنسا التي رأى وقتها أنها تتجه نحو الدكتاتورية لمكافحة الهيمنة الأمريكية على جميع الأصعدة.
وفي ختام الكتاب، يعتقد غوستاف لوبون أن العصر الحديث يمثل حقبة من الصراعات بين الأوهام السياسية والضرورات الاقتصادية الجديدة.