«الشاكرية» تغيب عن مشهد السفرة السورية

  • 2013/03/04
  • 11:40 ص

جريدة عنب بلدي – العدد 54 – الأحد – 3-3-2013

 

لم تعد طقوس السفرة السورية كسابق عهدها، إذ باتت تفتقد الكثير من صنوف الأطعمة حالها كحال سوريا التي باتت تفتقد الكثيرين من أبنائها. كذلك لم تعد «الشاكرية» طبق الأعياد والمناسبات الخاصة، إذ لم يعد هناك في سوريا مكان للمناسبات «الخاصة».

«الشاكرية» طبق الأعياد الذي اعتادت النساء إعداده من اللبن واللحم المسلوق غاب عن سفرة عائلة أم نزار، وهي سيدة في السبعينيات من عمرها، وهي اعتادت طهو هذا الطبق ليلة العيد، لتملأ رائحة الشاكرية أرجاء منزلها، وتنام بانتظار أبنائها وبناتها وأحفادها في أول أيام العيد للاجتماع في منزلها على سفرة واحدة وتناول «شاكرية العيد» في لمّة أسرية حميمة.  تقول أم نزار فرقنا النزوح وبات كل واحد من أبنائي «في ديرة» وانقطعت سبل الاتصال…. مرّ عيدان ولم تجتمع عائلتنا بأكملها. ابني الأكبر «هجّ» إلى مصر بعد أن لعبت معه عناصر الأمن لشهور عدة لعبة «القط والفأر» اضطرته لترك مكتبه والتزام بيته وانتهى به الأمر لترك البلد لتلحق به أخته بعد أن افتقدت أولادها الذين «هربوا» من صعوبة الحياة في البلد. أما نحن فقد تفرقنا في «بلاد الله الواسعة» بعد دخول الجيش إلى المدينة. وغاصت الدموع في أخاديد وجهها المغضن والتي حفرها الزمن، وغصت الكلمات في حلقها.

أم هشام، وهي سيدة في عقدها الخمسين، هي الأخرى لم تحضر وجبة شاكرية في منزلها منذ قرابة تسعة أشهر، فهي طبق أحمد المفضل. ومنذ اعتقال ابنها أحمد لم تعد تقوى على إعدادها. «أنتظر قدوم أحمد بفارغ الصبر كي أطهو له الشاكرية من جديد..» وتابعت أم هشام والدموع قد شكلت غشاوة على عينيها الذابلتين، غياب أحمد عني غيّب معه الكثير من الأشياء الأخرى. لم تعد للحياة نكهتها القديمة ولم يعد لي «نفس» لإعداد أي طبق كان له وقعًا في قلب ابني الحاضر الغائب.

«حتى الأعياد اشتاقت للشاكرية» تقول أم سالم. منذ زواجي قبل أربعين عامًا لا تغيب الشاكرية عن سفرة العيد «خصوصي عيد رمضان… لأنها أكلة خفيفة للناس يلي طالعين من صيام» تتابع أم سالم القول. وتحدثنا كيف كانت العائلة تصنع جو العيد الخاص بها، فهي تطبخ الشاكرية فيما بناتها وكناتها يصنعن الحلويات، وأبو سالم يمارس هوايته بغلي القهوة المرة، وتتداخل روائح العيد وتمتزج لتضفي على المناسبة نكهة خاصة. أما اليوم فقد غابت هذه الاجواء تمامًا عن المشهد السوري، إذ باتت الأعياد تعبق برائحة المجازر، واستبدل صوت رنين الفناجين بضربات قذائف الهاون والمدفعية تدك البيوت الآمنة.

ومع اشتداد وقع الأزمة في سوريا على حياة السوريين، لم يعد بإمكان معظمهم الاستمتاع «بوجبة هنيئة» وبات الجميع يتناول «ما تيسر له» من طعام بعد أن تركوا بيوتهم وأموالهم وخرجوا «بملابسهم التي تسترهم» هاربين من «بعبع» جيش النظام الذي يقتحم المدن والبيوت. أبو ماهر، وهو رجل في الأربعينيات، عاطل عن العمل ويعول أسرته المكونة من خمسة «قطع لحم» تحتاج «حلم الله» كي تكبر وتبقى على قيد الحياة، كما يقول. لم يشتري اللحم للطبخ منذ غادر منزله، إذ بات اللحم حلم رب الأسرة الذي تقطعت به السبل، وكذلك الحال مع أسطوانة الغاز التي أصبحت «أميرة» يسعى إليها وإذا ما استطاع الحصول عليها فإنه لن يسمح لأم ماهر باستهلاك نصفها من أجل طبخة واحدة.

وبذلك أصبحت «الشاكرية» طبقًا يحكى عنه في «ذاكرة الزمن».

مقالات متعلقة

فكر وأدب

المزيد من فكر وأدب