زحمة معارض في دمشق.. ترويج بفوائد اقتصادية محدودة
عنب بلدي – يامن المغربي
أعلنت “المؤسسة العامة للمعارض والأسواق الدولية” (حكومية رسمية تتبع للنظام السوري)، في 14 من أيار الحالي، عبر صفحتها في “فيس بوك”، عن استعدادها لاستضافة ثلاثة معارض تخصصية للفترة بين 16 و20 من أيار، هي المعرض الصناعي السوري الدولي، والمعرض السوري الدولي للبناء والتشييد والبنى التحتية، ومعرض الطاقة والكهرباء والأتمتة الصناعية.
ويأتي إعلان المؤسسة في ظل تركيز على استضافة المعارض في دمشق، وسط ظروف اقتصادية وسياسية معقدة، وأزمات معيشية في سوريا من جهة، وعقوبات دولية تحاصر النظام السوري من جهة أخرى.
وضمن الظروف الطبيعية، تلعب المعارض دورًا مهمًا في المشهد الاقتصادي، سواء لاستقدام القطع الأجنبي الضروري لعملية الاستيراد، أو لإقامة العلاقات التجارية بين الشركات من مختلف الدول، ويضاف إلى ما سبق، إمكانية الاطلاع على ظروف الاستثمار على أرض الواقع، والتمهيد لعقد الصفقات التجارية.
توجه لتنظيم المعارض
لا تخفي المؤسسة العامة للمعارض والأسواق الدولية توجهها للتركيز على إقامة المعارض التخصصية، وفق تصريحات صحفية أدلى بها مديرها العام، حليم الأخرس، خلال مؤتمر صحفي، في 24 من نيسان الماضي، معتبرًا أن هذه المعارض “تعمل على خلق فرص حقيقية لزيادة الاستثمار وفتح أسواق جديدة لتصدير المنتج السوري”.
ومنحت المؤسسة 58 موافقة خلال الربع الأول من العام الحالي لإقامة معارض ومهرجانات وبازارات، في دمشق ومحافظات أخرى، فيما سجلت 31 موافقة فقط خلال الفترة نفسها من عام 2023، وفق تصريحات للأخرس نقلتها وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) في 3 من نيسان الماضي.
واعتبر الأخرس أن المعارض المنظّمة والإقبال عليها يعد “مؤشرًا إيجابيًا للنشاط الاقتصادي”، فيما اتخذت المؤسسة وفق تصريحاته مجموعة من الإجراءات لـ”تسهيل إقامة المعارض”، لتنشيط الاقتصاد والتعريف بالمؤسسات.
توجه المؤسسة لا يختلف عن توجه حكومة دمشق، التي تروج بشكل دائم لانتعاش قطاع السياحة، وإقامة المعارض والمؤتمرات، والحديث المتكرر عن تعافي الاقتصاد السوري، وهي صورة عكس الواقع وأرقامه.
الباحث الاقتصادي زكي محشي، أوضح لعنب بلدي أن التركيز على إقامة المعارض له جانب دعائي ورسائل موجهة للداخل والخارج على حد سواء.
خارجيًا، يسعى النظام السوري لتصوير أن الظروف في سوريا تعود لطبيعتها، عبر تنظيم المعارض الدولية التي يشارك فيها رجال أعمال وتجار وشركات، تزور البلاد وتقيم فيها وتعرض منتجاتها.
أما داخليًا، فهي طريقة يتبعها النظام بشكل دائم عبر تقديم صورة بأن الوضع الاقتصادي يتحسن وسيتحسن أكثر خلال الفترة المقبلة، لإيهام المواطنين، سعيًا منه للتخفيف من حدة الاحتقان وتجنب الاضطرابات على المستوى الاجتماعي، وفق محشي.
وأضاف أن المعارض غالبًا ما تكون حملات دعائية وتتضمن صفقات تجارية، والشركات العارضة أو العاملة في تنظيم المعارض تكون محسوبة بشكل مباشر على النظام، وهناك علاقات قوية بينهما، وتريد أن تظهر للنظام قدرتها على الترويج الصحيح للحصول على رضا الأجهزة المسؤولة عنها.
وبالتالي يتحول الأمر إلى نوع من التنافس بين هذه الشركات، حول من الأكثر قدرة على تنظيم معارض أكثر والترويج بأن صورة النظام تتحسن خارجيًا، وبالفعل هناك معارض تجذب رجال أعمال أوروبيين ولو على المستوى الفردي، وقد ينتج عنها بعض الصفقات، بحسب محشي.
الأهمية الاقتصادية للمعارض
تلعب المعارض دورًا مهمًا في الاقتصاد الوطني للدول، وبرفده بالقطع الأجنبي، وإقامة العلاقات التجارية بين الشركات من دول مختلفة.
وجاء في دراسة نشرتها مجلة “جامعة البعث للأبحاث العلمية” في 2023، أن هناك ترابطًا بين المعارض وتطوير القطاع السياحي وتدفق النقد الأجنبي.
كما تلعب دورًا في توفير وظائف دائمة ومؤقتة لليد العاملة، ولها آثار اقتصادية مباشرة، بالإضافة إلى التبادل التجاري والمعرفي.
وأوضح الباحث الاقتصادي زكي محشي، لعنب بلدي، أنه وبشكل عام المعارض الاقتصادية تنظمها الحكومات أو جهات شبه حكومية، وشركات، لتسويق المنتجات وعادة ما تكون معارض تخصصية.
غالبًا ما تكون هناك مشاركة من شركات متعددة من دول مختلفة، كما نرى في معارض أوروبا ودبي وغيرهما، كمعارض التكنولوجيا على سبيل المثال، والهدف الأساسي هو التسويق وعقد الصفقات والمنافسة بين الشركات العارضة من أماكن مختلفة.
لا التفاف على العقوبات
فرضت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية على النظام السوري، منذ عام 2011، طالت أشخاصًا وشركات.
العقوبات متعددة وتنص على تجميد الأصول في البنوك الأمريكية لأي من الكيانات والشركات والأشخاص الذين فُرضت عليهم تلك العقوبات، ومنع جميع الشركات الأمريكية من التعامل معهم.
كما بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بفرض عقوبات اقتصادية على شخصيات في النظام السوري وشركات اقتصادية مرتبطة به بموجب قانون “قيصر”، منتصف حزيران 2020.
وشملت العقوبات كلًا من بشار الأسد، وزوجته أسماء، وشقيقيه ماهر وبشرى، إلى جانب رجل الأعمال السوري محمد حمشو وعائلته.
كما شملت شركات تابعة لرامي مخلوف، ابن خال الأسد، إضافة إلى عقوبات على رجل الأعمال نادر قلعي.
ويحمّل النظام السوري العقوبات مسؤولية تدهور الاقتصاد السوري طيلة سنوات، وحاول عبر عدة دول حليفة له أو تربطها به علاقات جيدة الالتفاف عليها.
السؤال الذي يثيره الإعلان المتكرر عن المعارض، هل تلعب الأخيرة دورًا في التفاف النظام السوري على العقوبات الدولية؟
واستبعد محشي في حديثه لعنب بلدي أن يسعى النظام السوري لهذه الخطوة، على اعتبار أن الأخير لديه طرقه للالتفاف عليها ولن يفعل ذلك علنًا، ومن خلال صفقات تجارية بين طرفين بشكل مباشر وبشكل معلن.
وفي 26 من آذار الماضي، قالت وزارة الخزانة الأمريكية، إن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لها فرض عقوبات على 11 فردًا وكيانًا يدعمون نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، عبر تسهيل التحويلات المالية غير المشروعة والاتجار بالمخدرات، وتصدير السلع السورية.
وأدرجت الوزارة تصريح وكيلها لشؤون الشرق الأوسط، بريان نيلسون، وجاء فيه: “يواصل نظام الأسد استخدام مجموعة متنوعة من المخططات للتهرب من العقوبات ومواصلة حملته القمعية الطويلة الأمد ضد مواطنيه، بما في ذلك الاتجار بالمخدرات غير المشروعة، واستغلال صرف العملات، والاستفادة من الأعمال التجارية التي تبدو مشروعة”.
وأظهر تحقيق استقصائي حمل اسم “مفاتيح دبي”، يقوده مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP)، وموقع الأخبار المالية النرويجي، وشاركت فيه 74 وسيلة إعلامية من مختلف دول العالم، استخدام عائلة الأسد وأقاربهم ورجال أعمال مقربين، مدينة دبي الإماراتية كمنفذ لتدفق الأموال عبر الاستثمارات العقارية.
وجاء في التحقيق المنشور في 15 من أيار، أن رجال أعمال كبار على قوائم العقوبات من دائرة النظام الاقتصادية، نقلوا أموالًا إلى دبي واشتروا أصولًا عقارية في مناطق فاخرة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :