كشف تحقيق استقصائي أنجزه فريق “Syria indicator” عن ضياع حقوق سكان منطقة المزة- بساتين الرازي في العاصمة السورية دمشق، وعدم منحهم مساكن بديلة وتحويلهم إلى مشردين، إثر مخططات عمرانية منذ سنوات للمنطقتين التنظيميين “ماروتا سيتي” و”باسيليا سيتي”.
وذكر التحقيق، الصادر الخميس 16 من أيار، أن سكان منطقة المزة- بساتين الرازي هُجروا من بيوتهم في عام 2017، تنفيذًا لمرسوم جمهوري صدر في 2012 بغية “تنظيم المنطقة”، وباتوا يتسولون حقهم بالسكن البديل من محافظة دمشق والمكاتب العقارية.
وجاء في التحقيق أن ملف “ماروتا سيتي” و”باسيليا سيتي” يتداخل فيه الفساد بسوء التخطيط والإدارة بتأثير العقوبات بصراع على النفوذ والمال بين عائلتي شاليش ومخلوف.
وقدّر التحقيق العائدات الاستثمارية المتوقعة من “ماروتا سيتي” وحدها بما يتراوح بين 52 و105 تريليونات ليرة سورية تقريبًا (ما يعادل 3.5 إلى 7 مليارات دولار أمريكي).
ومن بين 7500 عائلة أخليت من بيوتها، استحقت 5500 عائلة “مساكن بديلة”، على أن تُسدد أثمانها، ومرت سنوات ولم يتسلم أحد منزله، أي شُرّد نحو 30 ألف شخص (بفرض أن متوسط عدد أفراد الأسرة الواحدة أربعة أشخاص فقط).
وخسر أشخاص منزلهم في المنطقة التنظيمية بسبب سفرهم خارج سوريا، وذلك في أثناء كشف لجان محافظة دمشق على العقارات المنذرة بالهدم وتوثيق شاغليها، على اعتبار أن الذين كانوا خارج البلاد خلال الكشف مجردون من الحقوق، ولا يحصلون حتى على بدل إيجار.
ولم تتوقف معاناة السكان عند تشريدهم، بل امتدت لتشمل قيَم بدلات الإيجار المقدمة لهم، وهي قيم جرى تحديدها وفق تخمينات جامدة محسوبة على أسعار العام 2016، فيما تضاعفت أسعار الإيجارات عشرات المرات منذ ذلك الوقت، وتضاعفت معها البدلات الفعلية للإيجار.
وبحسب التحقيق، فإن التنافس كان حاضرًا بين رجل الأعمال الشهير رامي مخلوف وبين رياض شاليش عبر شركاتهما التي كانت تتولى إدارة وبناء واستثمار المنطقة التنظيمية الأولى الواقعة في المزة خلف مستشفى “الرازي”، ويبدو أن شاليش نجح في اقتناص فرصة خروج مخلوف من المشهد في نهاية المطاف.
وكانت التوجهات نحو “إعادة تنظيم بعض المناطق العشوائية في دمشق موضوعة على الطاولة قبل عام 2011″، لكن التغييرات التي حصلت في سوريا بعد ذلك، والعقوبات الأمريكية والأوروبية، أجّلت الأمر.
تلك التغييرات شكلت فرصة لفئات أخرى من “المستثمرين”، منها طبقة أثرياء الحرب، وبعض رجال الأعمال المتنفّذين، للدخول على الخط بقوة، والاستثمار في هذين المشروعين اللذين “سيعودان بأرباح فاحشة ولو على المدى البعيد”، وفق التحقيق.
وبلغ عدد دفاتر السكن البديل التي بيعت أكثر من ألف حتى الآن، بعض من يقف خلف شرائها “شخصيتان سوريتان من العيار الثقيل تقيمان خارج سوريا، إحداهما سيدة من عائلة مرموقة، والشخصية الأخرى مسؤول بارز سابق”، بحسب التحقيق.
وتعد الإجراءات السابقة مخالفة للقانون والدستور السوري، إذ تقول المادة “15” من الدستور السوري، “لا تنزع الملكية الفردية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل وفقًا للقانون”
وتؤكد المادة “771” من القانون المدني السوري على أنه “لا يجوز أن يحرم أحد ملكه إلا في الأحوال التي يقررها القانون، وبالطريقة التي يرسمها، ويكون ذلك في مقابل تعويض عادل”.
وفي 10 من آذار 2022، أصدر “المركز السوري للعدالة والمساءلة” تقريرًا تناول انتهاكات حقوق الإنسان ضد السوريين خلال عام 2021، ومن ضمنها حقوق المساكن والممتلكات والأراضي، موضحًا أنه رغم العقوبات الاقتصادية الغربية التي أوقفت معظم مشاريع إعادة التطوير العقاري في دمشق، ضمن “ماروتا سيتي” و”باسيليا سيتي”، فإن المشاريع العقارية هذه قامت بالتجريف والهدم بلا هوادة، ما رسّخ النزوح في زمن النزاع بمساكن عشوائية.